رمضان في مصر.. الفانوس مصدر الفرحة رغم كآبة الغلاء

الأربعاء 16 مايو 2018 03:05 ص

«قد يعوض الفانوس الذي أحضرته لابنتي النقص في الياميش واللحوم».. بهذه الكلمات تحدث «عبدالحميد السيد»، عن استقباله لشهر رمضان في ظل غلاء كبير تشهده مصر في الأسعار، في وقت يبحث فيه المواطن عن أي بهجة للأطفال في هذا الشهر.

حال «السيد»، كغيره الكثير من المصريين، الذين يستقبلون رمضان، بالتزامن مع أزمة اقتصادية طاحنة في بلادهم، رفعت أسعار السلع والخدمات الأساسية، للدرجة التي دفعت البعض للتنازل عنها.

رمضان هذا العام، يستقبله المصريون بمعادلات من الصبر والحسابات الدقيقة لميزانية المنزل، لمواجهة موجة الغلاء والأسعار التي يعيش المصريون حاليا.

وأدى تحرير سعر صرف العملة المصرية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، إلى تراجع قيمتها بنسبة 50% تقريبا، ووصل سعرها في المصارف أكثر قليلا من 18 جنيها للدولار، بعد أن كان 8.8 جنيهات.

وعلى الرغم من الإصلاحات الاقتصادية التي تؤثر بشكل ملحوظ في الأسر المصرية في السنوات الأخيرة، فإن هناك تمسكا بمظاهر الاحتفال بقدوم شهر رمضان، بتزين البيوت والشوارع والمحلات.

موجة الغلاء

ولطالما كان معروفا أن استهلاك المصريين من السلع الغذائية، يرتفع في رمضان بنسبة تتراوح بين 50 و80%، إلا أن العين لا يمكن أن تخطئ أن عادات المصريين الاستهلاكية الغذائية لم تعُد كما كانت عليه قبل تعويم الجنيه.

ويعد شهر رمضان أكثر شهور العام، بالنسبة للإقبال على المواد الغذائية في البلاد؛ إذ يحرص ملايين المصريين على شراء كميات كبيرة من الطعام تكفي للشهر بأكمله.

كما يحرصون على شراء كميات من الياميش (المكسرات والحلويات التي ترافق مائدة رمضان) التي تضاعف ثمنها أخيرا، في وقت تراجع فيه نسبة استيرادها 40%، حسب شعبة العطارين.

وفي رمضان هذا العام، بدت عادات المصريين متغيرة بشكل ملحوظ، وأصبحوا أقدر على ترشيد عاداتهم الشرائية.

وإذا كان هذا واضحا في الأشهر العادية، فإنه بلا شك يكون أكثر وضوحا في رمضان، حيث عادة ما يزداد الطلب على منتجات الألبان والدقيق والسكر والزيوت والسمن، فضلا عن تبادل العائلات للدعوات إلى المآدب، وما يشكله هذا من عبء مالي إضافي على العائلة.

ويرتفع معدل الاستهلاك عند العائلات المصرية، التي تصوم رمضان، وتصبح مائدة الإفطار أكثر تنوعا وبذخا، ويستوي في ذلك الغني بمتوسط الحال، لكن غلاء المعيشة في مصر وتعويم الجنيه، من الأمور التي جعلت ربات البيوت في مصر يحاولن التوفيق بين ميزانية البيت والاستهلاك في شهر الصيام، فتنازلن عن الكثير من العادات الشرائية وعوضنها بمهاراتهن في الطبخ وصناعة الحلويات.

مدير مبيعات بإحدى شركات الجملة ويدعى «محمد هشام»، قال إن نسبة الإقبال هذا العام لا تقارن بالعام الماضي، موضحا أن العام الماضي كان نسبة الإقبال أضعاف هذا العام.

وقال تجار، إنهم لجأوا إلى تقليل أحجام بعض العبوات لعدة منتجات للبيع بسعر أقلّ، من أجل تحريك السوق، خاصة أن بعض الأسر أصبحت تكتفي بأقل القليل حتى لا تقطع عاداتها الاستهلاكية بصورة كاملة.

الأمر لم يقف فقط عند ارتفاع أسعار السلع الغذائية، بل فوجئ المصريون، مساء الخميس، برفع سعر تذاكر مترو الأنفاق 250%، وهو القرار الذي لم يكن أبدا بمعزل عن قرارات أخرى مرتقبة برفع أسعار المياه والكهرباء والوقود، ما يفاقم أزمات المصريين الاقتصادية.

ويخشى المصريون من أن تطول مخاوف زيادة أسعار تذاكر المترو، سيارات الأجرة والحافلات العامة خلال الأيام المقبلة.

وعلى الرغم من أن الحكومة لم تعلن بعد، نسب الزيادات في أسعار الوقود والمياه والكهرباء، إلا أنها أفصحت عنها ضمن خطط الإصلاح الاقتصادي التي تتبناها، وفيها يتم رفع الدعم عن الوقود والكهرباء تدريجا.

ويُنتظر أن تُعلن الزيادات في الأسعار قبل يوليو/تموز المقبل (عقب رمضان مباشرة)، حيث يبدأ العمل بالموازنة العامة للدولة في عامها المالي الجديد، علما بأن رفع أسعار الوقود والكهرباء يتبعه موجة غلاء في غالبية المنتجات الغذائية، ووسائل النقل.

وكانت وثيقة حكومية، أظهرت أن السلطات تستهدف خفض دعم المواد البترولية في البلاد بنحو 26% و47% لدعم الكهرباء في مشروع موازنة السنة المالية المقبلة، وذلك بعد رفع سابق لأسعار المواد البترولية تكرر في فترة زمنية لا تتجاوز العام، آخرها في يونيو/حزيران الماضي.

وأظهرت الوثيقة التي اطلعت عليها «رويترز»، عمل الحكومة على زيادة دعم السلع التموينية بنحو 5% في السنة المالية الجديدة؛ إلى 86.175 مليار جنيه (نحو 4.9 مليارات دولار)، يستفيد منها نحو 68.8 ملايين مواطن من خلال قرابة 20.8 ملايين بطاقة تموين، حيث تخصص الحكومة 50 جنيها شهريا لكل مواطن مقيد في البطاقات التموينية.

يشار إلى أن هذه الخطوات، تأتي ضمن سعي الحكومة المصرية لفرض إجراءات تقشفية ترتبط باتفاقية وقعتها مصر في عام 2016، مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض لمدة ثلاث سنوات بقيمة 12 مليار دولار.

ويطالب صندوق النقد، الحكومة المصرية بخفض الدعم ورفع الأسعار قبيل الحصول على الشريحة الرابعة من القرض بقيمة ملياري دولار.

وبحسب الوثيقة المسربة، فإن مصر تستهدف نموا اقتصاديا بـ5.8% في العام المالي الجديد مقابل 5.5% في 2018/2017، كما تستهدف عجزا كليا بواقع 8.4% مقابل 9.8% قبل عام.

يشار إلى أن آخر إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي)، قالت إن نسبة الفقر وصلت إلى 27.8%.

الفوانيس فرحة

وأمام كل ذلك، يهرب المصريون بحثا عن فرحة قدوم رمضان عبر الزينة والفوانيس.

حيث لم يمنع الغلاء والأزمة الاقتصادية، الشباب من التجمع في الشوارع ومعهم سلم طويل وحبال وأوراق ملونة، مقسمين العمل فيما بينهم لتعليق زينة رمضان عبر النوافذ وشرفات المنازل وأبواب العمارات.

وقبل هذا يجمعون مبالغ نقدية رمزية من كل بيت وصاحب محل بالشارع لتغطية تكاليف تلك الزينة.

ويتنافس أبناء كل شارع مع الشوارع المجاورة لهم في الزينة، وعادة ما تتكون الزينة من مجسم لفانوس رمضان، وعدة لمبات كهربائية ملونة بطول الشارع.

كما أنه على أرصفة الشوارع في مصر، لا شيء يطغى على المساحة المخصصة لعرض الفوانيس الرمضانية أمام المحال والمولات التجارية في القاهرة وجميع المحافظات.

ويعد الفانوس المصري أحد أهم مظاهر الاحتفال بقدوم رمضان، ويرجع تاريخه إلى العصر الفاطمي وفقا لمؤرخين، وتكاد البيوت المصرية لا تخلو من وجوده لتزيين الشوارع والشرفات.

وكانت مصر في وقت سابق تستورد الفوانيس من الصين بملايين الدولارات، إلا أن الأزمة الاقتصادية، وفي محاولة لإبقاء العملة الصعبة داخل البلاد، عاد الفانوس المصري الخشبي والنحاسي والخيامية للعودة مرة أخرى.

وأصدر وزير التجارة والصناعة الأسبق «منير فخري عبد النور»، في مارس/آذار 2015، قرارا بوقف استيراد فوانيس رمضان من جميع دول العالم خاصة الفوانيس الصيني، لتخفيف الضغط على الدولار.

تاجر الفوانيس «محمد البنهاوي»، قال إن فوانيس رمضان لهذا العام تحتفل بوجود لاعب نادي «ليفربول» الإنجليزي ومنتخب مصر «محمد صلاح»، حيث تم تصنيع فانوس بنفس هيئته.

وأضاف: «هذا الموسم يشهد أكثر من 10 أنواع للفوانيس، لكل واحد منها شكل خاص ومدلول مختلف عن الآخر، فهناك فانوس يعيد الناظر إليه إلى الأصالة والحضارة والتراث وهو الفانوس العربي، وهناك فانوس يسترجع الناظر إليه إلى الزمن الجميل وهو فانوس الشمعة».

وتابع: «هناك آخر يُعبّر عن مرور الزمن والحداثه وهو فانوس اللعبة أو الشخصيات الكرتونية، حيث يعبر هذا الفانوس عن الجيل الحالي، وهو جيل الألفينات».

إلا أن «البنهاوي»، يري أكثر الفوانيس طلبا وبيعا حتي الآن هو «الأرابيسك»، مؤكدا أنه في المقدمة قائلا: «الفانوس الأرابيسك هو البطل في الموسم ده».

يشار إلى أن لفانوس رمضان فى قلوب المصريين مكانة منذ مئات السنين عندما اخترعه الفاطميون، وزينوا به شوارع مصر عند قدوم وأثناء شهر رمضان، وهي المكانة التي لا يمكن أن تندثر رغم الابتكارات الجديدة في تصنيع الفوانيس بأشكال مختلفة حول العالم.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الغلاء رمضان مصر فوانيس فرحة ارتفاع الأسعار