«ستراتفور»: كيف نفهم صراع النفوذ في شرق أفريقيا؟

السبت 19 مايو 2018 08:05 ص

مثل أي موقع جغرافي، فإن أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تحكمها عوامل كامنة توجه مسارها وتحكم أفعالها، سواء في الداخل أو في الخارج، ونادرا ما تخبر الخرائط السياسية التي ترسم حدود الدولة القصة كاملة، لأنها تفشل في كثير من الأحيان في عكس علاقات القوة الحقيقية تحت السطح.

إذن كيف يمكن للمرء أن يفهم ما يحدث في مكان ما عندما تفشل الخطوط الاصطناعية في الخريطة في تفسير ما يجري؟ تتمثل إحدى طرق تقييم هياكل السلطة الأساسية في القارة في استكشاف مراكز السلطة في المنطقة، وهي المناطق السكانية التي تشكل كيانات كبيرة ولا تتوافق مع حدود ولاية معينة، وفي بعض الأحيان تكون أصغر من الحدود الوطنية المرسومة، وفي بعض الأحيان تكون أكبر منها بكثير. إن نقاط السلطة الأساسية تلك هي التي يمكن أن تعطي هذه الحدود السياسية معنى، من خلال إظهار إما مدى توسع هيكل تلك السلطة أو الحدود الجغرافية لهيكل معين.

وتفتح قوى الشرق الأوسط، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر وتركيا، دفاتر شيكاتها في محاولة لتوسيع نفوذها في شرق أفريقيا. ومع ذلك، فالمنطقة بالكاد تكون مساحة فارغة يمكن للقوى الخارجية أن تلعب بها منافساتها، لأن الواقع المحلي في النهاية يحدد ما يحدث في المنطقة. وفي هذه المقالة، تدرس «ستراتفور» قلب السلطة في شرق أفريقيا وشبكتها المعقدة من التحالفات والأصدقاء والأعداء.

ويكشف مركز السلطة عن أدلة مهمة حول سبب السلوك المختلف من قبل الولايات والإمبراطوريات والبنى السياسية الأخرى بطرق معينة عبر الزمن. كما يكشف عن المصالح والأهداف الأساسية للأطراف الأكبر في السلطة، والتي تشكل أساسا رئيسيا للتحليل والتنبؤ. وهكذا، قبل الدخول في مناقشة حول كيفية لعب منافسات الشرق الأوسط وتأثيرها على التنافس في شرق أفريقيا، من الأهمية بمكان فهم ديناميكيات السلطة الأكثر عمقا في شرق أفريقيا. وفقط من خلال القيام بذلك، من الممكن فهم هذا المجال، بالإضافة إلى منافسات القوى الشرق أوسطية التي تحدث الآن هناك.

القلب يكمن تحت السطح

وتعد منطقة شرق أفريقيا موطنا لـ3 مراكز للسلطة، وهي المرتفعات الإثيوبية، وحوض نهر النيل، والمرتفعات الكينية. ويحمل كل من هذه المساحات خصوصياته الخاصة، والتي تؤثر على عوامل السلطة خارجها.

وفي الشمال، يمثل حوض نهر النيل، وهو منطقة من الأراضي الصالحة للزراعة التي أحدثها التدفق الفائض للنهر العظيم، قلب شمال شرق أفريقيا (مع كونه يشكل أيضا جزءا لا يتجزأ من دول البحر الأبيض المتوسط ​​والعالم العربي). وتم تقسيم الحوض بين المصريين القدماء والنوبيين، أجداد مصر والسودان المعاصرين. واليوم، تؤثر مواقعهم الجغرافية إلى حد كبير على أولوياتهم. وتسعى الحكومة في القاهرة إلى أن تكون قوة مهيمنة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في حين تهدف السودان إلى أن تكون لاعبا في شرق أفريقيا، وكذلك للاستفادة من قربها وعلاقاتها الثقافية مع الأراضي العربية إلى الشمال والشرق.

وجنوب شرق حوض نهر النيل، تمثل المرتفعات الإثيوبية حالة غير عادية إلى حد ما، لأنها تشكل مركزا للسلطة في بلد واحد، وهي إثيوبيا. وقد وفرت المرتفعات لشعوب هذا المركز حماية في شكل جبال حمت الأراضي المنخفضة الخصبة من الغزاة من أماكن أخرى. وحتى في المناطق الشمالية الأكثر تعرضا، تساعد الصحراء القاسية على حماية سكان القلب الإثيوبي. وليست الحماية من الغزاة هي الفائدة الوحيدة التي منحتها الجغرافيا للسكان، فقد وفرت التربة الغنية فرص الزراعة، بينما منع الارتفاع النسبي من انتشار الأمراض، مثل الملاريا، التي كانت ستقتل الكثيرين وتضر بالنشاط الاقتصادي.

(خريطة: مراكز القوى في شرق أفريقيا)

وتحدد هذه المعالم الجغرافية حدود مركز السلطة، وساعدت في جعل إثيوبيا قوة أفريقية منذ العصور القديمة، على الرغم من الأنظمة السياسية المتغيرة. وفي الواقع، نجحت «أديس أبابا» في ممارسة سلطتها باستمرار خارج حدودها، وبالتالي جذبت اهتمام القوى العظمى على مر القرون. ومع ذلك، فإن منافع المرتفعات لم تمنح دائما الدولة الإثيوبية القدرة على فرض إرادتها على الأراضي المجاورة. وبعد أعوام من التمرد، حصل المسلحون في إقليم «إريتريا» الساحلي على الاستقلال عن الحكومة في أديس أبابا عام 1991، مما حرم المرتفعات من الوصول السهل إلى الموانئ والأسواق. وبالإضافة إلى ذلك، تعاني إثيوبيا من دورات من الخلل الداخلي العميق بسبب الانشقاقات العرقية، فضلا عن الجفاف.

وإلى الجنوب من مركز إثيوبيا، يرتكز المركز الكيني على بحيرة «فيكتوريا». وبالإضافة إلى كينيا، يتألف مركز الشلطة من أوغندا وبوروندي ورواندا وتنزانيا. وقد عملت بحيرة فيكتوريا، أكبر بحيرة في القارة، بمثابة شريان مياه رئيسي لأكثر من ألف عام، مما ساعد على تكوين هوية اجتماعية وثقافية ولغوية متجانسة نسبيا. وبناء على ذلك، لم يزرع تقسيم المركز الكيني بين عدة بلدان العداء بين دول المنطقة. وبدلا من ذلك، تجمعت هذه البلدان في بعض الأحيان مع درجات متفاوتة من النجاح، من خلال مجموعة شرق أفريقيا وغيرها من المساعي البينية. ومع ذلك، لم يؤد التجانس النسبي دائما إلى نتائج واضحة أو منع الخصومات بينهم.

وشكّلت الجغرافيا في المنطقة سببا للانقسامات النسبية، حيث فصلت سلاسل الجبال والعديد من الوديان المجموعات. وقد تعاملت رواندا وأوغندا مع بعضهما البعض كأصدقاء وأعداء بسبب أهدافهما المتداخلة أحيانا، والتي لا يمكن التوفيق بينها أحيانا، في منطقة البحيرات الكبرى الأوسع نطاقا، لا سيما في جمهورية الكونغو الديمقراطية. ونادرا ما كانت الحكومة المركزية الضعيفة هناك تتمتع بالسلطة على المناطق الشرقية الغنية بالمعادن، والتي تقع في رواندا وأوغندا. كما تنافست كينيا وتنزانيا على مركز محور النقل الإقليمي في الأعوام الأخيرة، على الرغم من أن التوجه الساحلي الأخير (يعيش معظم سكانها على طول الساحل) قد سهل مشاركتها في مبادرات الجنوب الأفريقي عندما كان ذلك مناسبا.

الأراضي البينية

وغالبا ما تتنافس مراكز السلطة التي تكون متماسكة بما فيه الكفاية لممارسة السلطة خارج حدودها على التأثير بطرق مختلفة. فأولا، يناضلون من أجل المساحات التي تقع بينهم. وثانيا، قد يحولون المنافسة إلى مناطق أبعد. ولتعقيد الأمور، يمكن للبلدان التي تمثل هذه المراكز أن تنخرط في تحالفات طويلة الأجل أو مؤقتة ضد محاولات قوى أخرى لتعزيز قوتها.

وفي سياق شرق أفريقيا الأوسع نطاقا، تجري هذه المنافسة الأساسية في العديد من المناطق، مثل الصومال الكبير والسودان وجنوب السودان، بالإضافة إلى جمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وفي هذه الأماكن، تكون السلطة المحلية أكثر ضعفا، وتكون المنافسة الخارجية على النفوذ أكثر وضوحا. ومن غير المستغرب أن تستقطب الموارد الطبيعية أو غيرها من التنافسات المربحة انتباه الأجانب.

وفي شرق أفريقيا، توفر الصومال دراسة حالة كلاسيكية للمنافسة الجوهرية الإقليمية. وفي قارة تتميز فيها بعض المناطق بعدم وجود أي نوع من التجانس، فإن الصومال الكبرى لافتة للنظر، بسبب افتقارها إلى أي مجموعات عرقية أخرى. ومع ذلك، فالأرض ممزقة بسبب الانقسامات القائمة على العشائر، في حين أن افتقارها للحواجز الطبيعية (خط الساحل في الأغلب يوفر سهولة الوصول إلى الغرباء) وموقعها المتاخم لأثيوبيا وكينيا جعلها ساحة معركة للنفوذ بين الغرباء. وفي نهاية المطاف، ساعدت الحدود الاصطناعية في الصومال والانقسامات الداخلية العميقة، فضلا عن القرارات السيئة التي اتخذها قادتها في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، في دفع البلاد إلى الفوضى. ولكن بمعنى أعمق، لعب افتقار الصومال إلى الحدود الجغرافية دورا حاسما في تسهيل معركة النفوذ بين سلطات الإثيوبيين والكينيين. ولذلك ليس من قبيل الصدفة أن تكون إثيوبيا وكينيا وأوغندا وأعضاء آخرين في قلب الجهات الفاعلة الرئيسية في بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، وهي الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق الاستقرار في البلاد.

وتشارك عواصم من القاهرة إلى «دودوما»، عاصمة تنزانيا، بشكل وثيق في تشكيل شرق أفريقيا. لكن ما يجعل المنطقة في حالة حراك مستمر ليس بالضرورة البلدان الفردية، بل مراكز القوة، سواء على طول النيل أو في مرتفعات إثيوبيا أو حول بحيرة فيكتوريا، فضلا عن القوى الخارجية، لا سيما تلك الموجودة في الشرق الأوسط، التي تحاول بشكل متزايد الاستفادة من هذه المنطقة، التي تتميز بالتفاعل والمنافسة بين هذه المراكز.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

شرق أفريقيا إثيوبيا الصومال كينيا أوغندا بحيرة فيكتوريا مصر أفريقيا النيل حوض النيل