«ستراتفور»: الحكومة العراقية الجديدة قد لا تكون على هوى إيران

السبت 19 مايو 2018 02:05 ص

في حين قد تحتاج نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في 12 مايو/أيار في العراق شهورا للتخلص منها، فإن هناك 3 نقاط أساسية واضحة. ففي أول انتخابات منذ الهزيمة العسكرية لتنظيم «الدولة الإسلامية»، لم يتعرض أي مركز اقتراع لهجوم كبير، ولم يتم الإبلاغ عن أي حادث أمني كبير، مما يمثل إنجازا كبيرا لقوات الأمن في البلاد. وثانيا، كانت هوامش الانتصار بين التحالفات الرئيسية أضيق من أي وقت مضى، ويعني هذا أن بناء تحالف طائفي متقاطع مرن محتمل في الأشهر المقبلة. وأخيرا، والأهم من ذلك، فإن انتصار التحالف الذي يديره الزعيم الشيعي «مقتدى الصدر» سيدفع الحكومة المقبلة إلى تجاوز السياسة الطائفية، وستجبر وعود «الصدر» بمحاربة الفساد الحكومة على التحرك في هذه المسألة. كما أن رغبة «الصدر» في الاستقلال لن ترضي القوى الخارجية التي تحاول التأثير على العراق، بما في ذلك الولايات المتحدة وإيران.

الصورة الكبيرة

وفي تقريرها عن الربع الثاني من عام 2018، أشارت «ستراتفور» إلى أن إيران ستعتمد على قوات «الحشد الشعبي» الشيعية في العراق والأحزاب السياسية المرتبطة بها لأداء جيد في الانتخابات البرلمانية في مايو/أيار. وقد حققت المجموعة الانتخابية أداء جيدا، وستمنح إيران قناة نفوذ إضافية في بغداد. وقد لاحظنا أيضا أن الأحزاب والفصائل القومية من شأنها أن تحدث انقسام في الأغلبية الشيعية في البلاد. ويبدو أن الجماعة القومية المستقلة الشيعية التي يقودها «مقتدى الصدر» قد فازت بمعظم المقاعد في الانتخابات.

خيبة أمل

ومنذ الغزو الأمريكي والإصلاح الدراماتيكي للحكومة عام 2003، أجرت العراق 4 انتخابات برلمانية. تبعت كل منها شهور من المفاوضات لتشكيل الحكومة. ومن خلال الاجتماعات العامة والخاصة، يقرر السياسيون متحدثا باسم مجلس النواب، المكون من 329 مقعدا، ورئيسا ورئيسا للوزراء. وتقليديا، وليس بموجب القانون، يكون المحدث سني، والرئيس كردي، ورئيس الوزراء، وهو أقوى دور، شيعي. وتكون هذه العملية صاخبة بسبب الطبيعة الديمقراطية للنظام. ولدى الناخبين قول حقيقي في أي المجموعات التي تتصدر، وفي أي المجموعات التي تؤثر على اختيار المناصب في مجلس الوزراء، بما في ذلك المناصب في وزارات النفط والمالية والداخلية القوية.

ومع ذلك، فقد تميزت هذه الانتخابات بأدنى نسبة مشاركة في البلاد على الإطلاق في اقتراع برلماني؛ حيث وصلت إلى 44%. وفي عام 2005، كان الإقبال 79%. وفي عام 2010، كان 62%. وفي عام 2014، كان 60%. وعلى الرغم من أن الناخبين في بعض المحافظات ذات الأغلبية السنية واجهوا مشكلة في الوصول إلى صناديق الاقتراع في هذه الانتخابات، إلا أن الوضع الأمني ​​خلال تلك الأعوام السابقة كان أسوأ. وقد يشير الانخفاض في نسبة الإقبال إلى تراجع الثقة في قدرة الانتخابات على إنتاج حكومات يمكنها الوفاء بالوعود وتحسين حياة العراقيين. وعلى الرغم من قدرتهم على اختيار الممثلين بطريقة ديمقراطية، لا يزال العراقيون يرون أن بلادهم تكافح ضد الفساد، وتعاني تراجع النمو الاقتصادي، وعدم الاستقرار المستمر.

ومنذ عام 2003، صارت صرخة الشعب ضد الكسب غير المشروع أعلى جزئيا، لأن البلاد تفتقر إلى اقتصاد فعال بغض النظر عن عائدات النفط، مما أثار استياء الناس حول كيفية توزيع هذا الدخل. وعلى المدى القريب، سيكون كبح الفساد تحديا لا يمكن التغلب عليه، بغض النظر عن الحكومة.

ويعاني الاقتصاد أيضا من الدعم المفرط. وتعتبر العراق من بين أكبر الدول تقديما للدعم في العالم، حيث ينفق القطاع العام نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي في الدعم. ووفقا لصندوق النقد الدولي، فإن ما يقرب من نصف الوظائف في البلاد توجد في القطاع العام أو في الشركات المملوكة للدولة، مما يشير إلى ركود القطاع الخاص. وتواجه الحكومة دورة غير مستدامة من تقديم مزيد من الدعم للسلع في حين لا ترفع الضرائب. ولقد أبقى هذا النظام غير المستقر الناس على حد الكفاف، لكنه أضر بقدرة الاقتصاد على النمو. كما أن قانون الأجور في القطاع العام ينتقص من قدرة الحكومة على الإنفاق على البنية التحتية المعطلة والمستشفيات والمدارس، ويمنع رفع مستوى قطاع النفط والغاز، الذي يوفر 60% من الناتج المحلي الإجمالي.

الدفة تتجه نحو «الصدر»

وفي هذا المناخ، قرر العديد من الناخبين أن ينتهزوا فرصة ما يمثله «الصدر». ففي حين لم يتم الانتهاء من الحصيلة النهائية، فإن قائمة المرشحين التي يدعمها «الصدر» فازت بأكبر عدد من الأصوات. واستغل الصدر الاستياء من الحكومة والاعتقاد بأن الطبقة السياسية التقليدية تقصر باستمرار في الوفاء بوعودها. وهو معروف بحمله الشعلة من والده الشيعي الشهير «محمد صادق الصدر» (الذي يعتقد على نطاق واسع أنه قتل عام 1999 من قبل القوات الموالية لصدام حسين) في قيادة ميليشياته القاتلة. وقد غذت معارضته العميقة للسماح للولايات المتحدة، أو أي قوة خارجية، بما في ذلك إيران، لتشكيل العراق جاذبيته الشعبية.

ومع ذلك، فقد قلل في هذه الأيام من علاقاته مع الميليشيات، وجعل من مكافحة الفساد رايته الرئيسية، إلى جانب دعم القومية والاستقلال العراقي من التدخل الخارجي. وخلال الأعوام الأربعة الماضية من فترة حكم «حيدر العبادي» كرئيس للوزراء، أيد «الصدر» علانية تشكيل حكومة يديرها خبراء تكنوقراط. وضغط مرارا على «العبادي» للوفاء بوعوده بكبح الفساد المستشري. وقد استخدم «الصدر» قدرته على الاستفادة من المطالب الشعبية والغضب لجلب المتظاهرين إلى الشوارع للضغط على الحكومة.

وخلال الحملة، قام بخطوات مدهشة من خلال التحدث مع الحلفاء غير التقليديين، الشيوعيين والأكراد وحتى المسؤولين السعوديين. وبقيامه بذلك، استغل العديد من العراقيين مطالبه القوية بسياسة تتجاوز الطائفية والانقسامات العرقية. وفي الأشهر المقبلة، سيحتاج بناء التحالف إلى عكس الطلب الشعبي على التعاون بين الطوائف والأعراق، بالإضافة إلى العمل الجماعي اللازم لتشكيل حكومة فاعلة.

كل شيء معا

وبأصواته، قد ينتهي الأمر بـ«الصدر» بلعب دور صانع الملوك. لكنه سيحتاج إلى حل وسط والنظر فيما إذا كان يريد أن يكون حلفاؤه جزءا من الحكومة أو جزءا من المعارضة. وبعد كل شيء، لا توجد قائمة شيعية لديها أغلبية، وهامش الانتصار ضيق. وفي عام 2010، لم تحصل اللائحة التي تضم أكبر نسبة تصويت على فرصة تشكيل الحكومة، وذلك لأن خصومها قاموا بتشكيل كتلة أكبر بعد الانتخابات مباشرة.

ومع ذلك، سيكون للقوائم الرئيسية التي يقودها الشيعة الأثر الأكبر في الحكومة الجديدة التي تستند ببساطة على التركيبة السكانية في العراق ذات الأغلبية الشيعية، ولكن القوائم الأصغر التي يقودها السنة، مثل كتلة الوطنية، والأحزاب التقليدية التي يقودها الأكراد، مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، سيكونون حلفاء أساسيين. ورغم أن الأكراد والسنة يشعرون تاريخيا بعدم التمثيل الكافي في العراق، إلا أن المقاعد التي يجلبونها إلى الطاولة ستكون أساسية لتشكيل الكتل بسبب الهوامش الضيقة. وبالطبع، فإن الأقوياء في بغداد يدركون أن المجتمعات التي يمثلونها ضرورية في صنع السياسات. وخلاف ذلك قد يدفع بالصراع المدني لتمزيق البلد الهشة مرة أخرى.

وفي الماضي، عمل «الصدر» بشكل عملي مع «العبادي»، الذي يتعاون بشكل علني مع الولايات المتحدة، ومن المتوقع أن يفعل ذلك مرة أخرى. وعلى الرغم من مقاومة «الصدر» لتوحيد قواه مع واشنطن، فقد يدعم «العبادي» لمنصب رئيس الوزراء، وألا يعطل العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق. وإذا نظرنا للاعتماد على القوات العراقية، فمن المتوقع أن يضغط «الصدر» على «العبادي» لمقاومة دعم إضافي لمكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة. وفي النهاية، فإن قائمة «النصر» التي قادها «العبادي»، مع ميله إلى العمل مع الجميع، وسجله الحافل بالفخر بهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية»، يجعله أحد أهم حلفاء الائتلاف القادم.

ومع ذلك، يمكن لـ«الصدر» أن يتحالف مع الفصائل المؤيدة لإيران، مثل تلك التي يقودها «هادي العامري» أو «نوري المالكي»، مما يمنح إيران كتلة كبيرة للعمل في البرلمان. وفي هذا التجمع، فإن شعبية «العامري» و«الصدر» ستعوض الكراهية لـ«المالكي» بين السنة والأكراد. وفي بيان صدر بعد الانتخابات، أوضح «الصدر» تفضيلاته بوضوح، مشيرا إلى أنه سيعمل مع الجميع باستثناء الفصائل المتحالفة مع إيران بقيادة «العامري» و«المالكي». وهذا الخيار غير مفاجئ بناء على التنافس والماضي السيء بين «الصدر» والسياسيين المرتبطين ارتباطا وثيقا بإيران.

التأثيرات الخارجية

وفي حين يتردد «الصدر» في قبول الدعم الخارجي من قبل أي شخص، وهي الرغبة في الاستقلال التي تروق للعراقيين، فهو حتى لا يستطيع تخليص البلاد من جميع العلاقات الخارجية. وتقدم دول الخليج أموالا للاستثمار في البنية التحتية. وتوفر إيران الأموال لقوات الأمن والأحزاب السياسية. وتقدم تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي المساعدة. وتفتح نقاط الضعف في الاقتصاد العراقي فرصا هائلة أمام الغرباء من أجل دعم التنمية العراقية والإعمار، لكن مثل هذه المساعدة غالبا ما تأتي بقيود سياسية. وبغض النظر عن مدى التزام الحكومة القادمة بخطة الإصلاح الاقتصادي أو السعي لتحقيق الاستقلال، فإن هناك حاجة إلى بعض المساعدات من الدول والمؤسسات الخارجية.

وفي نهاية المطاف، سيظل النفوذ الإيراني عميقا في الحكومة العراقية المقبلة، بسبب ما تعانيه واشنطن من غموض، وذلك بسبب تراكم قوي للعلاقات الاقتصادية والأمنية والسياسية. وفي هذه الانتخابات، قاد «العامري» إحدى القوائم التي جمعت أكبر عدد من الأصوات، وكانت تتألف من ميليشيات شيعية مدعومة من إيران. وتغير هذه المجموعات الآن المشهد السياسي للعراق. لكن إذا أقنع «الصدر»، «العبادي» وأحزاب أصغر بالعمل معه ضد أقرب حلفاء إيران في الحكومة، وهو ما تجاهد إيران ضده، فإن إيران، مثل الولايات المتحدة، قد ترى ما لا تهوى من الحكومة المقبلة.

  كلمات مفتاحية

مقتدى الصدر الانتخابات العراقية نودي المالكي حيدر العبادي إيران