«فورين أفيرز»: الانسحاب من الاتفاق النووي يهدد استقرار العراق

الأحد 20 مايو 2018 11:05 ص

يوم الأحد، أجرت العراق أول جولة من الانتخابات البرلمانية منذ هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش).

وفي نتيجة مفاجئة، كان المنتصر الرئيسي هو رجل الدين الشيعي «مقتدى الصدر»، الذي هزم تحالفه «سائرون» الائتلافات التي يقودها رئيس الوزراء الحالي والمفضل للولايات المتحدة، «حيدر العبادي»، الذي حل في المركز الثالث، بعد تحالف المدعوم من إيران «هادي العامري»، الذي حل ثانيا.

ويأتي نصر «الصدر» ضد رغبات كل من إيران والولايات المتحدة، وكلاهما استهدف «الصدر» في حملته الانتخابية الشعبية، التي وعدت، مثلها مثل كل حملات الأحزاب الأخرى، بتخليص البلد من الفساد والنفوذ الأجنبي.

وجاء حليف إيران، «العامري»، في المرتبة الثانية، لكن حزبه يفاوض حلفاء لتشكيل الحكومة.

وقد كان وضع «العبادي» في المركز الثالث بمثابة خيبة أمل لواشنطن، رغم أنه لا يزال هناك فرصة له للانضمام إلى «الصدر» في عملية تشكيل الحكومة، وحتى البقاء كرئيس للوزراء.

وبالنسبة للولايات المتحدة، هناك سبب للتفاؤل الحذر في هذه النتائج، فمن غير المحتمل أن يكون رئيس الوزراء الجديد، أيا كان، دمية لإيران، حتى لو كان حليفا لها.

علاوة على ذلك، لم يتم خوض الانتخابات على أسس طائفية، فقد كان تحالف «الصدر» يضم بعض السنة، بالإضافة إلى قاعدته الشيعية الخاصة، ولكن لأجل قضايا مثل مكافحة الفساد، وجاء ذلك في وقت كانت فيه الدولة العراقية، أو على الأقل أجزاء منها، مثل الجيش، تتمتع بشرعية واسعة لأول مرة منذ أعوام.

ومع ذلك، فهناك أسباب للتشاؤم، فقد كانت الطائفية دافعا سياسيا ضعيفا هذه المرة، ولكن ممارسات تزوير الأصوات والرشاوى انتشرت على نطاق واسع، ورغم ذلك ظل الإقبال منخفضا.

وعلاوة على ذلك، كان التقدم الذي أحرزته العراق في الأعوام الأخيرة نتاجا لحالة جيوسياسية مواتية، وهي ذوبان الجليد في العلاقات بين واشنطن وطهران منذ توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2015، المعروفة باسم الاتفاق النووي الإيراني.

ومع قرار الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، في 8 مايو/آيار، بالانسحاب من الخطة، فمن شبه المؤكد أن تتدهور العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، ما يخلق مخاطر جديدة على السلام الداخلي الهش في العراق.

والسؤال الحقيقي الذي يواجه العراق الآن هو كيف ستختار إيران الرد على انسحاب «ترامب»، وعلى وجه التحديد، هل يسيطر صقور إيران مقاومة إغراء استخدام العراق للتعبير عن غضبهم وخوفهم من انهيار الاتفاق الإيراني، ما قد يجلب العراق مرة أخرى إلى الصراع الطائفي الذي ابتليت به منذ الغزو الأمريكي؟

أوقات سعيدة

ويعد السبب المباشر للوضع الداخلي المحسن في العراق هو هزيمة «تنظيم الدولة»، التي أعلنها «العبادي» رسميا في ديسمبر/كانون الأول 2017.

وقد أصلح انتصار الجيش العراقي في ساحة المعركة ضد «تنظيم الدولة»، ولا سيما في الحملات الكبرى مثل معركة الموصل، الضرر الذي لحق بسمعته بعد أن فر من المدينة عام 2014، الأمر الذي منح الجيش درجة عالية من الشرعية بين العراقيين من جميع الخلفيات.

وتتمتع الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، والمعروفة باسم قوات الحشد الشعبي، بنفس التوهج، ومع نجاح الحملة فقد زادت حدة النزعة القومية العراقية وتعزز المزاج السياسي غير الطائفي.

وقد حفز الاستقرار والأمل في نموذج سياسي جديد الاقتصاد، وقد حظي مؤتمر استثماري في الكويت في فبراير/شباط، والذي التزم بتعهدات لدعم إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الصراع، بقبول كبير من مجلس التعاون الخليجي.

ومما يلفت الانتباه أن العراق استطاع أيضا زيادة إنتاجه النفطي بنحو 25% خلال أعوام الحرب، على الرغم من الدمار الهائل، الأمر الذي ساعد في تخفيف الضربة التي أصابت اقتصاد العراق بسبب الانكماش الواسع في أسعار النفط العالمية.

ومع ذلك، فإن الإنجازات التي لا يمكن إنكارها للعراقيين جاءت أيضا عبر بيئة دولية مواتية، وعلى وجه الخصوص، حقيقة التعاون الفعلي بين الولايات المتحدة وإيران في الحرب ضد «تنظيم الدولة»، والتي مكنتها بيئة الاتصالات الدبلوماسية المحيطة بخطة العمل الشاملة المشتركة.

وفي عام 2014، على سبيل المثال، عندما استولى التنظيم على مساحات واسعة من العراق بينما كانت الولايات المتحدة وطهران يسعيان إلى إجراء مفاوضات نووية في «فيينا»، فقد اعترف السيناتور «ليندسي غراهام» بأن «الإيرانيين على استعداد للتضحية ببعض الأصول للتأكد من ألا تقع بغداد».

وقد امتد هذا المزاج التعاوني إلى ساحة المعركة، فقد أقامت القيادة المركزية الأمريكية قيادة مشتركة عام 2014 للتنسيق بين القوات الأمريكية والعراقية، بما في ذلك الفصائل الرئيسية المدعومة من إيران، وكذلك حصلت القيادة الإيرانية على مهلة لقبول قرار «العبادي» طلب المساعدة العسكرية من واشنطن لمحاربة التنظيم.

ولم يكن الاتفاق النووي هو العامل الوحيد في الحملة الناجحة، لكن العراقيين عبر الطيف السياسي يعترفون بدور الاتفاق المهم في اللحظة الراهنة، ويتفق السياسيون على أن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق قد يلحق ضررا بالغا بالعراق.

والسؤال الحقيقي الذي يواجه العراق الآن هو: كيف ستختار إيران الرد على انسحاب «ترامب» من خطة العمل المشتركة.

التخطيط للحرب

ولا تزال الصدمات السياسية الخارجية تشكل التهديد الرئيسي لتقدم العراق، ويمكن للمنافسة المتجددة بين إيران والولايات المتحدة وحلفائها في الخليج أن تعيد القوميين العراقيين بسرعة للعب ببطاقة الهوية الطائفية إذا ما تأزمت الأمور.

وعلى الرغم من أن السياسيين مثل «العبادي» قد أوضحوا أنهم لا يريدون أن تصبح العراق ملعبا للمنافسة بين الأمريكيين والإيرانيين.

وحتى لو لم يندلع عنف مفتوح، فإن التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة وإيران من المحتمل أن تؤثر على تشكيل الحكومة العراقية، وسيعتبر صانعو القرار الإيرانيون السيطرة على العراق أكثر أهمية لإيران من ذي قبل، وسوف ينظرون إلى العراق على أنه مسرح العمليات التي يمكنهم فيه ردع الولايات المتحدة، إما من خلال التهديد بالهجمات المباشرة على الأفراد الأمريكيين، أو بشكل غير مباشر بالضغط على الحكومة العراقية لخفض التعاون مع الولايات المتحدة.

وفي حالة تجدد التوتر، من المرجح بشكل خاص أن تفضل إيران الحصول على المناصب الحكومية العليا للمرشحين من فيلق «بدر»، وهي الميليشيا الشيعية المدعومة من إيران بقيادة «العامري» و«قاسم الأعرجي»، والذين بدورهم سوف يدفعون شبكات المحسوبية الخاصة بهم للأمام.

وإذا أثبت «العامري» و«الأعرجي» أنهما مثيران للجدل للحصول على المناصب الأرفع، فإن نظائر لهم أقل شهرة من الأحزاب والحركات السياسية العراقية الأخرى سوف تنتظر دورها، مثل «محمد الغبان»، وزير الداخلية تحت إدارة رئيس الوزراء الطائفي الشيعي السابق «نوري المالكي»، و«أحمد الأسدي»، عضو البرلمان، الناطق بلسان حزب الجبهة الشعبية، والداعم لـ«قاسم سليماني»، قائد فيلق القدس الإيراني.

وإذا دخل حزب الدعوة الإسلامية، الذي يتزعمه حاليا «العبادي» في ائتلاف حكومي مع «الصدر»، فإن المرشح الوسطي بين «العبادي» و«المالكي» قد يكون «طارق نجم»، رئيس الأركان السابق للمالكي، والذي من المحتمل أن يكون مهما لاحتياجات إيران.

ولا تزال هذه مجرد احتمالات، فالوضع لا يزال سائلا، وقد يظهر بعض هؤلاء اللاعبين في مناصب عليا، وقد يختفي آخرون، لكن كل هؤلاء المرشحين المرتبطين بإيران تفاعلوا مع الممثلين الأمريكيين في العراق على مدى فترة طويلة من الزمن، ويمكنهم ادعاء أنهم منفتحون على استمرار التعاون، رغم توجههم المؤيد لإيران.

لكن من دون خطة العمل المشتركة الشاملة، فإن مثل هذا التعاون يكون أقل احتمالا، وقد يؤدي البروز القوي لـ«الصدر» إلى مزيد من عدم اليقين، في ضوء توجهه المناهض لأمريكا.

وخلاصة القول، هي أن إيران ستدافع عن تفضيلاتها، وستواصل بحث أفكارها استعدادا للرد على قرار «ترامب».

وفي الوقت نفسه، من المرجح أن تبدأ إيران في الدفع، بطريقة لم تقم بها حتى الآن، ضد محاولة المملكة العربية السعودية الوليدة لتأسيس مجال نفوذ خاص بها في العراق، وهو ما فعلته من خلال مزيج من الاستثمار، من خلال عرض مشروط بمد خط أنابيب من أرامكو السعودية، والكلام المريح حول شرعية الشيعة العراقيين و«عروبتهم».

ولا يعني الميل تجاه إيران أن السياسيين العراقيين، أو كبار البيروقراطيين، أو القادة العسكريين، يعطون بلا مقابل، لكن ما يعنيه ذلك هو أن إيران لديها صلات أقوى للحصول على ولائهم من الولايات المتحدة، فضلا عن القدرة على ترهيب أو ترغيب الأفراد الذين قد لا يقدمون تعاونهم مسبقا.

ولم تكن المكاسب التي حققتها الولايات المتحدة في كسب التعاون العراقي في مجال الأمن مجرد نتيجة لقرار من الأعلى إلى الأسفل من قبل «العبادي» (على الرغم من أن مساعدة «العبادي» كانت لا غنى عنها)، لكن إمكانية ذلك جاءت بقرارات الأفراد ذوي المسؤوليات القيادية في السياسة.

وجاءت القرارات لأسباب شخصية أو مؤسسية، ومن الواضح أن إيران في وضع يمكنها من التأثير على هذه الحسابات بطرق تؤدي إلى تدهور التعاون الأمني ​​بين الولايات المتحدة والعراق.

المستقبل الغامض

وإلى أن تبدأ التوترات بين الولايات المتحدة وإيران في التصاعد بشكل كبير، فمن المحتمل أن تكون طهران راضية عن مشهد وزاري يشغله العراقيون الذين يميلون نحو إيران، وسيكون هدفهم الرئيسي تأمين دور مستمر للحشد الشعبي ودعم الجماعات المسلحة مثل كتائب «حزب الله».

وسوف ترى طهران هذه القوة كبنية تحتية أساسية للدفاع عن مصالحها في العراق ضد الضغط الأمريكي، وحاجة ملحة لردع العدوان الأمريكي في أماكن أخرى في المنطقة أو ضد إيران نفسها.

وإذا اندلعت الأعمال العدائية في لبنان وسوريا والخليج العربي، أو كنتيجة لضربات أمريكية أو إسرائيلية ضد أهداف مرتبطة ببرنامج إيران للتخصيب النووي أو الصواريخ، فسوف تكون إيران في وضع يمكنها من استخدام وحدات مسلحة داخل العراق لمهاجمة المصالح الأمريكية هناك مباشرة من خلال الأساليب التي استخدموها في الماضي، مثل الكمائن والتفجيرات.

ولن يكون هذا مقبولا بالنسبة للولايات المتحدة، التي يجب أن تزيد من وجودها في العراق للدفاع عن وجودها الحالي، وكذلك للحفاظ على النفوذ الأمريكي على الحكومة العراقية، التي ستكون سلطتها وشرعيتها مهددة بتجدد الصراع بين اثنين من الرعاة.

وحيث من الصعب التنبؤ بهذه الديناميكية، فإن كلا من المتنافسين لديه بطاقات للعب بها في العراق، والسؤال هنا هو: من يلعب أوراقه بشكل صحيح؟

لكن هناك شيء واحد مؤكد، وهو أنه في حال نشوب صراع حقيقي بين إيران والولايات المتحدة، سوف تفقد العراق مسار العودة إلى حالتها الطبيعية مرة أخرى.

  كلمات مفتاحية

العراق إيران الانتخابات العراقية مقتدى الصدر الولايات المتحدة إلغاء الاتفاق النووي

الكونغرس الأمريكي يبحث الحد من نفوذ إيران بالعراق