«برلمانيات تركيا 2018».. هل يختار الأتراك «الشعب» أم «الأمة»؟

الثلاثاء 22 مايو 2018 01:05 ص

بالتوازي مع الانتخابات الرئاسية، تقام انتخابات برلمانية في تركيا هي الأكبر من حيث الزخم الذي شكلته، ابتداء بتقديم موعدها، الذي كان مقررا في 2019، ليكون في 24 يونيو/حزيران الجاري، ومرورا بالأحداث الدراماتيكية التي شكلتها تلك الانتخابات وتحول جميع الأحزاب إلى سياسة التحالفات، وليس انتهاء بالأحداث التي تشهدها تركيا وجعلتها ضمن أكثر البؤر الساخنة إقليميا ودوليا.

ونشر «الخليج الجديد» تقريرا سابقا تناول فيه تفاصيل الانتخابات الرئاسية، والتي يتنافس فيها 6 مرشحين، أبرزهم الرئيس الحالي «رجب طيب أردوغان»، وملامح التوازنات الحالية وتحليلات استطلاعات الرأي التي كانت توقعاتها صادمة للكثيرين.

في هذا التقرير نركز على الجناح الثاني للانتخابات التركية المبكرة، وهو البرلماني..

أحزاب كثيرة

يجدر الإشارة قبل الاسترسال، إلى أن عدد الأحزاب الرسمية في تركيا، في بداية 2018، بلغ 87 حزبا، أغلبهم غير فاعل في الحياة السياسية، ولا أدل على ذلك من أن الأحزاب التي ستشارك في الانتخابات البرلمانية المقبلة لم تتجاوز 11 حزبا، وهي الأحزاب الشهيرة في البلاد، والتي يمتلك معظمها قواعد شعبية وسياسية ونواب فعليين في البرلمانات السابقة.

أما عن الأحزاب المشاركة بالانتخابات البرلمانية، فجاءت على النحو التالي..

1- حزب «العدالة والتنمية»: أسسه نواب منشقون عن حزب الفضيلة الإسلامي المحافظ، الذي كان يتزعمه رئيس الوزراء الراحل «نجم الدين أربكان»، الذي تم حله بقرار من المحكمة الدستورية عام 2002، ويصنف الآن على أنه حزب وسطي يتبنى سياسة العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية.

في 2002، شارك الحزب في الانتخابات البرلمانية بقيادة «عبدالله غل»، بسبب الحظر الذي كان مفروضا حينها على رئيس الحزب «رجب طيب أردوغان» في الترشح للانتخابات، بسبب مكوثه لفترة في السجن.

يمكث الحزب في السلطة حتى الآن، وقد حققت تركيا تحت إدراته طفرات كبيرة سياسيا واقتصاديا وعسكريا، لكن الفترة الأخيرة شهدت تراجعا اقتصاديا بعد اضطرابات سياسية وصلت ذروتها في محاولة انقلاب فاشلة نفذتها عناصر بالجيش التركي منتصف 2016، ودخلت البلاد بعدها في حالة طوارئ أثارت انقساما وردود فعل دولية معارضة للرئيس التركي، علاوة على التداعيات الأمنية السلبية في الداخل التركي، وجواره الإقليمي.

2- حزب «الشعب الجمهوري»: أكبر الأحزاب المعارضة، أنشاه «مصطفى كمال أتاتورك» عام 1932، وظل الحزب الحاكم حتى عام 1950، وهو حزب علماني بامتياز يتبنى مبادئ «أتاتورك»، حصل في الانتخابات الأخيرة على 132 مقعدا برلمانيا بـ25% من أصوات الناخبين، ويترأسه «كمال كيليتشدار أوغلو».

3- حزب «الحركة القومية»: هو حزب من أقصى اليمين، أنشئ في 1969، ويتمسك بالقومية التركية ويعليها، ويعادي خصوم «الأمة التركية»، مثل الأكراد، من وجهة نظرهم، وللحزب حاليا 80 نائبا في البرلمان، ويترأسه «دولت بهتشلي».

يعد الحزب، مؤخرا، أكبر مساندي حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، حيث سانده في استفتاء التعديلات الدستورية في 2017، كما أعلن دعمه ترشيح «أردوغان» في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وتحالف رسميا مع الحزب الحاكم في تحالف سماه «تحالف الشعب» أو «تحالف الجمهور».

4- حزب «الخير» (إيي): حزب يميني لكنه يجنح إلى الوسط المحافظ، انشق عن حزب «الحركة القومية»، وهو أحدث الأحزاب التركية، حيث تأسس في 2017 على يد «ميرال أكشنار»، والتي تولت سابقا منصب وزيرة الداخلية ونائب رئيس البرلمان، وتلقب بـ«المرأة الحديدية» في تركيا.

أثار الحزب زخما كبيرا، مؤخرا، بسبب شخصية رئيسته القوية وحيازتها احترام مختلف أطياف المعارضة، وهي واثقة من نفسها لدرجة أنها تتحدث عن استطاعتها إسقاط «أردوغان» وحزب «العدالة والتنمية».

كان الحزب مهددا بعدم دخول الانتخابات البرلمانية المقبلة، حيث لم يكن قد مر 6 أشهر على مؤتمره العام، وهو ما يعتبره القانون التركي شرطا لدخول انتخابات البرلمان، لكن 15 نائبا استقالوا مؤخرا من حزب «الشعب الجمهوري» وانضموا إليه لمنحه الكتلة البرلمانية اللازمة لدخول الانتخابات المكونة في حدها الأدنى من 20 نائبا (حزب الخير كان له 5 نواب بالبرلمان).

5- حزب «السعادة»: حزب محافظ منبثق عن حزب الفضيلة الإسلامي، ويعد الأقرب في التوجه لحزب «العدالة والتنمية»، عجز عن دخول البرلمان الماضي حيث حصد نسبة متدنية للغاية من الأصوات، ويرأسه «تملا كرم ملا أوغلو»، ومن أبرز المنضمين إليه الرئيس التركي السابق «عبدالله غل».

وكان من المنتظر أن ينافس «غل»، «أردوغان» في انتخابات الرئاسة المقبلة، لكنه أعلن عدم نيته خوض السابق الرئاسي.

6- حزب «الشعوب الديمقراطي»: حزب يساري غالبيته من الأكراد، وبالتالي يصنف على أنه حزب كردي وكان اسمه سابقا «السلام والديمقراطية»، لكنه تحول مؤخرا إلى «الشعوب الديمقراطي».

يترأسه كل من «صلاح الدين ديمرتاش» و«برفين بولدان»، ويقضي الأول حكما بالسجن بعد إدانته بدعم «حزب العمال الكردستاني» المصنف إرهابيا في تركيا.

ويمتلك الحزب 80 نائبا في البرلمان.

7- الحزب «الديمقراطي»: حزب يميني محافظ، تأسس عام 1946، على يد «جلال باير»، وهو الحزب الذي نازع حزب «الشعب الجمهوري» في عام 1950، حيث حكم عدة مرات، ومن أبرز مؤسسيه «عدنان مندريس»، الذي كان رئيسا لوزراء تركيا سابقا، قبل أن ينقلب عليه الجيش ويعدمه في 1961، وينتهج الحزب منهجا اقتصاديا ليبراليا.

8- حزب «تركيا المستقلة»: حزب يميني محافظ، تأسس في عام 2011 بزعامة «حيدر باش»، ويعتبَر من أهم معارضي انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، فهو يؤمن بأن تركيا دولة شرقية إسلامية، ومكانها هو العالم الإسلامي والشرق، ويتبنى سياسات معارضة للنظام الحاكم.

9- حزب «وطن»: حزب عمالي يساري شيوعي، تأسس في عام 1992، بزعامة «دوغو برينجيك»، الذي ما زال على رأس الحزب، ويعارض الحزب سياسة الحزب الحاكم تجاه سوريا، ويقف مع النظام السوري، ويطالب دوما بإغلاق قاعدة إنجرليك وطرد القوات الأمريكية.

10- حزب «الوحدة الكبير»: حزب قومي يميني محافظ، ويعتبر أحد أجنحة الحركة القومية المعتدلة التي تميز بوجهها الإسلامي، وقد تأسس في عام 1993، رئيسه الحالي حاليا «مصطفى ديستشي»، وله مواقف داعمة للقضية الفلسطينية، ويطالب الحكومة التركية بإلغاء المعاهدات العسكرية مع (إسرائيل).

انشق كثير من نوابه عام 2014 وانضموا الى حزب «العدالة والتنمية»، وتحالف مع حزب «السعادة» في انتخابات 2015، ودعم «أردوغان» في الاستفتاء عام 2017، وأعلن مؤخرا دعمه في الانتخابات الرئاسية.

11- حزب «الدعوة الحرة»: حزب محافظ تأسس في عام 2013، مؤسسه «محمد حسين يلماز»، وزعيمه الحالي «زكريا يابيجي أوغلو»، وهو امتداد لــ«حزب الله» التركي.

للحزب حضور قوي شرق وجنوب شرق تركيا ذات الأغلبية الكردية، وفلسفة الحزب قائمة على وحدة الشعب المسلم في تركيا بمختلف أطيافه، ومعارض بشدة لحزب العمال الكردستاني.

ملاحظات عامة

1- الانتخابات البرلمانية تجرى لأول مرة عبر تحالفين رئيسيين، هما «تحالف الشعب»، المكون من حزبي «العدالة والتنمية» الحاكم، و«الحركة القومية» اليميني، وهو تحالف يظل غريبا، نظرا لتناقض توجهي الحزبين، أما التحالف الآخر، فهو «تحالف الأمة»، وهو مكون من أحزاب المعارضة الرئيسية وهي: حزب «الشعب الجمهوري»، وحزب «الخير»، وحزب «السعادة»، و«الحزب الديموقراطي».

2- تحالف المعارضة الجديد تقوده «ميرال أكشنار» ذات التوجه القومي، أو كما يطلق عليها في تركيا «المرأة الحديدية»، إذ تعد الشخصية الأهم والأكثر نفوذا، ولها قاعدة جماهيرية وتتوافق عليها المعارضة.

3- لم يعلن تحالف المعارضة حتى الأن عن أي برنامج، لكن ما يجمعه هو رفض سياسات «العدالة والتنمية» و«أردوغان»، فحزبا «الخير» و«الشعب» يتحدثان عن إنقاذ تركيا من مشروع «العدالة والتنمية» الذي يهدد استقرار الأمة التركية.

أما في السياسة الخارجية، فإن تحالف المعارضة يرى أن النظام التركي خلق أزمات مع دول الإقليم الكبرى والشركاء الأوروبيين عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016، كما أصبحت الديمقراطية في خطر.

4- ردود أحزاب المعارضة على قرار تبكير الانتخابات كان هادئا، حيث أعلنوا استعدادهم لها، وهذا الهدوء يرجعه محللون إلى ثقتهم بعدم جدوى معارضة الأمر، وشعورهم في نفس الوقت بإمكانية هزيمة «العدالة والتنمية» في هذا الوقت، حيث يرون أنه بات حزبا منهكا وضعيفا، بسبب توالي الاضطرابات السياسية والاقتصادية والأمنية، لكن رغم ذلك تظل القاعدة الجماهيرية للحزب الحاكم كبيرة في البلاد، عززها الانتصار العسكري التركي في عفرين وإدلب وغيرها.

5- يرى محللون أن هذه المرة لن تكون سهلة على الرئيس التركي «أردوغان»، الذي تمكن حزبه من الفوز بالرئاسة على مدار سنوات، لسهولة منافسته مع نخب تقليدية تآكلت شعبيا، إلا أن «أكشنار» تمثل نموذجا جديدا يمتلك خطابا متزنا غير راديكالي، أعلن مسبقا حبه لـ«أتاتورك»، واحترامه لـ«بولنت أجاويد»، وتقديره لـ«أربكان»، مما يعني أنها قد تكون أداة تحالف تلك القوى مجتمعة ضد «أردوغان».

يتبقى القول إن فوز «العدالة والتنمية» بتلك الانتخابات سيكفل تأسيس ما يعرف بـ«الجمهورية الثانية لأردوغان»، حيث سيكون مسيطرا على السلطة التشريعية والتنفيذية بالكامل بموجب التعديل الذي أقره الشعب للتحول إلى النظام الرئاسي.

لكن محللين يسوقون سيناريو المفاجأة والذي قد يتحقق، بفوز «العدالة والتنمية» بالبرلمان، وفوز «ميرال أكشنار» بالرئاسة، والتي سترث الصلاحيات الكبيرة التي منحتها التعديلات الدستورية للرئيس المقبل، وهو ما سيخلق وضعا غير مريح في النهاية للبلاد ككل.       

  كلمات مفتاحية

تركيا انتخابات تركيا انتخابات برلمانية حزب العدالة والتنمية اردوغان ميرال اكشنار

«اللجنة العليا» تعلن الجدول الزمني للانتخابات في تركيا

رسميا.. انتخابات رئاسية وبرلمانية في تركيا 24 يونيو المقبل