كيف أسهمت ضغوط اللوبي السعودي في تدمير الاتفاق النووي؟

الخميس 24 مايو 2018 11:05 ص

كان خروج «بنيامين نتنياهو»، في 30 أبريل/نيسان، متهما إيران بالكذب حول برنامجها النووي، موجها بوضوح للجمهور الغربي، وعلى وجه الخصوص لرجل واحد، ألا وهو «دونالد ترامب».

وكان «ترامب» بالفعل يميل إلى الخروج من الاتفاق متعدد الأطراف؛ لعرقلة مسار إيران نحو امتلاك سلاح نووي، لكن حديث «نتنياهو» قدم إضافة في الوقت المناسب إلى ترسانة الإدارة الخطابية.

وقد أشار «ترامب» إلى أن عرض «الباوربوينت»، المليء بتأكيدات حول بيانات مضللة ومعلومات زائفة تم تقدميمها ككشف جديد، يعد جزءا من المبرر للتخلي عن الاتفاق النووي.

وفي الوقت الذي كان فيه هذا الكشف يملأ عناوين الأخبار، فإن حليفا أمريكيا آخر، وهي المملكة العربية السعودية، كان يدير عملية ضغط علنية وأكثر هدوءا، ولكن بنفس القدر من الفعالية، نحو تفكيك الاتفاق.

وتم استخدام حجج السعوديين بنفس القدر، إن لم يكن أكثر، من قبل «ترامب»، في تبرير قراره بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق.

اللوبي السعودي

وبدأ ضغط اللوبي السعودي قبل فترة طويلة من إعلان خطة العمل المشتركة الشاملة رسميا، في 14 يوليو/تموز 2015، وفي الواقع، كان اللوبي السعودي يعمل من وراء الكواليس في الولايات المتحدة لأعوام، لضمان دمج مخاوف المملكة في أي اتفاق ستوافق عليه واشنطن مع إيران، إذا كان هناك اتفاق على الإطلاق.

وفي المجمل، وجدت «كريستيان ساينس مونيتور» أن المملكة أنفقت 11 مليون دولار على الشركات المسجلة في قانون تسجيل الوكلاء الأجانب (فارا) في عام 2015، وكان «الكثير من هذا الإنفاق يتعلق بإيران».

كما كانوا يحشدون صناع السياسة السابقين مثل السيناتور «نورم كولمان» للعمل في «الحد من القدرة النووية الإيرانية»، وفي الآونة الأخيرة، كتب «كولمان» مقالا في «ذا هيل» يشيد بـ«ترامب» لتخليه عن الاتفاق، دون أن يفصح عن قيام الحكومة السعودية بدفع راتب له.

وعلى الرغم من معارضتهم القوية لأي اتفاق مع إيران، لكن الكثير من مخاوف السعوديين تم معالجتها في نهاية المطاف من قبل خطة العمل المشتركة الشاملة، وتحديدا مطالبهم بدمج شروط «الانسحاب» وإعادة فرض العقوبات بسرعة إذا ما انتهكت إيران الاتفاقية، وإمكانية وصول المفتشين إلى المواقع العسكرية وغيرها من المواقع المشبوهة.

وقبل كل شيء، أراد السعوديون تأكيدا على أن الاتفاق سيمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، وقد وفر الاتفاق هذا الأمر وكفله الرئيس «أوباما»، وقد أدى هذا إلى ما اعتقده الكثيرون مستحيلا، حين دعمت المملكة الاتفاق، وختم «أوباما» الدعم المتعجل من المملكة ودول الخليج الأخرى في اجتماع مايو/آيار 2015 في كامب ديفيد، حيث عرض «تطمينات» بأن الصفقة لن تعرض أمنهم للخطر، مؤكدا على وعد ببيعهم المزيد من الأسلحة.

لكن الدعم السعودي للاتفاق كان فاترا وسريع الزوال في أحسن الأحوال، وبينما كان يدعمونها علنا، كان السعوديون وجماعات الضغط التابعة لهم في العاصمة يعملون بهدوء على تقويضها. وتركزت حججهم إلى حد كبير في نقطتين، الأولى أن الأموال التي يحررها الاتفاق من شأنها المساهمة في استمرار دعم إيران للجماعات الإرهابية، والثانية أن الاتفاق لن يفعل شيئا لوقف برنامج إيران للصواريخ الباليستية.

وفي حين أن أكثر من 12 من شركات الضغط والعلاقات العامة التي تعمل لصالح السعودية قد سجلت في إطار «فارا» منذ أن وافقت الولايات المتحدة على الاتفاق الإيراني، لم يكن أي منها أكثر قوة في دفع هذه النقاط المناهضة لإيران أكثر من «إم إس إل غروب» (التي حصلت على عقد سعودي طويل الأمد).

وقد قامت المجموعة، التي حصلت على أكثر من 6 ملايين دولار من السعوديين منذ أن وافقت الولايات المتحدة على الصفقة الإيرانية، بتوزيع مجموعة متنوعة من «المواد الإعلامية» تخدم كل من هذه المواضيع، بما في ذلك 5 صفحات صحفية حول «العدوان الإيراني في اليمن»، وبيان صحفي حول أن إيران هي «أكبر دولة راعية للإرهاب»، بين العديد من الدول الأخرى.

وبالطبع، لم تكن المجموعة هي الوحيدة في نشر الدعاية المعادية لإيران نيابة عن النظام السعودي، فعلى سبيل المثال، في مارس/آذار 2018، قامت مجموعة «غلوفر بارك» بتوزيع معلومات حول النفوذ الإيراني، ووزعت «هوجان لوفيلز» حقائق عن الحوثيين وإيران، وبالخصوص حول الصواريخ الباليستية الإيرانية.

تكثيف الضغوط

ومع رحيل «أوباما» رأى السعوديون فرصة في دفع «دونالد ترامب» لتكثيف رهانه ضد إيران، ونجحت جهودهم بشكل كبير عندما قام «ترامب» بأول زيارة خارجية له إلى المملكة العربية السعودية، ودعم البلاد في خلافها مع قطر (إلى أن علم أن الولايات المتحدة لديها قاعدة عسكرية كبيرة في قطر).

وأبقى الدعم العسكري الأمريكي والقنابل تتدفق للحملة التي تقودها السعودية في اليمن، والتي كلفت أكثر من 10 آلاف مدني حياتهم، ووافق على بيعها مليارات الدولارات من الأسلحة الأمريكية من جميع الأنواع، بداية من الذخائر إلى نظام الدفاع الصاروخي المكلف، لكن المملكة كانت لا تزال تريد المزيد، فقد أرادت انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق الإيراني.

وفي الوقت الذي اتبعت فيه حليفة المملكة الأولى في هذه القضية، (إسرائيل)، مقاربة صريحة جدا للضغط على «ترامب»، والتي بلغت ذروتها بعرض «نتنياهو» المضلل، استخدمت السعودية آلة الضغط التي تمولها جيدا لنشر رسالتها في العاصمة.

وقد وجد حديث السعوديين طريقه إلى آذان الرئيس، وتحول إلى ملامح روتينية لتبريره التخلي عن الصفقة، ويتقاطع بيان البيت الأبيض الذي برر التخلي عن الاتفاق الإيراني مع النقاط التي طرحها اللوبي السعودي، بما في ذلك القول بأن «خطة العمل الشاملة المشتركة فشلت في التعامل مع تهديد برنامج الصواريخ الإيراني»، واستمرار إيران في تمويل الوكلاء الإرهابيين»، وجاءت تصريحات الرئيس في اليوم الذي أعلن فيه تخلي الولايات المتحدة عن الاتفاق، مليئة بلغة مشابهة لصحف الوقائع التي تمولها السعودية.

لكن لماذا يريد السعوديون من الولايات المتحدة التخلي عن الاتفاق الإيراني؟ حدد تحليل «نيويورك تايمز» السبب الرئيسي على الأرجح، ألا وهو الخوف من أن تكون الصفقة الخطوة الأولى نحو التقارب الأمريكي مع إيران، وهو ما من شأنه أن يقوض سلطة النظام السعودي في المنطقة بشكل عام، وحملته ضد إيران بشكل خاص.

وكتبت الصحيفة: «الخروج من الصفقة، مع أو بدون خطة بديلة، أمر جيد للسعوديين، إنهم يرون أن الاتفاق يشكل تشويشا خطيرا عن المشكلة الحقيقية المتمثلة في مواجهة إيران في المنطقة، وهي مشكلة تعتقد السعودية أنها لن تحل إلا بتغير القيادة في إيران».

وقد شدد المسؤول السابق في وزارة الخارجية «جيرمي شابيرو» على هذه النقطة عندما أشار إلى أن السعوديين وحلفاءهم في الخليج «يعتقدون أنهم في صراع وجودي مع النظام الإيراني، والأسلحة النووية جزء صغير من هذا النزاع ...».

وأضاف: «إذا فتح الاتفاق سبيلا لعلاقات أفضل بين الولايات المتحدة وإيران، فستكون هذه كارثة بالنسبة للسعوديين، إنهم بحاجة إلى ضمان لاستمرار الضغط الأمريكي ضد إيران، والمطلوب أن يستمر ذلك حتى بعد هذه الإدارة».

وكانت إحدى النتائج المقلقة لتهديدات الاتفاق النووي الإيراني هي أن السعودية قد هددت باكتساب سلاح نووي خاص بها إذا ما أدى الاتفاق في النهاية إلى إعادة إحياء برنامج إيران النووي.

وهذه ليست المرة الأولى التي يقوم فيها القادة السعوديون بمثل هذه التهديدات، فبعد أن أعلن «ترامب» أن الولايات المتحدة ستتخلى عن الصفقة، قال وزير الخارجية السعودي إنه إذا قامت إيران الآن ببناء سلاح نووي، فإن بلاده «ستبذل كل ما في وسعها» كي تحذو حذوها.

لذا، فإضافة إلى تأثير ذلك على تزايد النزاعات التقليدية في المنطقة، قد تؤدي نهاية المشاركة الأمريكية في الاتفاق الإيراني إلى إثارة سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، وهو أمر كان ليصبح أقل احتمالا إذا حافظت الولايات المتحدة على مكانها في الاتفاق الإيراني.

وتعد احتمالات سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط مثالا آخر على النتائج الكارثية لسياسة ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» المتهورة، والتي تشمل كل شيء، بدءا من تدخل نظامه الوحشي الذي أدى إلى نتائج عكسية في اليمن، إلى الجهود التي تقودها السعودية لفرض حصار على قطر، مرورا بتشجيع تغيير النظام في إيران، والذي تفضل أن يتم من قبل الولايات المتحدة.

وفي أعقاب الانسحاب الأمريكي من الاتفاق، يمكننا توقع أن يعمل اللوبي السعودي، بالتنسيق مع حلفاء المملكة في الإدارة، بدءا من «غاريد كوشنر» إلى «جون بولتون»، مستشار الأمن القومي المعين حديثا، على مضاعفة جهوده لتعزيز هذه الاتجاهات الخطيرة للسياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة.

ويجب أن تكون مواجهة نفوذ الرياض الصارخ جزءا من جهود موسعة لإبعاد الولايات المتحدة عن علاقتها الخطيرة متزايدة الخطورة مع السعودية.

وإذا استمرت سياسات «محمد بن سلمان» العدوانية، والترويج السعودي لها في واشنطن، فإن الرياض قد تكون «الصديق» الذي ينبغي على الولايات المتحدة أن تفكر في استكمال الطريق بدونه.

المصدر | ذي أمريكان كونزرفاتيف

  كلمات مفتاحية

الاتفاق النووي الإيراني اللوبي السعودي بنيامين نتنياهو محمد بن سلمان

من اللوبيات إلى الجامعات.. كيف تشتري الدول الأجنبية النفوذ في واشنطن؟