«معهد الشرق الأوسط»: السد الإثيوبي يهدد التنمية في مصر

السبت 26 مايو 2018 02:05 ص

إنها صورة مأساوية ذات أبعاد لا يمكن وصفها، إنه في القرن الحادي والعشرين، يتم بناء مشروع ضخم لتوليد الطاقة الكهرومائية، وهو سد النهضة الإثيوبي العظيم (GERD)، دون إجراء تقييم مستقل شامل للأثر البيئي والاجتماعي العابر للحدود، وتستمر هذه الحالة في تحد للمعايير الدولية التي تحكم العلاقات بين الدول، والقانون البيئي الدولي، وقانون حقوق الإنسان، والقانون العرفي للتنمية المستدامة.

وقد أوقفت إثيوبيا المفاوضات مع مصر والسودان عام 2010، للمضي قدما في بناء السد في البداية. وحصلت إثيوبيا على ضوء أخضر بعد أن تم بناء 40 إلى 50% من السد. ويقترب السد الآن من الانتهاء، ولا يوجد أي حل لتوافق في الأفق.

وفي مارس/آذار 2012، أنشأت مصر وإثيوبيا والسودان لجنة دولية من الخبراء لإجراء تقييمات أولية لآثار ملء خزان السد. وأشار تقرير اللجنة، عام 2013، إلى أن من أصل 20 وثيقة طلبتها اللجنة، لم يتم تقديم 7 وثائق، وتم توفير 2 منها فقط بشكل مؤقت.

وكانت المعلومات في ما لا يقل عن 9 من الوثائق المتبقية غير محدثة، أو غير ذات صلة، أو غير مكتملة، وكانت الاستنتاجات المختلفة لا يوجد دليل يدعمها. وأثار التقرير مخاوف بشأن عدم وجود تحليل مفصل للعديد من القضايا البيئية والاجتماعية والاقتصادية والهندسية، بما في ذلك تصميم المواقع والبنية الهيكلية، وحجم ومدى تأثيرات الارتداد والتخزين، التي كانت ضرورية لدراستها قبل البناء. وقد أوصت اللجنة بمجال عمل لتقييم الأثر البيئي والاجتماعي العابر للحدود.

وفي عام 2015، وافقت البلدان في إعلان مبادئ على تطبيق توصيات اللجنة، واستخدام النتائج النهائية للدراسات المشتركة في مراحل مختلفة من مشروع السد للاتفاق على مبادئ توجيهية لملء الخزان الأول، بالتوازي مع إنشاء السد. لكن هذا لم يحمي بشكل كاف حقوق دول المصب؛ حيث ينبغي أن يتوقف تنفيذ التدبير، إذا كان جاريا، لمدة 6 إلى 12 شهرا على الأقل للسماح للبلدان المتأثرة بتقييم آثار التدبير.

وقد فشلت إثيوبيا في الامتثال حتى لإعلان المبادئ. وقد طالبت، إلى جانب السودان، بتغييرات وإسقاطات غير المتفق عليها بشأن الاختصاصات ونطاق عمل اللجنة، من أجل تقييم الأثر البيئي والاجتماعي، الأمر الذي أوقف المفاوضات في أواخر عام 2017. وفي غضون ذلك، واصلت إثيوبيا بشكل متواصل دفع بناء السد قبل إجراء تقييم الأثر البيئي والاجتماعي.

ويعد إجراء تقييمات الأثر البيئي والاجتماعي العابر للحدود، في الوقت المناسب، مطلبا دوليا بموجب القانون العرفي. وقد أيدت ذلك محكمة العدل الدولية عام 2010 في قضية «بولب ميلز» المتعلقة بنهر أوروغواي. وفي عام 1992، أدى إعلان «ريو» بشأن البيئة والتنمية إلى إدخال تقييم الأثر البيئي والاجتماعي في مقدمة سياسات التنمية المستدامة، وبالتالي القانون العرفي. وفي عام 1997، دخلت اتفاقية الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا لعام 1991، الخاصة بتقدير الأثر البيئي في إطار عابر للحدود، حيز التنفيذ. وتكرس اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 بشأن الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية العابرة للحدود 17 حكما يمنع حفظ وتخزين المجاري المائية بدون تقييم الأثر البيئي والاجتماعي العابر للحدود.

ولدى وكالات التنمية الدولية، بما في ذلك البنك الدولي، ومنظمة الأغذية والزراعة، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، ومصرف التنمية الأفريقي، والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، والبنك الإسلامي للتنمية، ومؤسسة التمويل الدولية، أطر مفصلة مع متطلبات وعمليات صارمة، ومعايير تفصيلية للتقييمات البيئية والاجتماعية. ويتم القياس وفق هذه الأطر للتحقق من استدامة المشاريع وتجنب الآثار البيئية والاجتماعية السلبية، أو التقليل منها، أو تخفيفها. وتأتي مشاريع الطاقة الكهرومائية العابرة للحدود مثل «سد النهضة» تلقائيا ضمن هذا التصنيف. وفي عالم تلتزم فيه الدول بالقانون الدولي، وتفي الحكومات بالتزامات الدولة للتعايش في سلام، كان من الممكن إجراء تقييم الأثر البيئي والاجتماعي قبل بدء بناء السد. لكن ما حدث غير ذلك.

وكانت إثيوبيا قد انتهكت بالفعل الشرط القانوني الأساسي للإشعار المسبق، عندما بدأت في بناء مركز السد دون إخطار مصر والسودان. وتتأتى متطلبات الإشعار المسبق والتشاور في المبادئ العامة للقانون الدولي، والمكرسة في بعض الأدوات بما في ذلك قواعد «هلسنكي» لعام 1967، واتفاقية لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا، واتفاقية الأمم المتحدة بشأن المجاري المائية، وكذلك إعلان ريو. وإذا لم يرغب البلد الذي يخطط لإجراء تدبير عابر للحدود أو يرغب في السماح لجيرانه بإجراء هذه التقييمات والخطط المشروعة، فإنه لا يخطرهم بالتدبير مسبقا.

وبدون إشعار مسبق، تصبح الآثار الضارة عبر الحدود «أمرا صعبا». ويحرم هذا الحق الأساسي السكان، الواقع عليهم الأثر، من معرفة أو تجنب أو الاستعداد لهذه التأثيرات.

ولا يمكن لأحد طرفي نزاع أن يكون أيضا محكم. ومع ذلك، ففي حين تعيق إثيوبيا عمليات تقييم الأثر البيئي والاجتماعي أو تؤخرها، فإن مسؤوليها يدعون أن السد لن يضر بمصر. وهم يروجون لهذه السردية الساخرة عن الكمال السريالي للمشروع بدلا من التقييمات المهنية الفعلية والهادفة. وقد أشار تقرير لجنة الخبراء لعام 2013 إلى أن اللجنة لم تتلق أي معلومات يمكن معها التحقق من موثوقية ودقة المستندات التي قدمتها إثيوبيا، حيث استبعدت هذه الوثائق تقييمات التأثيرات في المراحل النهائية، لأنها افترضت بالفعل أن التأثيرات غير مهمة.

ولا عجب أن إثيوبيا رفضت طلب مصر في يناير/كانون الثاني لعام 2018 من أجل وساطة البنك الدولي. وعلى الرغم من أنه قد لا يكون البنك الدولي قد طلب تطبيق سياسته البيئية والاجتماعية لتمويل المشاريع في البداية، فإن الوساطة كانت لتؤكد على المبادئ الأخلاقية والقانونية التي تحكم عمل الصندوق.

ويتم مراقبة الدول لتقييم الهشاشة لأسباب وجيهة. فالدول الهشة لا تتسبب فقط في معاناة لا داعي لها لشعوبها، بل إنها قد تهدد الاستقرار والازدهار في البلدان والمناطق المجاورة. والسودان وإثيوبيا هما الدولتان رقم 7 و15 الأكثر هشاشة في العالم. فهما بحاجة إلى دعم ليصبحا مستقرين، ولكن ليس عن طريق تقويض استقرار بلد آخر.

وتسمح تقييمات الأثر البيئي والاجتماعي في الوقت المناسب، للبلدان، بمعرفة أو التخفيف أو القضاء على التأثيرات الضارة للتدابير المخطط لها عبر الحدود. وبهذا فقد تم حرمان 99.4 ملايين شخص في مصر بشكل فاضح من الوصول إلى هذه العملية الأخلاقية والقانونية المطلوبة عالميا، والتي تحمي حقوق الإنسان وكرامته وإنجازاته الاجتماعية والاقتصادية. ويبقى أن ننتظر ونشاهد إلى أين سيصل هذا بالدول الأطراف في الأزمة.

المصدر | معهد الشرق الأوسط

  كلمات مفتاحية

سد النهضة الإثيوبي مصر السودان صندوق النقد الدولي