فرنسا وحفتر: تفكيك ليبيا أسهل من تركيبها؟

الجمعة 1 يونيو 2018 08:06 ص

لم يمض وقت على الصورة التذكارية لاجتماع الثلاثاء الماضي في باريس لأطراف الأزمة الليبية الذي رعاه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شخصيا، وكذلك الأمم المتحدة ومسؤولون كبار من عشرين دولة قبل أن يرتفع من جديد دخان المعارك اللفظية والفعلية على الأرض الليبية.

ولعلّ الجدل الطريف الذي أثارته تلك الصورة حول «حجب» الجنرال خليفة حفتر للرئيس التونسي الباجي قائد السبسي لا يخفي التجهّم التراجيدي الذي استطار بين الليبيين الموجودين فيها، وما كان ينقص، لأولئك الأطراف (الذين يفترض أنهم موجودون للتوافق على خطة خروج من الأزمة)، لتنكشف المرارات الفاقعة بينهم، سوى أن يسحبوا سيوفهم أو مسدساتهم ويقضي الواحد منهم على الآخر!

صحيح أن الفرقاء الليبيين لم يوقعوا على وثيقة ملزمة في باريس، واكتفوا بإعلان مبادئ من ثماني نقاط، لكن وتيرة التصعيد، عسكريا وسياسيا، ارتفعت حالما عادوا إلى ليبيا بعد الاجتماع، إلى مستوى حادّ وغير مسبوق.

فرئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري قال إن اللواء المتقاعد (!) خليفة حفتر «مطلوب للنائب العام العسكري في ليبيا بتهمة الانقلاب» وأنه مطلوب أيضا للعدالة في فرنسا، وفي هذا نقض لشرعيّة التفاوض أصلا مع حفتر، كما أنه نقد لفرنسا التي قامت بفرض الاجتماع به.

بل إن المشري قال بصراحة إن حفتر لا يقود حربا على الإرهاب بل يقوم بتصفية خصومه السياسيين، وإنه لم يتحالف مع قوات حكومة الوفاق للقضاء على الإرهاب في بنغازي، بل قام بوضع خصومه السياسيين في سلة واحدة لتصفية الخصومة السياسية معهم.

أما حفتر فرد بسرعة وبطريقتين:

- الأولى عبر قيام قواته بغارات جوية قصفت مناطق سكنية في مدينة درنة الليبية،

- الثانية عبر تصريحات لمصدر في جيشه اعتبر أن «الجلوس لا يعني الاتفاق ولم يتم التوقيع على أي اتفاق في اجتماع باريس».

وهو ما يترجم عمليّاً بأن «جلوس» حفتر في باريس مع خصومه الليبيين، ثم وقوفه للتصوير التذكاري، كان نزهة سياحية على حساب الإليزيه، وأن على الرئيس الفرنسي ماكرون، الذي ورّط مسؤوليه بتنظيم الاجتماع، ومندوب الأمم المتحدة في ليبيا، غسان سلامة، نقع خططهم، وما كّتب أو قيل في المؤتمر في مياه البحر المتوسط.

الواضح جدا أن كل اجتماع لحفتر مع أي طرف ليبي آخر محكوم بالفشل، لأن حفتر صار عقدة الأزمة الليبية والسبب الأكبر لاستمرارها، فأي خطط سياسية أو اجتماعات أو خطط للمصالحة لا تؤدي بالجنرال العنيد إلى رئاسة الجمهورية فلا معنى لها في حساباته.

من المثير للتأمل أن السيرة العسكرية والسياسية لحفتر قامت على كونه أحد ضباط معمر القذافي الكبار، وعلى هزيمته الشنيعة في التشاد، وتبع ذلك أسره، ثم تسفيره بطائرة خاصة للولايات المتحدة الأمريكية، واشتغاله مع المخابرات المركزية هناك، وعودته من ثم بعد الثورة الليبية حيث تمت رعايته من قبل الإمارات ومصر السيسي.

وهي سيرة شائنة ومخيفة لا يمكن أن ينتج عنها أي خير لليبيا أو الليبيين، وأن المعادلة صارت إما إنهاء ظاهرة الجنرال أو تطويب ليبيا باسم حفتر وأبنائه، وهو أمر قد يكون أسوأ من استعادة سيناريو القذافي لأنه يضيف إلى الطغيان والغطرسة وتوريث البلاد لأولاده، التبعية لأبوظبي والقاهرة، و«سي آي إيه».

  كلمات مفتاحية

تفكيك ليبيا فرنسا خليفة حفتر الأزمة الليبية مؤتمر باريس إرث القذافي ثوريث أبناء حفتر التبعية محمد كوثراني