«فورين بوليسي»: إيران تريد البقاء في سوريا إلى الأبد

الاثنين 4 يونيو 2018 01:06 ص

كان «حميد رضائي» من بين آخر دفعة من الجنود الذين ماتوا من أجل إيران في سوريا، والذين قُتلوا جراء هجوم إسرائيلي بالصواريخ على قاعدة «تي 4» الجوية بالقرب من حمص.

وكان يبلغ من العمر 30 عاما، وهو شاب متدين من العاصمة طهران كان والده أيضا جنديا، وترك وراءه طفلة رضيعة.

وفي عزاء «رضائي» في أواخر أبريل/نيسان، قالت أمه التي كانت تبكي إنه لا يوجد ما كان يمنع ابنها من التطوع للقتال في سوريا.

وأضافت: «أنزعج عندما يسألني الناس لماذا لم أقف في طريقه؟ لقد اختار ابني طريقه الخاص».

وأضيفت وفاة «رضائي» إلى مقتل أكثر من 2000 عسكري إيراني في سوريا منذ أن بدأت طهران بضخ قوات وموارد هائلة في البلاد للدفاع عن نظام «بشار الأسد» من انتفاضة مسلحة.

وتضغط (إسرائيل) على روسيا، صاحبة النفوذ الرئيسي في سوريا، واللاعبين الدوليين الآخرين، لإجبار إيران على مغادرة سوريا، وتهددها بمزيد من الضربات على المواقع الإيرانية بالقرب من حدودها في «مرتفعات الجولان» أو في أي مكان داخل البلاد في حال بقائها.

وذكر وزير الخارجية الأمريكي «مايك بومبيو» انسحاب إيران من سوريا كواحد من 12 شرطا مسبقا لإلغاء العقوبات بعد انسحاب إدارة «ترامب» من الاتفاق النووي الشهر الماضي.

غير مستعدة للمغادرة

لكن مسؤولين إيرانيين وخبراء آخرين يقولون إن طهران استثمرت الكثير من الدماء والأموال، التي تصل إلى 30 مليار دولار حتى الآن تمنعها من التوافق مع المطالب الدولية، بغض النظر عن الضربات الجوية الإسرائيلية، أو حتى ضغوط موسكو.

وبعد أن حققت إيران بالفعل أرباحا من مثل هذا الاستثمار الضخم، فإنها عازمة على جني المزيد من المكاسب الاستراتيجية المحتملة على المدى الطويل حال بقائها في سوريا، حتى لو كان ذلك يأتي على حساب المزيد من الأرواح والمال على المدى القصير.

وقال رئيس تحرير أحد أهم منافذ الأخبار في طهران، الذي تحدث إلى «فورين بوليسي» بشرط عدم الكشف عن هويته: «لا أعتقد أن إيران مستعدة للتخلي عن وجودها في سوريا. فذلك الوجود يمنح إيران نفوذا جيدا ضد (إسرائيل). والأرض مهمة جدا، وإيران ماهرة جدا في إدارة الأرض، وهو المجال الوحيد الذي يضعف فيه الروس حتى. وبالطبع لا يأخذ الطرف الذي يتحكم في الأرض على محمل الجد أولئك الذين لا يفعلون ذلك».

وتصر إيران على أنها موجودة في سوريا بناء على طلب دمشق، ولن تغادر إلا بناء على طلبها.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية «بهرام قاسمي»: «طالما كان الأمر ضروريا، وطالما يوجد الإرهاب هناك، وطالما ترغب منا الحكومة السورية القيام بذلك، ستحافظ إيران على وجودها في سوريا، وستقدم إسهامها للحكومة السورية».

وقال «الأسد» في مقابلة تليفزيونية روسية، هذا الأسبوع، إنه لم يكن هناك قط قوات إيرانية داخل سوريا.

وقال: «لدينا ضباط إيرانيون يعملون مع الجيش السوري كمساعدة. لكن ليس لديهم قوات».

وتدخلت إيران، إلى جانب حليفها اللبناني «حزب الله»، للدفاع عن نظام كان حليفا مخلصا لها منذ فترة طويلة، في وقت كان فيه الكثير من العالم قد تخلى عن «الأسد» كضحية أخرى لثورات الربيع العربي.

وعلى مدى الأعوام الـ 7 الماضية، تصاعد الاستثمار الإيراني في سوريا إلى مليارات الدولارات، في صورة مساعي عسكرية واقتصادية متشابكة في بعض الأحيان.

وجندت إيران المجندين من مختلف أنحاء الشرق الأوسط وجنوب آسيا المنتشرين في سوريا، وقدمت لعائلات القتلى الكثير من الأموال.

ووفقا لحسابات «منصور فرهنك»، وهو باحث مقيم في الولايات المتحدة ودبلوماسي إيراني سابق، أنفقت إيران ما لا يقل عن 30 مليار دولار على سوريا في شكل مساعدات عسكرية واقتصادية.

وتأتي تقديرات «نديم شحاده»، عالم شؤون الشرق الأوسط في كلية «فليتشر» للحقوق والدبلوماسية بجامعة «تافتس»، أعلى من ذلك، حيث تبلغ 15 مليار دولار سنويا، بمجموع نحو 105 مليار دولار. وقد يكون الرقم مثير للجدل سياسيا في لحظة متقلبة يطالب فيها الإيرانيون في الداخل بالمساءلة والحكمة المالية.

وقال «فرهنك»: «لقد أنفقوا الكثير من الاستثمارات الاقتصادية والسياسية. ومن الصعب جدا عليهم التقاط حقائبهم والعودة إلى منازلهم».

انتشار غير مسبوق

وتعمل القوات الإيرانية حاليا من 11 قاعدة في جميع أنحاء البلاد، فضلا عن 9 قواعد عسكرية للميليشيات الشيعية المدعومة إيرانيا في محافظات حلب الجنوبية وحمص ودير الزور، بالإضافة إلى نحو 15 قاعدة ونقطة مراقبة تابعة لـ «حزب الله» على طول الحدود اللبنانية وفي حلب، وفقا لـ«نوار أوليفر»، وهو باحث عسكري في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، وهو مركز أبحاث في اسطنبول.

وقال محللون عسكريون إن إيران تخضع بالفعل لضغوط روسية لنقل القوات والميليشيات الموجودة الآن في الجنوب السوري إلى دير الزور غرب نهر الفرات.

لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» حذر هذا الأسبوع من أن (إسرائيل) ستضرب أي محاولة من جانب إيران «لتثبيت نفسها عسكريا في سوريا، وليس فقط في المواجهات في مرتفعات الجولان، ولكن في أي مكان في سوريا».

وأصر المبعوث الإسرائيلي السابق للأمم المتحدة، «دور غولد»، على أن تهديد «نتنياهو» لم يكن شخصيا، بل كان يمثل البلد بأكملها.

لكن تدخل إيران في سوريا يتجاوز الوجود العسكري التقليدي، وبدأت بالفعل في زرع بذور مؤسساتها المالية والأيديولوجية الفريدة.

وإلى جانب نحو 12 منظمة أخرى مرتبطة بإيران، تعمل مؤسسة الجهاد الإسلامية المدعومة من إيران، وهي المؤسسة الخيرية الإسلامية التي مولت ونظمت إعادة إعمار جنوب بيروت بعد حرب صيف عام 2006، بالفعل على مشاريع كبيرة لإعادة بناء المدارس والطرق والبنية التحتية الأخرى في حلب وبلدات أخرى، فضلا عن تقديم المساعدات لعائلات الميليشيات السورية المدعومة من إيران.

ويعمل تواجد إيران المتعمق في سوريا على ربط النظام أكثر بطهران، مما يعطي إيران بصمة عسكرية موسعة في المنطقة، فضلا عن نقل مكان مباراة الكراهية الطويلة مع (إسرائيل) بالقرب من حدودها.

وفي الأشهر الأخيرة، فازت الشركات الإيرانية بصفقات في سوريا تشمل توفير الجرارات، وفوسفات التعدين، وإصلاح شبكات الكهرباء، وتكرير السكر.

واستنادا إلى التقديرات المقدمة من المسؤولين الإيرانيين، يبدو أن إيران تصدر سلعا وموارد بما لا يقل عن 150 مليون دولار سنويا لسوريا. كما أقرضت طهران ما لا يقل عن 4.5 مليار دولار لنظام دمشق منذ عام 2013.

كما تسيطر إيران وحلفاؤها السوريون والعراقيون على الكثير من الحدود العراقية السورية، ومنطقة عبور مواد البناء وواردات الطاقة، مما يمنح طهران الكلمة الرئيسية في الكثير من مستقبل البلاد، ويمنح هذا إيران طريقة لاسترداد استثماراتها غير العادية.

وقال «أوليفر»: «إنهم يسيطرون على الطريق في الصحراء السورية، وعلى خطوط الأنابيب المهمة. وبطريقة ما، لا يمكن لأحد أن يقوم بمشروع دون أن تكون إيران في الدائرة».

ولا يحظى التدخل المستمر في سوريا بشعبية خاصة في الداخل في إيران. وردد متظاهرون يطالبون بالتغيير الاجتماعي والاقتصادي مرارا شعارات تندد بتورط إيران في الصراع.

وفي بعض الأحيان، يتشاحن مسؤولو وزارة الخارجية حول الموقف الإيراني، وشكك كبار المسؤولين، بمن فيهم الراحل آية الله «هاشمي رفسنجاني» علنا، بدعم طهران لـ «الأسد»، كونه ديكتاتور وراء ذبح وتشريد مئات الآلاف من شعبه.

ومع ذلك، فإن الجزء الذي ينتقد الشراكة الإيرانية مع «الأسد» لا يملك إلا القليل من القوة أو لتغيير واقع التدخل في سوريا، الذي تشرف عليه شخصيات الدولة العميقة الإيرانية مثل «قاسم سليماني»، قائد «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإسلامي.

وقال الباحث في «تشاتام هاوس» «سانام فاكيل»: «لا أعتقد أن هذا الجزء من النظام سيوافق على فك ارتباط طهران الدائم مع سوريا. وأشعر أن هذا الجزء من النظام جاهز للمخاطر. وسوف يحاولون لعب اللعبة الطويلة البطيئة والثابتة، ليس من حيث القواعد بالضرورة، ولكن عبر الأفراد وبعض الميليشيات، والاستثمارات الاقتصادية كذلك».

وكانت هناك العديد من التقارير التي تفيد بأن إيران و(إسرائيل)، من خلال وسطاء أردنيين أو روسيين، كانوا يحاولون إيجاد تسوية مؤقتة في سوريا.

واقترح «علي أنصاري»، وهو باحث في جامعة سانت أندروز، إمكانية إقناع إيران إذا ضغطت كل من موسكو ودمشق على طهران للمغادرة. لكن لن تغادر إيران قبل الحصول على الكثير من المكاسب.

لكن في حين أن إيران لا تريد حتى الآن تصعيد الصراع مع (إسرائيل) حول سوريا، فقد غير وجودها هناك توازن القوى الإقليمي الاستراتيجي، مما أدى إلى تحريك مكان مباراة المنافسة الطويلة بين البلدين لتكون بالقرب من الحدود الإسرائيلية.

ووصف محلل عسكري إيراني سوريا بأنها «نزاع وجودي» ترى طهران أنه حاسم لكل أهدافها.

وقال المحلل، الذي طلب عدم الكشف عن هويته: «فقط الهزيمة العسكرية الكاملة للحكومة السورية هي ما قد يجبر إيران على مغادرة سوريا».

وقال «شحاده»: «لن ينسحب الإيرانيون. قد ينسحبون من الناحية التكتيكية بضغوط من الروس، فقط لتهدئة الأمور. لكنهم سيبقون هناك في القضايا الإقليمية الاستراتيجية بصورة كبيرة».

  كلمات مفتاحية

الحرب السورية موسكو طهران النظام الإيراني بشار الأسد روسيا

اتفاق تركي روسي على فتح معبر للسوريين بريف إدلب