«فورين بوليسي»: كيف تمكنت قطر من هزيمة الحصار السعودي؟

الثلاثاء 5 يونيو 2018 11:06 ص

قبل عامٍ مضى، فرض ائتلاف من الدول العربية، بقيادة السعودية، حصارا بريا وبحريا وجويا تاريخيا على قطر.

وتم إعداد هذه التدابير من أجل تركيع الدوحة بشكل قوي لدفعها للالتزام بقائمة من المطالب تتضمن رفع الدعم المزعوم لمتطرفين في أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك داخل الدول الأربع، البحرين ومصر والإمارات والسعودية، التي أصبحت فيما بعد تعرف باسم اللجنة الرباعية المقاطعة لقطر.

وتلقت اللجنة الرباعية زخما إضافيا بعد يوم واحد من بدء الحصار من الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، الذي قام بالتغريد: «من الجيد رؤية أن زيارتي للسعودية، ووجودي مع الملك وزعماء 50 دولة تأتي ثمارها بالفعل. لقد قالوا إنهم سيتخذون موقفا متشددا بشأن تمويل التطرف، وكانت جميع الإشارات تشير إلى قطر. وربما تكون هذه بداية النهاية لرعب الإرهاب!»

ومع ذلك، فبعد مرور عام، لم تكتف قطر بمواجهة العاصفة فحسب، بل يبدو أنها ظفرت بالفوز الرئيسي في الصراع.

إذ فشلت دول الحصار في إجبار قطر على قبول قائمة الـ13 مطلبا، التي تضمنت إغلاق قناة الجزيرة ووسائل الإعلام الأخرى التي تمولها الدوحة.

ويبدو أن المطالب تم وضعها بشكل واضح لتكون أكثر مما يمكن للدوحة قبوله على الفور.

وكان الهدف الحقيقي للحصار هو جعل قطر دولة تابعة غير قادرة على القيام بأي سياسة خارجية مستقلة.

ولهذه الغاية، بدأ المعسكر السعودي حملة علاقات عامة واسعة النطاق بعواصم غربية لزيادة الضغط الدبلوماسي على قطر وتحويل الرأي العام ضدها.

السحر ينقلب على الساحر

لكن من خلال تلك التدابير، جرت الأزمة حتى الآن لصالح قطر.

ولعل أوضح دلالة على هذا الواقع هو سلسلة التصريحات التي أدلى بها «ترامب» مع أمير قطر «تميم بن حمد»، في أبريل/نيسان الماضي.

وهاجم «ترامب» السعودية، بما في ذلك الإشارة إلى تمويل الإرهاب، وأقر بتقدم قطر في هذا الشأن.

وبدلا من إقناع المعلقين والسياسيين في الغرب بأن قطر تواجه مشاكل خطيرة تحتاج إلى معالجتها، كان التأثير معاكسا إلى حد كبير.

ويرجع ذلك بشكل كبير إلى أن دول الحصار فشلت في توقع تنظيم قطر لحملة علاقات عامة فعالة خاصة بها في الغرب، وقدر مصدر واحد على معرفة بجهود اللوبي الخليجي أن قطر أنفقت نحو 1.5 مليار دولار على جهود العلاقات العامة منذ الأزمة. ومن المتوقع أن تكون السعودية قد أنفقت مبالغ مماثلة.

وكانت النتيجة هي أن دول الحصار، وليس قطر، هي التي عانت من أكبر النكسات في سمعتها.

وتم تقويض الجهود التي بذلتها السعودية منذ فترة طويلة لانتقاد دعم الدوحة للتطرف، في أماكن مثل سوريا وليبيا وتمكنت قطر من تصوير مثل هذه المزاعم على أنها مجرد جزء من الجهد المدفوع من الجانب السعودي.

وبشكل حاسم، تزامن تطوران سياسيان حولا مسار الأزمة لصالح الدوحة.

وكان التطور الأول أن قطر، لأسباب غير مرتبطة بالحصار، أصبحت أقل مشاركة مع الجماعات المسلحة في سوريا، ومع اكتساب نظام «بشار الأسد» زخما في الحرب الأهلية، كان هناك حافز أقل للدوحة لدعم الجماعات المتمردة مثل «أحرار الشام» في الشمال.

وفي غضون ذلك، أصبحت تركيا بدلا من ذلك هي الراعي الرئيسي.

وعلى الرغم من أن ذلك لم يسجل أي تحول استراتيجي كبير، إلا أن هذا التطور أعطى الدوحة موقفا إيجابيا في نظر النقاد في الغرب.

والتطور الثاني الموازي كان صعود «محمد بن سلمان»، الذي أصبح ولي العهد السعودي بعد أقل من 3 أسابيع من أزمة قطر.

وكان لظهور «بن سلمان» نتائج متباينة بالنسبة لقطر، فمن جهة، تمكن من استخدام النزاع مع قطر بفعالية لتعزيز الدعم في الداخل، وتوجيهه ضد أعداء البلد الإقليميين المزعومين؛ حيث تم وصف النقاد الشخصيين للأمير السعودي الجديد بسرعة بأنهم عملاء لقطر.

وبذلك، سرعان ما أدرك رجال الدين وغيرهم من المواطنين السعوديين المؤثرين أن عليهم أن يتحدثوا بفعالية ضد قطر، كوسيلة للتعبير غير المشروط عن الولاء لولي العهد الجديد.

لكن حملة «بن سلمان» الخارجية، المليئة بتحولات السياسة الخارجية، شوهت التصور الدولي للسياسات السعودية.

وأفادت هذه الديناميكية قطر بشكل مباشر؛ حيث كان النقد الموجه إلى «بن سلمان» يطغى بشكل متزايد على القضايا الإقليمية الأخرى.

وقد أُلقي باللوم على ولي العهد السعودي في الغرب، وفي الشرق الأوسط على نطاق أوسع، في حرب اليمن؛ لأنها تم إطلاقها بعد شهرين بالضبط تقريبا من تعيينه وزيرا للدفاع، في يناير/كانون الثاني 2015.

وبدأت قطر، من ناحية أخرى، بتقديم نفسها كداعم للقضايا العربية والإسلامية، بدلا من البحث عن المكاسب الجيوسياسية.

مؤامرة ضد التغيير

وحدثت ديناميكية مماثلة مع التقارب الذي تقوده السعودية مع (إسرائيل)، على سبيل المثال.

فقد كان تصور تقارب المملكة وحلفائها مع (إسرائيل) سابقا لأزمة قطر، وكان ينظر إليه على أنه جزء من إجماع إقليمي ضد إيران.

لكن عدوان المملكة المتنامي في المنطقة سمح لقطر بتصوير هذا التقارب على أنه تحالف ضد حقوق المسلمين.

والديناميكية الأخيرة مهمة في إعادة التنظيم الجيوسياسي والاجتماعي في خضم صراع قطر.

ففي حين تميل حكومات اللجنة الرباعية المقاطعة لقطر إلى تصوير إيران ووكلائها باعتبارهم التهديد الأعظم، فإن العرب في الشرق الأوسط الأوسع يتجهون بشكل متزايد إلى رؤية دول نفسها أنها راعية لمؤامرة استبدادية ضد طموحات التغيير السياسي منذ الانتفاضات العربية عام 2011.

ولا تزال السعودية وحلفاؤها يمارسون سياساتهم الخارجية علنا بشكل رئيسي في معارضة الحركات الإسلامية والحركات الثورية.

وعلى النقيض من ذلك، ينظر الجمهور إلى قطر على أنها صديقة للقوى السياسية التي تريد التغيير في جميع أنحاء العالم العربي، وسمح لها ذلك بتصوير نفسها على أنها ضحية للغدر السعودي.

لكن في حين قد تفوز قطر بصراع الأزمة في محكمة الرأي العام، إلا أن الجانب السعودي يرى نفسه رابحا من حيث تغيير الحقائق على الأرض.

فمن منظور المعسكر السعودي، ساعدت أزمة قطر المملكة على التركيز على إعادة رسم الخريطة العسكرية والسياسية للمنطقة؛ حيث تأثرت الدوحة بالضغط الاقتصادي المستمر.

وبالنسبة لهم، فإن الدوحة حاليا أقل قدرة على لعب دور فاعل في دول مثل ليبيا واليمن والعراق ومصر.

ويعزى التقدم العسكري الذي أحرزه قائد المنطقة الشرقية في ليبيا، «خليفة حفتر»، بعد شهر من الأزمة، إلى زيادة الدعم من الإمارات والسعودية ومصر، والشلل القطري خلال الأسابيع الأولى من الأزمة.

ومع ذلك، حتى المسؤولون الخليجيون الذين يعارضون الدوحة يعترفون سرا بأن منافسهم يكتسب جانبا حيويا في الصراع.

وقد اعترف مسؤول عربي كبير بفكرة أن قطر قد ربحت حرب العلاقات العامة، وأنها لعبت بأوراقها بشكل صحيح.

المصدر | حسن حسن - فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية

أزمة قطر اللجنة الرباعية دول الحصار حرب اليمن