العام الثاني للأزمة الخليجية.. خسائر لدول الحصار ومكاسب إيرانية

الثلاثاء 5 يونيو 2018 01:06 ص

تثير التحالفات الاقليمية الجديدة قلقا عاما من احتمالات تأثر الأزمة الخليجية ودخولها في سياسة المحاور إلى جانب الولايات المتحدة وإيران تبعا للانقسام الخليجي بين دولة قطر ودول الحصار؛ لكن ليس ثمة ما يشير إلى أن التوترات بين السعودية وإيران يمكن أن تتطور إلى حالة حرب من شأنها زيادة حدة الانقسام الخليجي وتفكك منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

وتصاعدت حدة التوترات في منطقة الشرق العربي بشكل أكبر بعد انسحاب الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» من صفقة الاتفاق النووي الإيراني في 8 مايو/آيار 2018، وزيادة ملحوظة في الهجمات الإسرائيلية على مواقع إيرانية مشتركة مع قوات حليفة لها على الأراضي السورية في الآونة الأخيرة؛ ما أدى إلى عملية فرز في التحالفات وتشكيل محورين أحدهما تقوده الولايات المتحدة ويضم حلفاء لها مثل السعودية و(إسرائيل)، والآخر إيراني يضم قوات حليفة لها ودول مثل سوريا ولبنان.

مكاسب إيرانية

شكلت الأزمة الخليجية فرصة لإيران لتعزيز مكاسبها في منطقة الخليج العربي من خلال الدعم الذي قدمته لدولة قطر في الجانب الاقتصادي لتلافي تداعيات إجراءات الحصار الرباعي الذي تعرضت لها قطر بعد أزمة 5  من يونيو/حزيران 2017، وهو ما انعكس جليا في الموقف القطري المعارض للعقوبات التي فرضها الرئيس الأمريكي بعد انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني خروجا على موقف دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ما شكل شرخا مضافا إلى بنية وتماسك المجلس ووحدة موقفه.

منذ الأيام الأولى لبدء إجراءات المقاطعة التي فرضتها السعودية والإمارات والبحرين على دولة قطر دعت إيران على لسان الرئيس «حسن روحاني» -ردا على انتقادات وجهت إلى قطر بسبب علاقاتها مع إيران- إلى تحسين علاقات بلاده مع جيرانها من الدول الخليجية بعد أيام فقط على القمة الأمريكية الخليجية التي استضافتها السعودية في 22 مايو/آيار 2017 والتي اتهم الرئيس الأمريكي خلالها إيران بدعم الإرهاب ورعايته في المنطقة.

وقبيل الإعلان عن عودة العلاقات القطرية الإيرانية، وبعد أيام قليلة من إعلان الحصار الرباعي، أعلنت إيران فتح مجالها الجوي والبحري أمام حركة الطائرات والسفن القطرية لتلافي تداعيات غلق السعودية المنفذ البري الوحيد لقطر، ومنع الطائرات القطرية التحليق في أجواء السعودية والبحرين والإمارات، وكذلك النقل البحري ومرور السفن القطرية بالمياه السيادية لتلك الدول.

يبقى العنوان الأبرز للعلاقات بين دولة قطر وإيران هو العلاقات في الجانب الاقتصادي حيث إن معظم البضائع التي تستوردها قطر تمر عبر إيران من دول عدة؛ إلا أنه لا زالت تحتفظ دولة الإمارات العربية المتحدة بموقع الصدارة في حجم التجارة مع إيران من بين الدول الخليجية الأخرى.

تقارب قطري إيراني

ينظر إلى التقارب القطري الإيراني على أنه محاولة إيرانية لاستغلال الأزمة الخليجية والانقسامات بين أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية من خلال خطاب رسمي تبنى موقفا حذرا في تناول الأزمة بجانبها السياسي وركز على الجانب الاقتصادي واستعداد إيران لتقديم أي سلع غذائية لتعويض النقص في السوق القطرية جراء إغلاق المنفذ البري الوحيد لقطر إلى العالم عبر الأراضي السعودية.

وتتبنى من جانبها دولة قطر خطابا هادئا يضع في الاعتبار الهوة العميقة في رؤية كلا البلدين لازمات المنطقة سواء الأزمة السورية حيث تدعم إيران بشكل واضح نظام «بشار الأسد» في مواجهته الدموية مع فصائل الثورة السورية التي تقف دولة قطر إلى جانبها من خلال تبني خطاب طالب أكثر من مرة في محافل دولية عدة بضرورة إزاحة النظام الحالي في دمشق.

ويأتي الجانب الاقتصادي في طليعة اهتمامات إيران بالاستثمار بالأزمة الخليجية وتحقيق بعض المكاسب الإضافية، وفي خطاب أمير دولة قطر في 21 يوليو/تموز 2017 قدم الأمير القطري الشكر ضمنا لإيران دون ذكرها بالاسم حين أشار إلى الدول التي فتحت مجالها الجوي للطيران القطري؛ وتشترك دولة قطر مع إيران في واحد من أكبر حقول الغاز في العالم، كما أن البلدين يحتفظان بعلاقات دبلوماسية طبيعية.

وتحاول إيران قدر الإمكان تبني موقف حذر من الأزمة الخليجية يتجنب أيا ما يشير إلى تأثير إيراني، أو دور مباشر فيها قد يثير حفيظة الدول الخليجية الحليفة للولايات المتحدة.

كما أنه يمكن لإعلان موقف رسمي إيراني صريح إلى جانب الموقف القطري أن يلحق بعض الضرر بدولة قطر إلى جانب أنه سيعطي تأكيدا لما جاء في الشروط الـ13 حول ما يتعلق بالتعاون مع إيران التي تنظر إليها دول الحصار الرباعي والولايات المتحدة على أنها دولة إرهابية وراعية للإرهاب.

«الدولة الإسلامية»

يسود اعتقاد في الأوساط الإيرانية أن معارضة التحالف المناهض لطهران بقياد المملكة العربية السعودية يمكن أن يؤدي إلى نتائج سلبية تنعكس على دورها الإقليمي ونفوذها في المنطقة الذي تحرص على تجنيبه عوامل إضعافه والحفاظ على بنية سليمة للأنظمة والقوى الحليفة لها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، باعتبار أن هذه القوى يمكن أن تلعب دورا مستقبليا في أي نزاع مسلح إلى جانبها ضد (إسرائيل) التي نفذت ضربات جوية على مواقع مشتركة لإيران والقوات الحليفة لها على الأراضي السورية دون رد إيراني.

وكان من تبعات التنافس الإيراني السعودي في المنطقة وتعارض مواقفهما بما يتعلق بملفات الصراعات في سوريا والعراق واليمن أن كثفت إيران دعمها للنظام السوري وجماعة أنصار الله (الحوثي) في اليمن وفصائل الحشد الشعبي في العراق وتبعات هذا من تعهدات بانتشار وتوسع النفوذ الإيراني بما يمثله من تهديد مباشر لأمن واستقرار المنطقة؛ وساهمت الأزمة الخليجية في خسارة قوى حليفة للمحور المناهض لإيران، مثل دولة قطر التي كانت تقاتل إلى جانب قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن قبل ان يتم استبعادها بعد الأزمة.

وتكثف الولايات المتحدة والدول الحليفة، السعودية و(إسرائيل)، جهودهم المشتركة لمواجهة النفوذ الإقليمي المتنامي لإيران في المنطقة وإضعافها سياسيا وعسكريا واقتصاديا؛ في مقابل ذلك تعمل إيران على استثمار الأزمات في المنطقة لتحييد بعض الدول غير الحليفة لها، (قطر والكويت وسلطنة عمان)، ووقف توسع الحلف المناهض لها؛ وتبدو دولة قطر في موقف تسعى من خلاله جاهدة وبدبلوماسية هادئة متزنة، للموازنة بين حاجتها للولايات المتحدة لضمان موقفها من أي عمل عسكري محتمل ضدها، وموقفها المتمثل بحاجتها لإيران في تفادي التداعيات الاقتصادية المحتملة جراء الأزمة، إلى جانب اشتراكها مع أيران في أكبر حقول الغاز الطبيعي المسال.

ولا خلاف على أن المحور المناهض لإيران خسر وجود دولة قطر ضمن الدول والقوى المناهضة للنفوذ الإيراني، بالتنسيق مع الولايات المتحدة التي ترى ضرورة أن تكون الأولوية التصدي لإيران في المنطقة بعد الانتهاء من العمليات القتالية الكبرى مع تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي أعلنت روسيا الانتصار عليه في سوريا بعد أسابيع من إعلان الحكومة العراقية الانتصار عليه في 8 ديسمبر/كانون الأول 2017.

ومع دخول الأزمة الخليجية عام جديد، فإن فرص إيران في تحقيق مكاسب إضافية تبدو واضحة في مواجهة رغبة وسياسات رباعي الحصار الذي يعمل بالتنسيق مع الولايات المتحدة للحد من النفوذ الإيراني في المنطقة عموما ومنطقة الخليج العربي بشكل خاص.

المصدر | الأناضول

  كلمات مفتاحية

قطر إيران الأزمة الخليجية دول الحصار السعودية الاتفاق النووي