استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

أحداث الأردن: الإطار العربي للتغير

السبت 9 يونيو 2018 06:06 ص

ما يقع في الأردن وقع في معظم دول العالم، فالدولة التي تمارس سياساتها عبر الانحياز لفئة من المحيطين والمقربين من أهل الولاء ( الأرستقراطية الجديدة) وذلك على حساب الكفاءة والخبرة وبناء المؤسسات والاقتصاد المنتج ستصل دائما لطريق مسدود.

وتؤكد أحداث الأردن أن الدولة العربية التي تحكم بواسطة القرارات المنفصلة عن الطبقات الشعبية والوسطى لا يمكن إدامتها. الأردن كغيره من البلدان العربية لن يتقدم بلا إصلاحات سياسية تغير النهج الحاكم والخط السياسي الحكومي السائد، وهذا يتطلب بالإضافة لمسار اقتصادي منحاز للتنمية والطبقات الشعبية، مسارا آخر يطور الحياة السياسية باتجاه التحول الديمقراطي.

إن الدولة التي توزع على حساب الاقتصاد الوطني وتعيِّن على حساب الكفاءة وتؤمن بأسلوب المحسوبية في توزيع المواقع والمناصب لا يمكن إدامتها في طول وعرض الوطن العربي.

فهذا النمط من الدول لن يطور اقتصادا ولن يخلق عدالة اجتماعية ولن ينجح في بناء مؤسسات تنافسية، وهو بالتالي معرض لرياح الخارج وتأثيرات الدعم الخارجي والديون التي لن تستطيع دفعها للبنك الدولي وغيره من المؤسسات المانحة.

لقد شكل الربيع العربي البداية لما يشهده الأردن اليوم ولما ستشهده دول كثيرة في العالم العربي من المحيط للخليج. إذ يدخل العرب عبر الحدث الأردني الشعبي الذي انتهى في مرحلته الأولى بإسقاط رئيس الوزراء وتكليف رئيس وزراء إصلاحي ( عمر الرزاز)، مرحلة تنظيم إمكانياته في الميادين والساحات العامة.

ما يقع في الأردن حراك كبير، لكن أبعاده العربية حاضرة ومتضمنة في تعبيرات الشارع، وفي دور الجيل الصاعد، وفي البحث عن دولة حقيقية وواقع عادل وشراكة وحريات ومستقبل.

آن الأوان للنخب العربية أن تتعامل مع التغير المقبل في المنطقة العربية من خلال تفادي وسائل القمع والاستخفاف والاتهام والتهميش بحق الجيل الذي يعبر عن نفسه ويتخذ من الساحات العامة ووسائل التواصل الاجتماعي مكانا للتعبير. فالشعوب العربية تتساءل عن سوء الإدارة وضعف التنظيم وانتشار الفساد وتنامي الأدوار المخفية للدولة العميقة في كل دولة.

الشعوب العربية تريد في أعلى السلطة من يمثلها ويتبنى قضاياها، وهي تريد مسؤولا قادرا على الإحساس بهمومها.

بإمكان ملك أو رئيس أن يشعر بهموم الناس، لكن هذا لا يكفي، بل يتطلب الأمر مؤسسات تمثل المجتمع ومجتمعا تسمح له الدساتير والقوانين بمحاسبة قادته وامتلاك زمام مستقبله وواقعه.

وهذا لن يكون ممكنا بلا ديمقراطية وحقوق دستورية وتنمية العمل السياسي الحزبي والانتخابات التنافسية للمناصب السياسية وفق قوائم حزبية مع صلاحيات كاملة للمحاسبة من قبل المؤسسات البرلمانية.

الأردن وفق المعطيات الراهنة سيضطر للسير في هذا الاتجاه إن أراد أن يتعامل مع الأزمة بما يؤدي لتقوية البلاد وتطويرها وحفظ حقوق مواطنيها.

لقد سقطت اللعبة القديمة التي مارسها الجيل السابق من القادة والتي تقوم على برلمان محجم بقانون انتخابي هزيل لا يفرز سوى أسوأ التعبيرات وأكثرها ضعفا.

سقطت اللعبة القديمة التي تقوم على تهميش التعبيرات الحزبية بواسطة القمع والتفتيت والإفساد.

اللعبة السياسية التقليدية في العالم العربي حيث يتحكم مركز النظام بكل قرار وسياسة وحيث تسود الروح القمعية والمصالح الضيقة أوصلتنا للحافة بحيث أصبحنا نفتقد في البلدان العربية القيادات الفاعلة في المجتمع وتفتقد الرموز المؤثرة والأحزاب الفاعلة والاقتصاد الإنتاجي والعدالة التي تخلق الألفة بين مكونات المجتمع.

الأهم في الحراك الأردني إنه يقع في دولة ملكية، لديها نظام عرف باستقراره وشرعيته وعمقه التاريخي، لكن النظام الأردني عرف التراجع تلو التراجع في السنوات الماضية بفضل طريقة تشكيل حكوماته وسياساته حول الضرائب والاقتصاد والديون والحريات والحقوق.

إن الشعار التاريخي الذي ساهم في الغرب بنشوء الديمقراطية لازال صالح المفعول في الشرق: "لا ضرائب بلا تمثيل".

ما لا تنتبه إليه النخبة العربية صاحبة النفوذ والأموال أن نفسية المواطن العربي تغيرت، وأن استعداده للتعبير والتغيير يزداد قوة وعمقا، وأن الهدوء في الإقليم عندما يقع بسبب ضغط الأجهزة وضغط الأمن وقمع السلطات وانتهاك الحقوق مخادع، ذلك الهدوء مرتبط بمحاولة الناس البحث عن مخارج لأزمتهم.

الهدوء في دول المنطقة ليس دليلا على القبول والرضا، بل دليل على أن الناس تخشى عواقب تحركها، لكنها في النهاية ستتحرك باحثة عن ما يطور وطنها ويزيل عن كاهلها سوء المعاملة وسطوة السيطرة وغياب الديمقراطية.

إن الحراك السياسي والشعبي الهادف لدفع الأوضاع العربية نحو الإصلاح السياسي والاقتصادي سيتحول للشكل الأكثر انتشارا في البلدان العربية في المرحلة المقبلة، لهذا فما يقع في الأردن ليس استثناء بل إنه تعبير عن طريقة صاعدة في سماء العمل السياسي والنقابي العربي.

لقد سئمت الشعوب العربية من حالة القمع وسئمت من خوفها على أبنائها وبناتها من الأجهزة الأمنية وخوفها من العوز والظلم والبطالة وخوفها من وطنها، هذا الرعب حول الشعوب نحو الهجرة والهرب من أوطانها.

لكننا نشهد في المقابل تحولا تاريخيا ستسعى عبره الشعوب للتخلص من كل أنواع الخوف من المجهول والقمع والحاجة. وهذا يفسر معنى سعيها لكسر الممنوع وتحدي الأجهزة وملء الساحات بالاحتجاج والتعبير.

ولا يشترط أن يتحول الحراك في الشارع الأردني لشيء شبيه بما وقع في سوريا وليبيا. يجب أن ننتبه بأن واقع الدول الملكية أكثر اتزانا نسبة للجمهوريات، كما أن شعوبها أقل توترا وغضبا. فما وقع في سوريا درس لأكثر من طرف: النظام والمعارضة في المنطقة العربية.

الحالة السورية بإمكانها أن تكون دليلا واضحا على خطر التسلح وتحويل الثورة أو الحراك السياسي لعمل مسلح، أما الدرس للأنظمة فهو أهم لأنه مرتبط بضرورة أن تقرأ الأنظمة الحراك بموضوعية وأن تكف عن اعتبار كل حراك موجه من الخارج، بل على الأنظمة أن تتوقف عن سياسة الاستخفاف بالمطالب والتشدد تجاه المعارضين والتغول في قمع المعارضين.

على الأنظمة أن تنظر لنفسها بالمرآة وتتحلى بالقدرة على نقد ذاتها والانفتاح على مجتمعها. إن الذي سيقرر مدى تحول حراك شعبي لحالة تشبه سوريا هو النظام السياسي والأدوات التي يستخدمها والعنف الذي يطلقه، فكلما امتلك النظام قراءة هادئة واستعد لدفع ثمن الإصلاح السياسي والاقتصادي كلما تحول هذا الحراك الشعبي لعنصر قوة لصالح التحول والانتقال.

ما نراه في الأردن هو تجديد لذات الحراكات و التحولات التي قد تضع الشعوب العربية على طريق يؤدي لسيطرتها على مصيرها واقتصادها.

هذا النمط من الحراكات السياسية ستدفع الشعوب العربية مع الوقت للتحول لمصدر الشرعية ومصدر السلطة السياسية في بلادها.

العالم العربي تغير والتغير ليس ممكنا بلا مفاصل تاريخية صعبة وممرات دقيقة شائكة.

* د. شفيق ناظم الغبرا أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

الأردن إطار التغيير العربي الأرستقراطية الجديدة إصلاحات سياسية تحول ديمقراطي اقتصاد تنموي القيادات الفاعلة النخب الحاكمة محمد كوثراني