«الأزهر» يؤسس «فرقة موسيقية» مختلطة تثير جدلا واسعا

الأحد 10 يونيو 2018 02:06 ص

شكلت مؤسسة الأزهر في مصر، جوقة موسيقية، في تحرك غير مسبوق نحو مزيد من التسامح مع الموسيقى والغناء.

جاءت هذه الخطوة لتثير الجدل بين علماء المؤسسة الدينية الأبرز في مصر والعالم الإسلامي، حيث رآه البعض «مسيئا لمكانته عند المسلمين، ورضوخا لابتزاز مهاجميه»، بينما قال آخرون إن ذلك «لا يتعارض مع منهج الأزهر ورسالته الوسطية».

الجوقة الموسيقية تضم 8 إناث يلبسن ملابس محتشمة ويضعن غطاء الرأس، و8 رجال يلبسون البدلات الفاخرة وربطات العنق، وتتراوح أعمارهم بين 19 و23 عاما، ويترأسها «حسن فكري»، وهو من كبار الموسيقيين في مصر، الذي يقود فرقة الأوبرا الموسيقية.

وعملت الجامعة على اختيار 16 طالباً وطالبة من أصل 600 متقدم، حيث تعاون مع «فكري» أساتذة موسيقى لتدريب الفريق بصورة مهنية وتمثيل الأزهر في المسابقات الفنية، بينما تشرف عليهم الأستاذة بكلية التربية الموسيقية بجامعة حلوان «نهلة بكير».

والفرقة تؤدي أغاني «أم كلثوم» و«عبدالحليم حافظ»، وحتى أغاني المغنية المشهورة «شادية» وكذلك أغاني كلاسيكية.

ونقلت صحف محلية، عن عضوة بالفريق قولها، إن «الأزهر لم يضع أي شروط للأغاني التي سيغنيها الفريق»، لافتة إلى أنهم يغنون أغان أيضا لـ«فايزة أحمد» و«محمد عبدالوهاب» و«سيد درويش».

من جانبه، قال وكيل الأزهر «عباس شومان»، إن «الأزهر لا يعارض الفن والإبداع، وهو على اتصال مع مشاكل المجتمع والشعب».

واعترف «شومان»، بتعرض الفريق للانتقادات كون الغناء قد يكون «مهيناً بالمكانة الدينية التي يشكلها الأزهر»، إلا أنه أضاف: «الفكرة لاقت استحسان الكثيرين لاحقاً».

ولم ير عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر «محمد عبدالعاطي»، مانعا من تشكيل الفريق للتعبير عن المعاني الرفيعة وتقدم البديل الجيد بلا ابتذال أو إسفاف.

وشدد على أن الإسلام لا يحارب الفن والذوق الرفيع، وأنه يمكن للفن أن يتناغم مع الجهود الفكرية والعلمية والثقافية للأزهر، على حد تعبيره.

وقدم الفريق في 28 أبريل/نيسان الماضي، بمهرجان «الفنون والإبداع» الذي نظمته جامعة الأزهر، عرضاً موسيقياً في مركز المؤتمرات، أمام نخبة من الشخصيات البارزة في الجامعة.

وجاء هذا المهرجان بعد النجاح الذي حققته الفرقة في ظهورها الأول عام 2012 في مسابقة «إبداع»، التي أقامتها وزارة الشباب والرياضة المصرية لطلاب الجامعات المصرية، وفوز الفرقة المذكورة بالمركز الثاني.

سابقة

أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر «رمضان خميس»، رأى في هذه الخطوة «سابقة خطيرة» لم يأت بمثلها أي من القائمين على الأزهر قبل ذلك.

وأضاف: «لو تم مثلها في عهود أئمته السابقين لتبرأوا من الأمر ومن داعميه، إن لم يضربوا على أيديهم ويمنعوهم من ذلك».

ولفت إلى أن «تبني الأزهر للمنهج الوسطي أمر لا خلاف حوله، ولا يحتاج إلى مثل هذه الخطوات غير المدروسة لتأكيده»، مشددا على أن ذلك «يأتي في سياق التردي الذي لا يعرف الثبات والتوقف، وأن متهمي الأزهر بالتطرف والتشدد لن يرضيهم إلا الاستمرار في مسلسل التنازلات غير المنضبطة».

وأبدى «خميس» تخوفه من أن يؤدي هذا التوجه إلى افتقاد الأزهر قيمته ومكانته التي يستمدها لدى المسلمين من حمايته للدين ورعايته لقضاياه، معتبرا انشغال القائمين عليه بمثل ذلك فيه إضاعة وتفريط بتاريخ الأزهر ومنزلته المتقدمة في نفوس المسلمين.

مكانة وهوية

من جهته، قال مستشار وزير الأوقاف السابق «محمد الصغير»، إن مكانة الأزهر تتذبذب عند قطاع من المسلمين بسبب بعض العلماء المنتسبين إليه الذين يحرصون على التغريد في سرب السلطة ويتجاوبون مع أي توجيه أو سياسة يفرضها النظام عليهم.

وأضاف أن «الإقدام على تكوين فرقة للغناء مختلطة بين الطلبة والطالبات، هدفه هدم أحد ركائز الأزهر المتمثلة في الفصل بين طلابه وطالباته، وإزالة الحاجز النفسي أمام هذا الأمر، والتمهيد لفرض الاختلاط عبر هذه الخطوة التي تهدف لجس النبض والتهيئة لإقرار ذلك في العملية الدراسية».

واعتبر مستشار وزير الأوقاف السابق أن ذلك يأتي في سياق «تغيير هوية الأزهر وسلخه من تاريخه، وإظهاره في صورة المتناقض بين فعالياته ومناهجه المستهدفة»، والتي، تم تقليصها وحذف أكثر من 60% من المناهج الشرعية واللغوية التي كانت تحتويها في المرحلة الماضية.

رضوخ وابتزاز

بدوره، اعتبر أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله «حاتم عبدالعظيم»، أن تكوين هذا الفريق هو نتاج «رضوخ لابتزاز تعرض له الأزهر على مدار العامين الأخيرين، لكنه لن يخفف حدة الحملة التي تستهدف تفكيك الأزهر وتفريغه من أي مضمون فكري، كما يظن أصحاب التوجه الداعمين للأمر».

وذهب إلى أن هذه الخطوة تنال من سمعة الأزهر، والتمادي فيها يضر بمكانته، لأنه مؤسسة علم ودعوة، بينما الأنشطة الفنية لها مؤسساتها وميادينها المختلفة، مؤكدا أنه على القائمين على الأزهر التمسك بوظيفته الرسالية فى إعداد أجيال من العلماء والدعاة المعبرين عن صحيح الإسلام وتبنى قضايا الأمة.

دعوة للتريث

صحيفة «هآرتس» العبرية، علقت على الفرقة الجدية بالقول: «الأزهر الغارق في معركة العلاقات المتوترة مع الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي تلقى وابلاً من الانتقادات لأنه غير مستعد للتقدم مع الزمن، يثبت أن بامكانه اتخاذ قرارات من شأنها التأثير ليس فقط على ما يحدث في مصر، بل أيضاً في دول إسلامية أخرى ترى في هذه المؤسسة الدينية نموذجاً للمحاكاة وهيئة شرعية عليا».

وقال المحلل الإسرائيلي «تسفي برئيل»، إن «استعداد الأزهر لتخصيص قاعة خاصة لتدريبات الفرقة وتمويل الجانب اللوجيستي الذي يضم تشغيلاً فخرياً، توضح أن الأمر لا يتعلق بتصريح غامض، بل برسالة تحذير».

وأضاف: «الآن بقي علينا الانتظار للخطوات المقبلة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي يواصل تقليص تأثير فقهاء الشريعة في مملكته، والخطوات التي سيقوم بها (الرئيس عبدالفتاح) السيسي، الذي يعتبر نضاله ضد التطرف الديني مكوناً هاماً في النضال ضد الإرهاب من أجل أن نفهم في ما إذا كان الأمر يتعلق بمنحى أو فقط بخطوات رمزية هامشية».

  كلمات مفتاحية

الأزهر فرقة موسيقية فلسطينية فرقة مختلطة ابتزاز السيسي بن سلمان تطور سابقة