التشيّع في اليمن يخترق الجميع: ديناً وسياسة ومنفعة

الاثنين 18 يونيو 2018 02:06 ص

شهدت اليمن خلال السنوات الثمان الأخيرة تحولات متعددّة الجوانب ومختلفة المظاهر؛ لعلّ من بينها عودة بزوغ نجم “الزيدية” التي تُعتبر الحاضنة الرئيسية لجماعة أنصار الله "الحوثيون"، وما رافق  ذلك من جدل كبير حول ما أُثير عن حالة التشيّع في البلاد، وسط تضارب في الرؤى وتراشُقات واتهامات للزيدية، بالتحول نحو الاثني عشرية واصطفافها خلف الحوثيين.

تُثار هُنا عديد التساؤلات؛ حول ماهية “الزيدية”؟ وعلاقتها بجماعة أنصار الله؟ وعن حقيقة تعرض المذهب الزيدي للاختراق؟ 

تاريخياً؛ ُنسب الزيدية إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. ارتبط دخولها إلى اليمن أواخر القرن الثالث الهجري باسم الإمام يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي المعروف بـ “الهادي”، الذي أتخذ من صعدة معقلاً له. وعلى الرغم من أن توصيف “الزيدية” يشتمل على11 طائفة (القاسمية، السالمية، المطرفية، الصالحية، المؤيدية، البترية، الناصرية، الجارودية، السليمانية، الهادوية)، إلا انه لم يتبق منها سوى”الهادوية” التي توصف بالوسطية والاعتدال.

يتركز انتشار المذهب الزيدي في شمال البلاد (صعدة، عمران، ذمار، صنعاء، حجة). ووفقاً لبعض التقديرات، فهو يشكل ما بين 35-40 % من اجمالي سكان الشمال. مثلّ قيام ثورة 26 أيلول/ سبتمبر 1962 نهاية لقرابة 1100 عام من حُكم الزيدية في اليمن، تقلص نفوذها وأصبحت في أضعف حالاتها.

وشهدت معاقلها اختراق من قبل التيارات السُنية؛ كالسلفية الوهابية، وحركة الإخوان المسلمين، بجناحها السياسي المتمثل  بحزب التجمع اليمني للإصلاح، كان ذلك من خلال عشرات المراكز العلمية والدينية التي انتشرت في قلب المناطق الزيدية، أبرزها مركز (دار الحديث) السلفي الذي أسسه الشيخ مقبل الوادعي في منطقة دماج بصعدة عام 1979 بعد عودته من السعودية.

اليوم؛ يشهد اليمن الكثير من الجدل، حول نجاح المذهب الشيعي الاثني عشري في إيجاد موطئ قدم له في البلاد. ووفقاً لخصوم الزيدية؛ اتجه المئات من قادة العمل الزيدي وعوامهم نحو المذهب الاثني عشري في تحول أصبح واضحاً في العمل الزيدي؛ من خلال إحياء المناسبات الدينية للطائفة الشيعية مثل يوم الغدير وذكرى عاشوراء، وإقامة المجالس الحسينية.

يضاف إلى ذلك، إدارة مراكز ومدارس ومساجد للترويج للمذهب الاثني عشري، ومنها: (بدر العلمي، الجامعي الكبير، النهرين، دار العلوم العلياء، بصنعاء، وجامع الهادي بصعدة، وجامع الإمام القاسم بعمران).

 

الزيدية.. ترد

في المقابل؛ تنفي قيادات زيدية تلك الاتهامات وتعتبرها من قبيل المُكايدات وتعمُد الإساءة للزيدية؛ فإحياء ذكرى عاشوراء، بنظرهم يأتي باعتبارها “حادثة مُلهمة لدروس يُستفاد منها في الواقع كمنهج بأن الدم ينتصر على السيف، بعيداً عن اللطم والشجب والبُكاء الذي يحصل في أماكن خارج اليمن”.

على الأرض؛ استطاع المذهب الشيعي في نسخته “الاثني عشرية”، تسجيل أول تواجد له في اليمن. ووفقاً للمعطيات المتوّفرة؛ فإن هذا التشيّع لم يكن على حساب الزيدية فقط؛ بل هناك تشيّع من جانب السُنة أيضاً؛ فالكثير من الذين دخلوا إلى التشيّع الإثني عشري هم من عوام الزيدية والمذهب السني، وإن كانت بنسب متفاوتة. ففي العاصمة صنعاء – وحدها – ما يُقارب 40 حُسينية يرتادُها الطرفين.

لكن، ما مدى تأثير هذا التواجد؟ وهل حالة التشيّع في مُجملها دينية؟ بناءًا على بعض القراءات في الداخل اليمني؛ لا يوجد  تأثير مُباشر لذلك على الواقع المعاش اليوم، لكن تلك القراءات لا تستبعد حدوث تأثيرات على المدى الطويل كون نشاط تلك المجموعات لا يزال في الظل. كما أن جزءاً من حالات التشيّع هو تشيّع سياسي أكثر منه ديني. مع تسجيل وجود “التشيّع” لأسباب نفعية أيضاً.

 

الزيدية والعلاقة مع أنصار الله

من زاوية أخرى، هناك علامة استفهام كبيرة تُحيط  بجماعة أنصار الله، ما هيتها؟ علاقتها بالزيدية؟، والأسباب التي تدفع الأخيرة إلى الاصطفاف خلف “الحوثيين“.

توصف جماعة أنصار الله بأنها حركة سياسية دينية اتخذت من صعدة (شمال اليمن) مركزاً رئيسياً لها. وقد عُرفت باسم ”الحوثيين” نسبة إلى مؤسسها حسين بدر الدين الحوثي. ووفقاً للجماعة؛ فإن الحركة ولدت من عُمق الزيدية، تترّفع عن المذهبية والطائفية، فهي تضم (شيعة وسنة).

في عام 1992، قام حسين بدر الدين الحوثي – بدعم من والده – بتشكيل حركة (الشباب المؤمن) التي نادت  باتباع المذهب الزيدي ورفع المظلومية عنهم. وفي عام 2002 بدأت الحركة في ترديد شعارها الشهير المعادي لأمريكا وإسرائيل، لتدخل في 6 حروب مع الحكومة اليمنية (2004-2010)، أدت احداها إلى مقتل مؤسسها حسين بدر الدين الحوثي عام 2004.

وفي 2006، تولى عبد الملك الحوثي قيادة الحركة التي شهدت في هذه المرحلة تحولها من (الشباب المؤمن) إلى (أنصار الله) ليسطع نجمها في 2011، بعد اشتراكها في الاحتجاجات المطالبة برحيل الرئيس السابق علي عبدالله صالح.

يرى الكثير من قادة الزيدية في جماعة أنصار الله فرصة تاريخية لردّ الاعتبار للزيدية، وذلك بعد سنوات من التهميش والإقصاء. ولهذا؛ تقدم جماعة الحوثي نفسها بأنها حركة زيدية إحيائية. كما عمل الانتماء التاريخي للعديد من القبائل اليمنية للمذهب الزيدي، في تسهيل مهمة الجماعة لكسب ولاءات القبائل.

يضاف لذلك، التباينات الحادة التي انتابت القوى السياسية، وتبدل خارطة تحالفاتها، لا سيما بعد ثورة فبراير 2011 التي كان لها أثر كبير في دعم نفوذ جماعة الحوثي، خاصة بعد نجاحها في التخلص من المكون العسكري والقبلي لتيارات السلفية الوهابية وحزب الإصلاح.

الزاوية الجديرة بالاهتمام في التحالف الزيدي الذي جمع علي عبدالله صالح ممثلاً للقبيلة مع “الحوثيين”، وهو ما مكن جماعة أنصار الله من التوغل داخل القبيلة والنجاح في استقطاب شيوخها. وما تلى ذلك من حرص الجماعة على تشكيل “مجلس حُكماء اليمن” الذي ضم شيوخ وزعماء القبائل بعيداً عن أي اعتبارات مذهبية.

على أي حال؛ تطرح الإحداث المتسارعة التي تشهدها اليمن اليوم بأن البلاد مُقبلة على العديد من الملفات والمتغيرات الشائكة؛ ولن تكون حركة التشيّع  بعيدة عنها.

* محمد شرف صحافي يمني

المصدر | محمد شرف | البيت الخليجي للدراسات والنشر

  كلمات مفتاحية

اليمن التشيع الزيدية الاثنى عشرية حركة