تحليل: لماذا تخاف السعودية من إيران؟

الثلاثاء 19 يونيو 2018 04:06 ص

منذ عام 1979، اتخذت المملكة العربية السعودية خط المواجهة ضد إيران الراديكالية والعسكرية والتوسعية التي تستغل حرمان الشيعة من السلطة، وفراغ السلطة المحلية، والشبكة الواسعة والمتنامية من الوكلاء الجيدين والمدربين تدريبا جيدا لتصدير ثورتها الإسلامية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ومن المنظور السعودي، تكافح المملكة ضد ثورة ثيوقراطية إيرانية عابرة للحدود الوطنية، خاصة بعدما عززت طهران قوتها بعد حرب العراق عام 2003، ولاحقا بعد فك الارتباط الأمريكي مع المنطقة.

المملكة في المنظور الإيراني

ونجد أن عداء الجمهورية الإسلامية تجاه السعودية مدفوع بعوامل تاريخية وأيديولوجية وجيوسياسية. وفي وقت مبكر من عام 1943، نشر روح الله «الخميني» أول نص سياسي أثار الجدل له بعنوان «كشف النقاب عن الأسرار»، والذي سعى إلى تشويه سمعة خصومه الشيعة في إيران، عبر مقارنتهم برعاة الإبل في الرياض.

وظلت خصومة «الخميني» تجاه المملكة ثابتة طوال حياته. وفي أعقاب قيام المتظاهرين الشيعة المدعومين من إيران بشن مواجهة ضد قوات الأمن في المملكة خلال موسم الحج عام 1987، وصف السعوديين بأنهم «عصابة من المهرطقين»، وأنهم «خناجر طعنت ظهور المسلمين من الخلف دوما». وبعد ذلك بعامين، كانت وصية «الخميني» الأخيرة وشهادته، التي قرأها بصوت عالٍ إلى مجلس الخبراء الإيراني على لسان خليفته المختار، آية الله «علي خامنئي»، وثيقة تأكيد على «عدم شرعية» الدمى السعودية في يد الولايات المتحدة، الذين «يحاربون القرآن والدين وينشرون الخرافة الوهابية».

وتعد وجهة نظر «الخميني» راسخة في ذاكرة طبقة رجال الدين الإيرانيين. وبالنسبة للثيروقراطيين أكثر من السياسيين العاديين، فإن الذاكرة التاريخية تشكل الهويات والطموحات. وبالنسبة إلى الملالي الإيرانيين، فإن المملكة العربية السعودية هي المظهر الحديث للقوى الوهابية نفسها التي هاجمت مرارا، في أوائل القرن التاسع عشر، المدن الشيعية المقدسة في النجف وكربلاء، ودمرت أضرحة الإمامين علي والحسين، وقتلت الآلاف من الشيعة. وبالتالي، بالنسبة للطبقة الدينية الإيرانية، فإن وجود الدولة السعودية الحديثة يعتبر إهانة للمثالية الخمينية.

وكما أن الدين يدعم الأساس الأيديولوجي للجمهورية الإسلامية، فإن رجال الدين في إيران أيضا يطمحون إلى المهدي المنتظر، الذي ينتظرون أن يعزز شرعيتهم، بالإضافة إلى تعزيز رؤية الخميني لحكومة دينية شيعية عابرة للحدود. وكما يلاحظ الخبير بالشؤون الإيرانية «فالي نصر»، فإن «الخميني» ينظر إلى «السيطرة على المملكة كخطوة مهمة نحو هدفه المتمثل في قيادة العالم الإسلامي لنفسه ومنهجه ودولته».

كما كان لدى الإيرانيين تاريخيا تطلعات باتجاه البحرين. وعلى الرغم من أن الشاه قد أسقط مطالبة إيران بالجزيرة بعد استقلال البحرين، فقد استغل «الخميني» وخلفاؤه آمال بعض الشيعة البحرينيين والسعوديين الذين يرغبون في توحيد المملكة البحرينية والمقاطعة الشرقية الغنية بالنفط في شرق شيعي واحد. وكان الصحفيون المقربون من المرشد الأعلى يزعمون أن «البحرين جزء من تراب إيران»، وأن «المطلب الرئيسي للشعب البحريني اليوم هو إعادة هذه المحافظة إيران إلى والدتها الإسلامية إيران». وبعد 4 أعوام، لم تخفِ طهران دعمها للتمرد الشيعي في البحرين، الذي سعى للإطاحة بحكام البلاد السنة.

مخاوف السعودية

وقد تفاقم القلق السعودي بعد أن دمر الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 الدولة العربية الوحيدة التي تقيد طموحات إيران الإقليمية. وبعد مرور 5 أعوام، انتخب الشعب الأمريكي الذي عانى من الحروب «باراك أوباما»، جزئيا بسبب تعهده بتقليص البصمة العسكرية الأمريكية الخارجية. وقد سمح الانسحاب اللاحق للقوات الأمريكية من العراق، إلى جانب تركيز إدارة «أوباما» على الاتفاق النووي الإيراني، لطهران بتسريع وتيرة توسعها الإقليمي دون ضوابط. ولقد اتخذ الرئيس «ترامب» موقفا أكثر تشددا ضد إيران من سلفه، ولكنه رغم ذلك أشار إلى أنه سيواصل تقليص الالتزامات الإقليمية للولايات المتحدة، مما وسع من فراغ السلطة الذي استخدمته إيران بالفعل لتعزيز الحلفاء القدماء وإنشاء وكلاء جدد.

ومنذ الأيام الأولى للجمهورية الإسلامية، عملت إيران بجد لتطوير هذه القوات بالوكالة (المليشيات المسلحة الموالية للخمينية) لتوسيع نفوذها في العالم العربي. وقد راقب السعوديون إنشاء هذه الميليشيات واحدة تلو الأخرى، بينما استولت هذه القوات بالوكالة على الدول الجارة للمملكة، «حزب الله» في لبنان، ووحدات الحشد الشعبي في العراق، وإيران و«حزب الله» والميليشيات الشيعية متعددة الجنسيات في سوريا. وفي أعقاب احتلال المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران عام 2014 لعاصمة اليمن، تفاخر «علي رضا زاكاني»، أحد المقربين من المرشد الأعلى، بأن «3٣ عواصم عربية (بيروت، ودمشق، وبغداد) قد سقطت بالفعل في أيدي إيران، وأنها تنتمي إلى ثورة إيران الإسلامية، وأن صنعاء هي العاصمة الرابعة».

وبالنسبة للرياض، كان الاختراق الإيراني في اليمن، وهي الدولة التي وصفها نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق «خوان زاراتي» بـ«البطن الناعمة» في الجزيرة العربية، هو القشة الأخيرة التي قصمت ظهر البعير. ولقد حاربت السعودية بالفعل ميليشيات الحوثي حتى وصل الأمر إلى طريق مسدود عامي 2009-2010. وكان «الحوثيين» خصما هائلا في ذلك الوقت دون أي دعم خارجي؛ فإلى أي حد تصبح قوتهم مع الأسلحة الإيرانية والتدريبات على يد «حزب الله»؟ وقد شكلت الميليشيا اللبنانية، التي تتجاوز قدراتها معظم الجيوش العربية أهم أداة لترسيخ القوة الإقليمية في إيران، ومثلت مع وحدات «الحشد الشعبي» في العراق والميليشيات الشيعية في سوريا قوات قتال مميتة، تزامنا مع تحول الحوثيين إلى «حزب الله» جديد على الحدود الجنوبية للمملكة. وقد قرر قادة المملكة العمل لاستباق هذه النتيجة.

وربما يقلل النقاد من المخاوف السعودية بشأن التوسعية الإيرانية، متهمين السعوديين بأنهم «يرون إيراني وراء كل شجرة»، لكن قادة المملكة، بعد أن راقبوا إيران بحذر شديد، كانوا يرون بلدا يعاني اقتصادها من حالة من الفوضى، فقد فقدَ الريال الإيراني أكثر من ثلث قيمته العام الماضي وحده بعد أن عانت آلاف القتلى والجرحى في ساحات المعارك في سوريا ولبنان والعراق، ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه التكاليف المتزايدة، تواصل توجيه مواردها المتضائلة بعيدا عن التنمية المحلية نحو تعزيز السلطة الخارجية.

وقد أدلى الشعب الإيراني بالملاحظات نفسها حول أولويات حكومته. ولقد اشتعلت احتجاجات إيران الجارية، التي بدأت في نهاية عام 2017، بفعل مطالب مواطنيها بأن تتوقف طهران عن تمويل المغامرات الأجنبية والتركيز على تلبية احتياجات شعبها الأساسية. ولسوء الحظ، لا يظهر قادة إيران أي علامات على الانحناء لهذا الضغط العلني. وإلى أن يفعلوا ذلك، فإن المملكة العربية السعودية سوف تستمر في رؤية نفسها كآخر لبنة في «الجدار العربي» الذي يمنع منطقة الخليج من السقوط تماما تحت السيادة الإيرانية الثورية.

المصدر | علي الشهابي - كلية لندن للاقتصاد

  كلمات مفتاحية

الميليشيات الشيعية حزب الله الصراع السني الشيعي الحوثيين إيران