«جيوبوليتيكال فيوتشرز»: ماذا تعني الانتخابات المبكرة للاقتصاد التركي؟

الأربعاء 20 يونيو 2018 12:06 م

لا يعد اقتصاد تركيا قويا كما يبدو. وقد أصدرت دائرة الإحصاءات الوطنية التركية مؤخرا بيانات تظهر نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7.4% في الربع الأول من العام، ومع ذلك، فإن هذا الرقم خادع؛ فهو في حد ذاته يتجاهل حقيقة أن النمو كان يغذيه الدين، ومعظمه جاء من المقرضين الأجانب، ولا يُعد النمو الممول من طرفٍ آخر قوة، بل نقطة ضعف.

وتستمر الحكومة في أنقرة في الإنفاق، ويستمر مع ذلك نمو العجز الحكومي في الأعوام الأخيرة، ويرجع ذلك جزئيا إلى الإنفاق الدفاعي الكبير والتحفيز الاقتصادي كما أنفقت الحكومة الكثير من الأموال على البنية التحتية، وخصصت أموالا لتوفير ضمانات ائتمانية لمقرضي القطاع الخاص، مما أدى إلى مضاعفة كمية الأموال التي تنفقها الحكومة لتشجيع نمو الائتمان. ولكن عندما لا تملك الحكومة عائدات كافية لتغطية الإنفاق، يتم تمويل الإنفاق بالديون. وليس لدى تركيا الكثير ليساعدها في جذب المدخرات، لذلك ليس لديها رأس مال كبير للإقراض، ولذلك، فإنها تعتمد بشكل متزايد على الدين الخارجي المقوم بالعملات الأجنبية. ويتمثل الخطر في ذلك في صعوبة سداد الديون عندما تنخفض قيمة الليرة التركية نسبة إلى هذه العملات الأجنبية، وهذا بالضبط ما كان يحدث على مدى الأشهر القليلة الماضية.

وتعد إحدى الطرق لتخفيف الاعتماد على الديون الخارجية هي توفير رأس مال محلي يكفي للبنوك من أجل إقراض المزيد، وكان الهدف من رفع أسعار الفائدة إغراء المدخرين الذين يرون فرصة كسب عائد أعلى على مدخراتهم، لكن الجانب السلبي هو أن الناس يميلون إلى الاقتراض بشكل أقل عندما تكون معدلات الفائدة مرتفعة.

معضلة سعر الفائدة

وحتى الآن، عارض الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» بشدة رفع أسعار الفائدة. فهو يخشى من أن يضر ذلك بالاقتصاد، ويخسر القادة عادة المنافسة على إعادة الانتخاب عندما تكون الاقتصادات ضعيفة. ومع ذلك، اضطر في النهاية إلى الإذعان بعدما تراجعت الليرة، الأمر الذي يهدد بزيادة تكلفة خدمة الدين الخارجي للبلاد بشكل جذري. وقد ارتفع سعر الفائدة بشكل قياسي في تركيا بنسبة 5% منذ أبريل/نيسان، ليصل إلى 17.75%. وقد تسبب الخوف من التضخم والإفلاس المالي في تخويف رأس المال الأجنبي، مما زاد من انخفاض الطلب على الليرة، وبالتالي قيمتها. أضف إلى ذلك أن الواردات أصبحت أكثر تكلفة، وخاصة النفط، في الوقت الذي تعتمد فيه تركيا على الواردات بشكل شبه كامل. وكان من الواضح أن «أردوغان» لم يعد يستطيع مواصلة الضغط على البنك المركزي التركي للحفاظ على أسعار الفائدة منخفضة.

الانتخابات والاقتصاد

وفي نفس الوقت الذي بدأ البنك المركزي فيه في رفع أسعار الفائدة، أعلن «أردوغان» إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، والتي ستعقد في 24 يونيو/حزيران الجاري. ولم يكن إعلانه مجرد مصادفة. وتضطر تركيا لرفع أسعار الفائدة لمواجهة هروب رأس المال وتفادي تباطؤ النمو الاقتصادي، أو كليهما. ويدرك «أردوغان» أن فرصه في إعادة الانتخاب ستهبط مع تباطؤ النمو الاقتصادي، وأن احتمال حدوث ذلك خلال العام المقبل أكبر بكثير مما هو عليه الآن، لذا فقد وضع ذلك في الاعتبار عندما تم التخطيط للانتخابات في الأصل.

ويحتاج «أردوغان» للحفاظ على مظاهر الحياة الطبيعية. ومن هنا جاء إعلانه في مايو/أيار عن حزمة إنفاق جديدة تبلغ قيمتها نحو 6 مليارات دولار من شأنها توفير أموال إضافية لـ13 مليون من أصحاب المعاشات التركية. وبالطبع، سيتم صرف الأموال في الأسبوع الذي يسبق انتخابات 24 يونيو/حزيران. ومن المحتمل أن تؤدي هذه الخطوة إلى زيادة هامشية في الإنفاق الاستهلاكي، ولكن من الصعب ألا نرى ذلك كخطوة مستميتة لتحسين الوضع قبل الانتخابات. وفي الوقت الحالي، تتوقع شركة «جيزيسي»، وهي شركة استطلاع، أن «أردوغان» لن يحصل على الأغلبية المطلوبة للنجاح من الجولة الأولى. وفي عام 2014، فاز «أردوغان» بتلك الأغلبية، وإن كان بفارق ضئيل، وهو الآن في وضع أضعف، وهو يعرف ذلك.

وسوف يواجه الفائز نفس التحديات ننفس الوسائل المحدودة للوفاء بها. وستظل تركيا تعاني من الاختلالات الهيكلية التي أجبرتها على تحمل الكثير من الديون الخارجية في المقام الأول. وتحتاج البلاد إلى تنفيذ إصلاحات اقتصادية من شأنها أن تثبط النمو بالضرورة. وقد اعترف «أردوغان» بهذا الوضع، قائلا: «سيتم اتخاذ تدابير صارمة لمكافحة التضخم فورا بعد انتخابات 24 يونيو/حزيران». وبالطبع، من الأسهل بكثير اتخاذ قرارات صعبة بعد الفوز في الانتخابات أكثر من الوقت الذي يسبقها.

لكن ذلك لن يكون القرار الاقتصادي المؤلم الوحيد الذي سيتعين على الرئيس اتخاذه. فللحد من عجز الموازنة وتضخم ميزان الدين الخارجي، ستحتاج الحكومة إلى خفض الإنفاق. ويعد أحد الخيارات هو خفض الحافز الاقتصادي والإنفاق الاجتماعي، وهو أمر لن يحظى بشعبية بين الناخبين. وهناك خيار آخر يتمثل في تخفيض الإنفاق على الدفاع، بنفس حجم العجز الحكومي الكلي، لكن هذا أيضا لن يحدث على الأرجح. فلدى تركيا حاجة متنامية، لا متناقصة، لإثبات النفوذ والهيمنة خارج حدودها، ولا يمكنها فعل ذلك بدون وجود جيش قوي. ولهذه الغاية، تعمل الحكومة التركية على تطوير صناعة أسلحة خاصة بها، مما يلغي الحاجة إلى الشراء من بلدان أخرى بعملة مقومة بأقل من قيمتها.

ولن تكون تركيا قادرة على مواجهة التحديات الأمنية على حدودها الجنوبية إذا خفضت الإنفاق. وتعد مناطق شمال سوريا والعراق موطنا لمناطق كردية شبه مستقلة يمكن أن توفر ملاذا للجماعات الانفصالية الكردية التي تعتبرها أنقرة مجموعات إرهابية، وهي أيضا مناطق اكتسبت فيها إيران، وهي منافس إقليمي، المزيد من الأراضي. ولدى تركيا حاجة متزايدة إلى جيش أكثر تنوعا يمكن نشره إقليميا في عمليات هجومية لتحييد التهديدات وفرض السيطرة على الأراضي خارج تركيا.

وتتطلب التحديات الصعبة اتخاذ قرارات صعبة، وإذا كنت سياسيا، فمن الأفضل دائما اتخاذ القرارات الصعبة بعد إجراء الانتخابات. وتدل الدعوة إلى انتخابات مبكرة على أن «أردوغان» يرى ذلك بوضوح، ويهدف إلى ضمان بقاء سلطته تبعا لذلك.

  كلمات مفتاحية

الاقتصاد التركي الانتخابات التركية المبكرة الليرة التركية

«أردوغان»: ائتلاف برلماني إذا لم يحصد «العدالة والتنمية» الأغلبية