لماذا سمحت السعودية للنساء بالقيادة واتهمت الداعيات للخطوة بـ«الخيانة»؟

الخميس 21 يونيو 2018 12:06 م

ترفع السعودية، الأحد المقبل، الحظر الذي فرضته منذ عقود على قيادة النساء للسيارات.

لكن -منذ أسابيع قليلة- أعلن النائب العام السعودي اعتقال 17 شخصا بدعوى «تقويض أمن المملكة»، وهي خطوة استهدفت أنصار ونصيرات حقوق المرأة البارزات.

ومنذ ذلك الحين، أطلقت وسائل الإعلام المرتبطة بالدولة حملة قوية تصور الناشطات المعتقلات على أنهن «خونة وعملاء لجهات أجنبية يعملن على زعزعة استقرار المملكة».

وليس من غير المألوف أن تستخدم الأنظمة الاستبدادية لغة التهديدات الخارجية، الحقيقية أو المتصورة، كذريعة للهجوم على الناشطين والناشطات.

ومع ذلك، وبالنظر إلى التخفيف الكبير لبعض القيود المفروضة على المرأة بالمملكة في الآونة الأخيرة، يبرز السؤال حول لماذا تنخرط الدولة في مثل هذا السلوك الآن؟

حسنا، تلعب المرأة دورا خاصا في فكرة البناء السعودي الذي تم تأسيسه بعناية، ولدى الدولة الكثير من الاهتمام بالمحافظة على الوضع الراهن.

حملة القمع على النسويات السعوديات

ومن بين المعتقلين الـ17، تم إطلاق سراح 5 نساء و3 رجال حتى اكتمال التحقيقات، بينما ظل الباقون قيد الاعتقال.

ومن بين المعتقلين -منذ 15 مايو/أيار الماضي- «لجين الهذلول»، وهي نسوية بارزة تم احتجازها سابقا لمدة 73 يوما عام 2014، بعد محاولة قيادة سيارة من الإمارات إلى السعودية، و«عزيزة اليوسف»، وهي مناصرة حقوق المرأة، و«إيمان النفجان»، المدونة الشهيرة في «سعودي وومان»، التي شاركت في حملة رفع الحظر عن قيادة النساء.

ومنذ منتصف 2016، قامت جميع هؤلاء النساء بحملة لإنهاء نظام الولاية، الذي يضع قانونيا كل امرأة سعودية تحت سلطة قريب من الرجال.

وتعتبر موافقة ولي الأمر ضرورية للزواج والحصول على جواز سفر والدراسة أو السفر إلى الخارج.

ويبدو أن الأشخاص المقبوض عليهم كانوا يتعاونون لإنشاء منظمة تدعى «أمينة»، لتوفير الرعاية والحماية للناجيات من العنف المنزلي، وقدموا في الآونة الأخيرة طلبا إلى الحكومة للموافقة على الجمعية.

ورغم صدور قانون مجتمع مدني طال انتظاره أواخر 2015 بتنظيم الجمعيات، فإن هذا الجهد الجماعي ربما لم يتم النظر إليه من قبل السلطات.

ومع ذلك، لا يزال السؤال مطروحا حول لماذا لجأت السلطات إلى التسمية والفضح، ووصف الموقوفين على أنهم خونة؟، وكيف أصبح كون المرء ناشطا نسويا مرتبطا بعدم الولاء للأمة؟

بالنظر إلى التوتر الأوسع نطاقا بين القومية والنسوية قد يساعد ذلك في الإجابة عن هذه الأسئلة في الحالة السعودية وخارجها.

النسوية والقومية.. تحالف غير مستقر

تعد القومية مفهوما متعدد الأوجه، قد يعزز في الوقت نفسه المبادئ التحررية والقمعية.

وأشار العديد من علماء حقوق المرأة إلى أن تركيز القومية على تماسك المجموعة، سواء على أساس العرق أو الهوية الدينية أو الجنس، يخلق ذلك بطبيعته توترا مع الأفكار والمثل العليا المتساوية التي غالبا ما تدمج في الحركة النسوية.

ويجادل كتاب علمي آخر بأن الدول القومية الحديثة ذات «جندرة» عميقة (الجندرة لفظ حديث يرتبط بالدعوة لمساواة الجنسين واحترام الحرية الجنسية بما في ذلك الشذوذ)، رغم وجود افتراضات وممارسات أبوية مندرجة داخل القومية.

وفي العديد من دول الشرق الأوسط لا تستطيع النساء نقل الجنسية إلى أطفالهن أو أزواجهن غير المواطنين.

وفي الوقت نفسه، وصف آخرون بشكل حاسم كيف يمكن للمشاريع القومية أن تصور النساء على أنهن منتجات بيولوجيات (مصدر للنسل) للأمة، أو ناقلات للثقافة الوطنية، أو رموزا للاختلاف الوطني، أو مشاركات في النضال القومي.

وتستخدم الخطابات القومية في كثير من الأحيان تشبيه الدولة بالعائلة، لتعزيز الانطباع بأن الدولة أمر طبيعي مثل الأسرة؛ مما يعزز التسلسل الهرمي الاجتماعي القائم على أساس خضوع المرأة.

وتصبح النساء رمزا للهوية الوطنية الأصيلة التي يجب دعمها أو حمايتها.

وبهذه الطريقة، تحتفظ القومية باحتكار السلطة لتحديد الرمز الذي تشكله المرأة.

المرأة وصياغة القومية السعودية

وفي السعودية، يعود تصوير المرأة باعتبارها حامية السلامة الأخلاقية للأمة، ورمز التزام الأمة بالإسلام، ومصدر النسل من الأجيال الوليدة المستقبلية، إلى تأسيس المملكة عام 1932.

ومنذ ذلك الحين، تم تشكيل الأدوار التقليدية للمرأة لتعكس هذه المثل العليا.

وكما هو الحال مع معظم المشاريع القومية، أصبح تخصيص النساء بالحديث أو القوانين أو الإجراءات سمة أساسية في صياغة القومية السعودية، من خلال الفصل بين الجنسين، والاعتماد على الأوصياء الذكور.

ومع ذلك، فقد كان هذا التشكيل بالكاد ثابتا أو راسخا.

ومنذ أواخر الخمسينات، برزت النساء في قضايا رئيسية مثل التعليم العام للفتيات، والقيادة النسائية، ووجود المرأة في المجال العام، ونظام الوصاية الذكوري.

استخدام الخطاب القومي الأبوي

ومن خلال مقاومتهن، تشكل المدافعات عن حقوق المرأة السعودية تحديا للسرد السائد للقومية؛ لذلك اعتبرتها الدولة مضايقات خطيرة أو خيانة للأمة.

وتم إجبار الناشطات النسويات مرارا على الدفاع عن أنفسهن ضد مثل هذه الاتهامات بعدم الولاء.

وأصبح استخدام الخطاب القومي الأبوي مريحا بشكل خاص خلال الأوقات المثيرة للنزاع، مثل الاستيلاء على المسجد الحرام عام 1979، أو مظاهرة النساء لأجل القيادة عام 1990؛ حيث ألقت الحكومة القبض على المتورطين والمتورطات وصورتهم على أنهم دعاة للرذائل الغربية.

وتم استخدام أساليب مشابهة الشهر الماضي، لتصوير النسويات باعتبارهن خونة وعميلات لقوى أجنبية.

وفي 3 يونيو/حزيران، نشرت صحيفة «الجزيرة» السعودية مقالا في الصفحة الأولى بعنوان: «لا نامت أعين الخونة».

بينما استخدمت صحيفة «عكاظ» السعودية مصطلحات وطنية مماثلة، وتوقعت أن تصل مدة السجن إلى 20 عاما بالنسبة للمتهمين والمتهمات.

وعلى وسائل التواصل الاجتماعية، تم إطلاق وسم (هاشتاج) #Agents_of_the_embassies (عملاء السفارات)، لإظهار الدعم العام لعمليات الاعتقال و«للدفاع عن» المملكة ضد فيضان بلغ نحو 300 ألف وسم زعمت المملكة أنها استهدفتها في الأشهر الـ 15 الماضية.

كيف تشكل السياسة الخارجية النسوية المحلية؟

حدث كل هذا في حالة من اشتعال المشاعر القومية في السعودية.

وبعد التدخل السعودي في اليمن، تم تأطير القومية الجديدة «الحاسمة» للدولة كضرورة وليس خيارا.

وإضافة إلى ذلك، فإن الخلاف الدبلوماسي الجاري مع قطر أطلق موجة غير مسبوقة من الدعم القومي.

ومن خلال الدعوة للدفاع عن الوطن، يمكن للخطاب القومي الأبوي الاستفادة من المشاعر القومية.

ويزيد كل هذا من تكلفة استمرار الحركة النسوية في المملكة؛ خاصة لأن الحركة النسوية غالبا ما تنطوي على تشكيل تحالفات ودمجها في شبكات وأنشطة التضامن الدولية المتنوعة.

لذلك، فمن المفارقات، أن أحد السمات الرئيسية للنشاط النسوي، وهو دوره العابر للحدود، نجح في تشويه سمعة النسويات السعوديات في الأشهر الأخيرة.

وعلى الرغم من أن مشاريع الإصلاح القومي الحالية قد يبدو أنها تعود بالفائدة على جميع السعوديات، إلا أن النساء ما زلن يتم تصويرهن كمجرد موضوعات لجهود التمكين من أعلى إلى أسفل، ومجرد متلقين سلبيين للمراسيم الحكومية، وليس جهات ضغط فاعلة.

المصدر | واشنطن بوست

  كلمات مفتاحية

السعودية المرأة السعوية قيادة المرأة للسيارة