المراقد الدينية بالعراق تستعيد تنوعها الطائفي

الخميس 21 يونيو 2018 12:06 م

بملامح مطمئنة أنهت «أم صهيب»، وهي امرأة سُنية، صلاتها في مرقد ديني تاريخي للإمام «موسى الكاظم» (أحد الأئمة الشيعة)، وسط العاصمة العراقية بغداد، بعد سنوات من انقطاعها عن القيام بذلك، جراء التوتر الطائفي الذي مزق البلاد لسنوات طويلة.

في السنوات السابقة ومنذ عام 2006 تحديدا، لم تكن هذه المرأة تفكر مجرد التفكير في التواجد في مثل هذا المكان، وقتها كانت التوترات الطائفية في أوجها، وتمعن ميليشيات طائفية من الطرفين (السنة والشيعة) في القتل على الهوية، بغض النظر عن جنس الضحية أو عمرها أو حتى سنها في بعض الأحيان.

تقول «أم صهيب»: «في السنوات السابقة توقفت عن المجيء وممارسة طقوسي المعتادة المتمثلة بالصلاة هنا وقراءة القرآن خاصة في شهر رمضان».

وعللت سبب ذلك بالقول: «كنت أخشى إن صليت وأنا قابضة اليدين، أن يعتقدوا أنني أستفزهم أو أتحداهم أو قد يساء الظن بي بشكل أو آخر».

وكانت المرأة السنية تشير إلى طريقة أداء السنة للصلاة عبر قبض اليدين، أي وضع اليد اليمنى على اليسرى، خلال وضعية الوقوف، في حين تكون اليدان متدليتان خلال الصلاة عند الشيعة.

ولم تعد تشعر بنظرات الريبة في محيطها الشيعي وهي تؤدي صلاتها في الضريح الذي يقصده ملايين الشيعة سنويا من داخل العراق وخارجه.

وتقول: «بدأت أتردد على هذا المكان مجددا منذ عام تقريبا، وأنا أعلم تماما أن تلك السنوات (الاقتتال الطائفي) ولت ولن تعود، بل على العكس لم أعد أرى نظرات الاستهجان أو الريبة من طريقة صلاتي هنا، وأشعر أنني محل ترحيب».

وكان لهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» أواخر العام الماضي، الأثر الكبير في تخفيف حدة الاحتقان الطائفي في العراق بين السنة والشيعة.

وسيطر «الدولة الإسلامية»، الذي يصف نفسه «المدافع عن السُنة في وجه ظلم الشيعة» على ثلث مساحة العراق صيف 2014، وعمد إلى إعدام الشيعة في تلك المناطق، بينهم 1700 عسكري في قاعدة عسكرية بمحافظة صلاح الدين (شمال)، الأمر الذي فاقم من الانقسام الطائفي في البلد.

وقبل ذلك بسنوات، وتحديدا بين عامي 2006 و2008، وصلت أعمال العنف الطائفية إلى ذروتها، خاصة في العاصمة بغداد، حيث قتل آلاف العراقيين على الهوية الطائفية على يد ميليشات شيعية وسنية.

كان «أبوكرار»، وهو شيعي، أحد الذين دفعوا ضريبة أعمال العنف الطائفي غاليا بفقدانه أحد أبنائه، بعدما اختطفه مجهولون قبل أن يعثر على جثته ملقاة أمام مرقد الشيخ «عبدالقادر الكيلاني» الذي يتوافد عليه السنة، في حي باب الشيخ ذات الغالبية السنية بالشطر الشرقي من بغداد.

لم يكن من السهل على «أبوكرار» نسيان ذلك، لكنه يقف اليوم في مرقد الشيخ «عبدالقادر كيلاني»، الذي وجد أمامه جثة ولده قبل أكثر من عشر سنوات، وهو يتضرع إلى الله ويمارس طقوسه في مكان يعج بالسُنة.

ويقول الرجل الشيعي: «في هذا الحي في العاصمة قتل ولدي.. اختطف من أمام منزلنا جنوبي بغداد ووجدناه بعد ثلاثة أيام هنا (أمام مرقد الشيخ عبدالقادر كيلاني)».

ويكمل قائلا: «ابتعدت سنوات طويلة عن هذا المرقد بسبب مخاوفي وحالتي النفسية التي كانت تتأزم كلما مررت من هنا، لكن الآن تجاوزت ذلك، وأنا آتي للصلاة هنا كما أذهب لأي مرقد آخر في العراق».

المراقد دفعت الثمن

وخلال ذروة الاقتتال الطائفي، نالت المراقد الدينية نصيبها من أعمال العنف الطائفي، والقتل على الهوية.

فمنها انطلقت شرارة الحرب الطائفية في العراق عندما فجر مجهولون مرقد الإمامين العسكريين المقدس لدى الشيعة في مدينة سامراء شمالي البلاد، في 22 من فبراير/شباط 2006 وهو ما أسفر عن تدمير جزء كبير منه.

وفي الجانب الآخر، تعرض مرقد الشيخ «عبدالقادر كيلاني» ببغداد إلى تفجير بسيارة مفخخة أدى إلى مقتل وإصابة العشرات، فضلا عن تعرض المرقد لأضرار بليغة.

عودة لخطاب التسامح

استعادة المراقد الدينية في العراق لروادها من مختلف الطوائف لم يأت بصورة عفوية أو بين ليلة وضحاها دون عمل حثيث بذله رجال دين معتدلون سعوا لإزالة الحواجز التي وضعها آخرون كانوا يستخدمون الخطاب الطائفي لتحقيق مكاسب سياسية، وهو ما يؤكده رئيس مركز الفكر للحوار (مستقل) «مجيد العقابي».

ويقول «العقابي»: إن «الخطاب الديني بعد الاحتلال الأمريكي للعراق (2003) كان طائفيا بامتياز وسعى إلى صبغ ديمغرافية بعض مناطق العراق، بمذهبية بحتة، وهو ما سعى إليه أيضا تنظيم داعش».

ويتابع، «بدأ الناس (الآن) يشعرون بالأمان، وعزز ذلك خطابات التسامح التي أطلقها رجال الدين المعتدلون في المراقد المختلفة السنية والشيعية وبدأوا باستقطاب أبناء الطوائف والأديان المختلفة».

ويختتم رئيس مركز الفكر للحوار حديثه بالقول: «استطعنا تسييج هذه الفتن وتقنينها إلى حد كبير».

زيارة المراقد كرحلات ترفيهية

ويرتاد العراقيون بكثرة المراقد والمزارات الدينية المنتشرة في أرجاء البلاد والتي تخص مختلف الطوائف والأديان، ليس للتعبد والتصوف فقط، وإنما للترفيه عن النفس بصحبة العائلة أو الأصدقاء وحتى مع المجموعات السياحية، عبر زيارة المراقد والتجول في الأسواق المحيطة بها.

وتعودت «أم شيلان» الخروج مع صديقاتها أو عائلتها لزيارة المراقد الدينية في المحافظات الأخرى خارج بغداد بشكل منتظم.

وتقول: «نذهب باستمرار إلى مراقدنا المقدسة الشيعية والسُنية في محافظات مختلفة منها النجف وكربلاء (جنوب) وسامراء (التابعة لمحافظة صلاح الدين شمال)، ونقوم بتنظيم رحلات جميلة إلى هناك، ومعنا نساء مسيحيات ومسلمات… نقوم بذلك أسبوعيا أحيانا. وبالطبع في المناسبات والأعياد لابد من الزيارة».

وتواصل قولها: «هذه العادات توارثناها منذ زمن ودأبنا عليها ولا فرق لدينا بين إمام سُني وشيعي، كلهم مسلمون بل إن رحلاتنا تشمل في كثير من الأحيان زيارة لمراقد تعود لأنبياء ما قبل الإسلام».

وتختتم حديثها: «ابتعدنا عن تلك الطقوس بعض السنوات القليلة بسبب الوضع الأمني الاستثنائي ليس إلا».

المصدر | الأناضول

  كلمات مفتاحية

العراق مراقد دينية عنف طائفي الدولة الإسلامية تفجيرات سنة شيعة قتل على الهوية