«إيكونوميست»: التحولات في السعودية ستغير الخليج والعالم العربي

الجمعة 22 يونيو 2018 03:06 ص

قبل عدة أعوام، استحوذت صور «أروى النعيمي»، التي كانت ضمن سعوديات يستمتعن بوقتهن في مدينة ملاهي، على انتباه «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»

وعلى لعبة «السفينة الخشبية»، التي تتحرك يمينا وشمالا، كان النساء في الثياب السوداء والرجال في الثياب البيضاء، يجلسون في نهايات متقابلة، عندما بدأوا في رمي أرقام الهواتف لبعضهم البعض، قبل أن يقوم المسؤولون عن السفينة بإقامة فاصل بلاستيكي غير شفاف لمنع الرجال من النظر إلى النساء.

ثم فجأة، اختفت «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، العام الماضي، ولم يعد للهيئة سلطة فرض الأخلاق العامة.

وفي هذه الأيام، تهتم الدولة السعودية بالترويج للمتعة والترفيه؛ حيث الحفلات الموسيقية، وعروض الأزياء، والعروض الفنية والمسرحية والرياضية.

وتحولت سلسلة القواعد الاجتماعية إلى الاتجاه المعاكس، وبات يُسمع إلى جانب أذان الصلاة أصوات غير مألوفة من الضحك.

وتظهر صور «النعيمي»، أيضا، المتعة والتحدي لدى النساء اللواتي يركبن السيارات الكهربائية في المهرجانات، لكن في 24 يونيو/حزيران الجاري، سيتم السماح لهن أخيرا بالإمساك بعجلة القيادة على الطرق السعودية.

وستستغني الأسر عن السائقين، وتذهب الأمهات لاصطحاب أطفالهن من المدارس بأنفسهن، وستصبر «النعيمي» لبعض الوقت حتى تتباطأ معدلات تقدم النساء بطلب الدروس في القيادة، وحتى تنخفض الكلفة.

ولا يزال أمام المرأة السعودية طريق طويل؛ فهي لا تزال تخضع للولاية القانونية من قبل الأزواج أو الأقارب الذكور الذين يجب عليهم، على سبيل المثال، منحهم الإذن بالسفر.

لكن المملكة أصبحت أخف قيودا وذلك في محاولة لإعادة تشكيل المجتمع السعودي بعيدا عن القوانين الإسلامية الصارمة، وتنويع اقتصادها بعيدا عن الاعتماد على النفط.

وتعد المملكة أكبر مصدر للنفط في العالم، وموطن أقدس الأماكن الإسلامية؛ لذا فإن نجاح أو فشل الإصلاحات سيؤثر على بقية العالم، بدءا بـ«مجلس التعاون الخليجي»، وهي هيئة إقليمية تشمل أيضا البحرين والكويت وعمان وقطر والإمارات.

وكما قال أحد المسؤولين السعوديين: «أينما تذهب السعودية، يتبعها مجلس التعاون الخليجي، وأينما يذهب مجلس التعاون الخليجي، يتبعه العالم العربي، وأينما يذهب العالم العربي، فإن العالم الإسلامي يتبعه».

وتم افتتاح أول سينما عامة في السعودية منذ عام 1979، في أبريل/نيسان الماضي، أمام الجمهور المتحمس، في افتتاح لم يسبق له مثيل في الرياض، في محطة مترو صممتها الراحلة «زها حديد»، المهندسة المعمارية العراقية الأصل.

وكانت العروض الأولية لأفلام من الأبطال الخارقين، مثل «النمر الأسود» و«المنتقمون: حرب اللانهاية».

لكن الجانب الأكثر إثارة للاهتمام هو حقيقة أن الرجال والنساء تم السماح لهم بالجلوس معا.

فيلم خاص

وقد يعتقد السعوديون أنهم في فيلم خيالي خاص بهم، والبطل الأبرز في هذا الفيلم هو «محمد بن سلمان»، ولي العهد القوي، الذي لا يزال في الـ32 من عمره.

وتقول النعيمي: «لقد دهش الناس بعد التخلي عن القواعد الدينية الصارمة والدفع باتجاه الإسلام المعتدل».

وتقول: «الكثير من الناس قلقون من أن الله سيغضب على البلاد لأن الكثير من الحرام صار مباحا. وأقول لهم، أنتم تذهبون إلى السينما في دبي، فهل الله فقط في السعودية وليس في دبي؟»

ويعبر معظم الشبان السعوديين عن سعادتهم أيضا.

ويجلس مجموعة من الأصدقاء في العشرينات من العمر، في مقهى في مركز تجاري، يبرزون قمصانهم ويلبسون قبعات البيسبول.

ويقولون إنهم قبل عام واجهوا منعا من قبل «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» التي لم تسمح لهم بالدخول. 

ويقول «فهد»: «لقد عاملونا كما لو كنا ذئابا».

ويرد صديقه «أحمد»: «في السابق، كانت العقول منغلقة، والآن هم منفتحون».

لكن رغم ذلك، لم يكن البعض في هذه المجموعة منفتحين للسماح لإخوتهم من النساء للعمل في المكاتب المختلطة.

وقال أحدهم: «أسرنا وقبائلنا يسألوننا: هل أنتم رجال؟».

قبل عامين، عندما طرح إصلاحاته، المعروفة باسم «رؤية 2030»، كان تركيز «بن سلمان» بالكامل تقريبا على إنعاش الاقتصاد؛ حيث انخفضت أسعار النفط بشكل حاد، وأعلن أن حق المرأة في القيادة سيتم تركه للمجتمع ليقرر.

وفي هذه الأيام، تتغير العادات الاجتماعية بسرعة كبيرة؛ بحيث يتساءل البعض عما إذا كان الأمير يسعى في الواقع إلى تحول اجتماعي وديني تحت ستار اقتصادي.

وعلى عكس العديد من أقرانه، لم يتعلم ولي العهد في الغرب.

ويعتبر الأمير نفسه بطلا للشباب (يشكل الشباب أقل من 30 عام غالبية السكان)، وترقى تغييراته إلى ثورة شبابية موجهة من الأعلى إلى الأسفل، من قبل أمير في قصره، وليس من الأسفل إلى الأعلى، من قبل المتظاهرين الغاضبين في الشوارع.

ولقد نجحت دول مجلس التعاون الخليجي في الغالب في تجنب انتفاضات الربيع العربي عام 2011، والفوضى التي تلت ذلك (تم قمع الاضطرابات في البحرين).

وعرف زعماء الخليج منذ فترة طويلة أنهم لا يستطيعون الاعتماد على النفط إلى الأبد، لكنهم كانوا يخشون التغيير.

وعلى الرغم من أنه يُنظر إليه على أنه بطل خارق، إلا أن ولي العهد لديه الكثير من الأمور السلبية بشأنه.

فقد أصبحت البلاد أكثر استبدادية حيث تم سجن النقاد من جميع المشارب.

وتم اعتقال العديد من نشطاء حقوق المرأة في مايو/أيار الماضي، وارتفع عدد عمليات الإعدام بحدة.

وتم نقل مئات من الأمراء والمسؤولين ورجال الأعمال إلى الاحتجاز في فندق «ريتز كارلتون» العام الماضي، وتم إجبارهم على التنازل عن جزء من ثرواتهم في حملة سريالية لـ«مكافحة الفساد».

ويقول أحد رجال الأعمال السعوديين: «الآن، لدينا الحق في الرقص، لكن ليس لدينا الحق في الكلام».

ومع ذلك، فهناك طاقة جديدة في الخليج.

وبالنسبة للأكاديمي السياسي الإماراتي، «عبدالخالق عبدالله»، يعيش العالم العربي ما يسميه بـ«لحظة الخليج»؛حيث انتقلت ممالك النفط في الخليج العربي لتصبح مركز العالم العربي. 

وفي تسجيل صوتي تم تسريبه عام 2015، أشار الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» ومستشاروه للملكيات الخليجية بأنهم «أنصاف دول»، مع الكثير من المال «مثل الأرز».

لكن على الرغم من ازدرائهم، أصبح الحكام المصريون متسولين عند أقدام ملوك وأمراء وسلاطين الخليج.

ولم يحدث من قبل أن مارست دول الخليج مثل هذه السلطة.

ويقول «عبدالله»: «أصغر دولة خليجية بات لديها تأثير أكبر من الدولة العربية الأكبر (يقصد مصر)».

وتمثل دول مجلس التعاون الخليجي نحو 60% من الناتج المحلي الإجمالي للعالم العربي، لكنهم يمثلون 12% فقط من سكانه (أو نصف تلك القيمة، بدون العمال الأجانب).

وتنتج دول المجلس 24% من النفط الخام العالمي.

وأصبحت الرياض مركز الدبلوماسية الإقليمية، وكانت رحلة «دونالد ترامب» الأولى كرئيس لأمريكا إلى قمة العالم الإسلامي التي استضافها الملك «سلمان بن عبدالعزيز» في الرياض.

وأصبحت الدول الخليجية أكبر المشترين للأسلحة، وكانت أكثر استعدادا لاستخدامها في الحرب المثيرة للجدل في اليمن.

وتزدهر الثقافة هناك أيضا حيث اشترت دول الخليج الكثير من وسائل الإعلام العربية، وأطلقت عدة قنوات إخبارية فضائية، أشهرها وأكثرها إثارة للجدل هي «الجزيرة»، ومقرها في قطر. 

ويقع فرع لـ«متحف اللوفر» في قبة جميلة على شاطئ البحر في أبوظبي، وتفتخر الدوحة بواحد من أرقى متاحف الفن الإسلامي، وتقوم بعض أشهر الجامعات العالمية بإنشاء فروع لها في المنطقة.

زوال القوى العربية القديمة

ويؤشر صعود الملكيات الخليجية في جزء منه إلى زوال القوى العربية القديمة؛ حيث دخلت القاهرة حالة من الركود بعد انتفاضة عام 2011، التي أطاحت برجل مصر القوي والمستبد، «حسني مبارك»، وانقلاب عام 2013 الذي جلب استبدادي آخر، وهو «السيسي»، إلى السلطة.

وتكافح دمشق في الحرب الأهلية السورية المرعبة، وقد بدأت بغداد تتعافى للتو من صراعات الخلافة في العراق، ولم تسترد بيروت مكانها منذ الحرب الأهلية اللبنانية بين عامي 1975 و1990.

ومع ذلك، يمكن لدول الخليج أن تتباهى بإنجازاتها الخاصة.

وتقول «سارة الأميري»، وهي وزيرة في الإمارات: «كانت المياه تأتي إلينا صفراء، وكان أبي يرشحها بغطاء رأسه».

لكن الآن، تعد الإمارات نموذجا للنجاح.

ووفقا لمسح الشباب العربي السنوي الذي تصدره «بيرسون مارستيلر»، وهي شركة علاقات عامة، فإن دولة الإمارات هي الدولة التي يرغب معظم العرب في العيش فيها. (الخريطة: عدد السكان ونصيب الفرد من الناتج المحلي)

ومع ذلك، فهناك الكثير من عدم اليقين.

ويتطلب التحول الاجتماعي في السعودية -على وجه الخصوص- التعامل مع التطرف الإسلامي.

وبالتخلي عن حذرها السابق، خاضت المملكة حربا لا يمكن الفوز بها في اليمن، وتسببت في انقسام مجلس التعاون الخليجي في نزاع مع قطر، ولا تزال تأمل في أن تقوم أمريكا بمزيد من الجهود لردع إيران.

وقبل كل شيء، يتعين على دول الخليج التغلب على اعتمادها على النفط المتقلب أسعاره، وإقناع الناس المدللين بالعمل المنتج. ويجب عليهم القيام بكل هذا دون رد فعل عنيف.

المصدر | ذا إيكونوميست

  كلمات مفتاحية

السعودية محمد بن سلمان دول الخليج الإمارات قطر تحول سياسي