«ناشيونال إنترست»: هل تفوز روسيا بمصر كحليف دائم؟

الجمعة 22 يونيو 2018 06:06 ص

في أغسطس/آب عام 2017، استأنفت القوات الأمريكية والمصرية مناورات «النجم الساطع»، بعد توقف دام 8 أعوام بسبب الربيع العربي وغضب الرئيس السابق «باراك أوباما» بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في مصر.

وهذه المناورات هي تدريبات عسكرية تجري كل عامين، تهدف إلى تجسيد التحالف السياسي بين واشنطن والقاهرة والعلاقات القوية بين الجيشين، وتوجت المناورات الأخيرة بشهر عسل جديد في العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر، والذي بدأ بانتخاب الرئيس «دونالد ترامب»، واستمر بزيارة رسمية من «عبدالفتاح السيسي» لواشنطن، وإطلاق سراح الناشطة الأمريكية في مجال إغاثة أطفال الشوارع، «آية حجازي».

لكن هل تدوم العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر؟ وإذا ما تعكرت هذه العلاقات على خلفية العقوبات التي فرضها الكونغرس على مصر بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، فهل يمكن لروسيا أن تتجه أكثر نحو مصر؟ بينما قد لا يمكن تصور ذلك من قبل الدبلوماسيين الذين، على مدى جيل، ترعرعوا على التوجه المصري نحو الغرب كمسلمة من المسلمات، فإن الجواب «للأسف» هو نعم.

التنافس على مصر

وطوال فترة الحرب الباردة، كانت مصر بمثابة الجائزة، ومن الأهمية بمكان بما لا يجعل من الممكن تجاهلها. وعلى سبيل المثال، وقف الرئيس «أيزنهاور» ليس ضد (إسرائيل) فحسب، بل ضد حلف شمال الأطلسي (الناتو) أيضا، وفرنسا وبريطانيا العظمى، بعد أن أطلقوا هجوما مشتركا على مصر لعكس قرار الرئيس المصري «جمال عبدالناصر» بتأميم قناة السويس.

لكن مصر انتقلت مع ذلك إلى المدار السوفييتي، حيث دربت الطيارين المصريين في روسيا، وتوجت ذلك في نهاية المطاف بمعاهدة صداقة تحت قيادة «أنور السادات».

غير أن الدبلوماسية الأمريكية تمكنت من إعادة مصر إلى معسكر أمريكا، حيث ظلت فيه منذ ذلك الوقت، خاصة بعد اتفاق السلام في «كامب ديفيد» بين (إسرائيل) ومصر، والذي أصبح حجر الزاوية في سياسة الأمن الإقليمية الأمريكية.

وفي الوقت الذي يسعى فيه الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» إلى إزاحة النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، وترسيخ مكانة روسيا كقوة عظمى، أصبحت القاهرة هدفا لموسكو على نحو متزايد.

وعلى سبيل المثال، وافق «بوتين» على استئناف الرحلات الجوية الروسية إلى مصر، التي كانت قد تم تعليقها منذ أكثر من عامين بعد هجوم إرهابي أسقط طائرة روسية، مما أسفر عن مقتل أكثر من مائتي سائح روسي على متن الطائرة.

وتأتي هذه الخطوة في الوقت نفسه الذي تجهز فيه لجنة المخصصات التابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي مساعدات بقيمة 300 مليون دولار، لدفع تعويضات مستحقة على مصر مقابل إصابة أمريكية عندما أطلق الجيش المصري النار على مجموعة من السياح بالقرب من الحدود الليبية.

وهذا الأمر مهم، لأن الاقتصاد المصري يعتمد بشكل كبير على السياحة، ولأن روسيا كانت المصدر الأكثر أهمية للسياح إلى مصر لأعوام.

وفي عام 2010، على سبيل المثال، قبل الربيع العربي، جلبت السياحة ما يقرب من 13 مليار دولار للاقتصاد المصري.

ناهيك عن العوائد غير المباشرة التي لا تحصيها الحسابات الرسمية، بما في ذلك الإنفاق في الشوارع، وكل ذلك له تأثير إيجابي كبير على الأسر المصرية.

وتساعد عودة السياح الروس أيضا الزعيم المصري الحالي «عبدالفتاح السيسي» على مقاومة مطالب صندوق النقد الدولي الصارمة بالإصلاحات الاقتصادية في مصر.

بالإضافة إلى ذلك، وبالنسبة لموسكو، فإن الشراكات الاقتصادية لها دوافع خفية، فعلى سبيل المثال، يخدم اتفاق 23 مايو/أيار لإنشاء منطقة تجارة صناعية في بورسعيد المصالح السياسية الروسية ويضع موسكو على حافة قناة السويس.

مصالح مشتركة

علاوة على ذلك، يزرع «بوتين» العلاقات مع مصر بطرق أخرى. ففي ديسمبر/كانون الأول 2017، وافق «بوتين» و«السيسي» على صفقة بقيمة 30 مليار دولار لبناء روسيا محطة للطاقة النووية في مصر، وتجدر الإشارة إلى أنه من المقرر أن يبدأ البناء في الذكرى العاشرة لقرار «أوباما» إلغاء الشراكة النووية الأمريكية المصرية، التي كانت قد بدأت خلال إدارة «جورج بوش».

إلى جانب ذلك، تتطلع القاهرة بشكل متزايد إلى موسكو من أجل التعاون العسكري والأسلحة، التي يصر الجيش المصري على أنها لازمة لمقاومة التمرد المرتبط بتنظيم الدولة الإسلامية في شمال شبه جزيرة سيناء.

وفي حين أن الكونغرس الأمريكي غالبا ما يعقد الأمور بشأن شحنات الأسلحة، بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان، فإن روسيا لا يهمها مثل هذه الأمور.

كما لا يحظر «بوتين» المبيعات لطرف ثالث، وهو ما تسعى مصر إلى تحقيقه، حيث تعمل على دعم الوكلاء في الصراع الليبي الحالي. وأخيرا، أجرى البلدان تدريبات بحرية مشتركة وتمارين عسكرية أوسع، وفي مارس/آذار 2017، نشرت موسكو قوات خاصة لمساعدة مصر على الحدود الليبية.

وفي ظل هذه الخلفية، لا ينبغي لدعم القاهرة لموقف موسكو في سوريا أن يفاجئ أحدا، ولا قرارها برفض طلبات الولايات المتحدة بإرسال قوات مصرية إلى سوريا.

وفي كثير من الأحيان، يرفض المحللون فكرة توافق مصر مع مواقف روسيا، لكن خطأ هذا الرأي يثبت مرة تلو المرة حيث توفر مصر أرضا خصبة لطموحات «بوتين».

وكما أوضح «روبرت راوك»، وهو خبير في شؤون مصر في جامعة «توسون»، والذي درس لعدة أعوام في الجامعة الأمريكية بالقاهرة: «لقد قللت الولايات المتحدة والغرب بشكل عام من شأن الشعور القومي المصري، والمحافظة الاجتماعية والدينية العميقة، ويبدو أن مصر تنوي تنفيذ مسار مستقل بالكامل عن الولايات المتحدة».

علاوة على ذلك، ومع معاناة اقتصاد مصر، ينظر المصريون الأكبر سنا باعتزاز إلى قوتهم الشرائية القوية عندما كانت العلاقات السوفيتية المصرية في أفضل حال.

لقد وضع صناع السياسة الأمريكيون، منذ فترة طويلة، استراتيجيتهم في مصر كما لو كانت القاهرة وواشنطن وحدهما في هذا العالم. وللأسف فهم لا يرون اللعبة أكبر بكثير مما يعتقدون، وللأسف، قد تجد الولايات المتحدة نفسها خاسرة بفقدان أحد حلفائها العرب الرئيسيين في لمح البصر.

المصدر | آنا بورشيفيسكايا - ذا ناشونال انترست

  كلمات مفتاحية

العلاقات المصرية الروسية العلاقات المصرية الأمريكية عبد الفتاح السيسي فلاديمير بوتين

روسيا توافق على معاهدة الشراكة الشاملة مع مصر