5 سنوات من حكم «تميم».. قطر تتجاوز «الأيام الصعبة»

الثلاثاء 26 يونيو 2018 08:06 ص

ولد في 3 يونيو/حزيران 1980، وتولى السلطة في إحدى أصغر دول المنطقة مساحة وأكبرها تأثيرا في 25 يونيو/حزيران 2013، وتعرض لأقسى إعصار كان يراد له أن يطويه ودولته إلى الأبد في 5 من الشهر نفسه ولكن عام 2017.

هكذا تدور حياة أمير قطر «تميم بن حمد آل ثاني» في فلك شهر يونيو/حزيران، الذي يؤذن ببداية الصيف الساخن ووداع الربيع الوردي، لتكون حياته العملية جلها صيف.

خمس سنوات تحل، اليوم الإثنين، على تولي أصغر حاكم عربي السلطة في دولة قطر، بعدما تنازل له الأمير الوالد «حمد بن خليفة آل ثاني» عنها في 25 يونيو/حزيران 2013، في سابقة تاريخية على العرف العربي عامة، والخليجي بشكل خاص، حيث لا يتولى أحدهم السلطة إلا بموت سلفه، وفي الغالب يحرص الجديد على هدم ما بناه القديم، معتبرا إرثه عبئا تاريخيا يجب التخلص منه.

قطر «الصغيرة الكبيرة»

تولى «تميم بن حمد» السلطة في بلد خليجي صغير، لكنه ينمو بشكل كبير، خياراته كانت دائما مثار انتقاد لجيران ينظرون إليه كبلد صغير المساحة وفقط، مستاءين من تعاظم دوره سياسيا واقتصاديا وتمكنه من وضع خيارات لرفاهية شعبه وحفر مكانة دولية استثنائية، وكأن المساحة الصغيرة يجب ألا تنتج سوى دولة خانعة ترى جيدا حدود قوتها المحدودة بالمساحة الضئيلة، ولا تشرأب لتطاول جيرانا يفتخرون بمساحاتهم الشاسعة، وأموالهم التي لا تنتهي كلما أنفقوا منها، أو هكذا يخيل إليهم.

وكأن والده «حمد بن خليفة» يشعر أن السنوات المقبلة تحمل تحديات وأحداث تريد كتفا شابا لحمل الدولة وسط أنوائها، فبعد تولى «تميم» السلطة بخمسة أيام فقط، شهدت مصر حراكا غير وجه المنطقة، وسيناريو انتهى بالإطاحة بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011، في خطوة اتضح أنها كانت عبارة عن سيناريو دولي بأموال خليجية.

انحيازات «تميم»

وجد الأمير الشاب نفسه مطالبا بانحياز سريع، بينما كان لا يزال يدرس أوضاع سلطته الجديدة، ويحسب له هنا أنه لم يتردد عن السير في خط والده، بالانحياز إلى إرادة الشعوب ورفض التدخلات الخارجية في التحكم بالأنظمة والتلاعب بالعملية السياسية والاقتصادية، وهي لعبة أتقنتها دول وممالك تقيس كل شئ بقوة المال ونفوذ المنح، حتى وإن كان المتلقي يأخذها منهم بعين طامعة في أموال مثل «الرز».

العاصفة بدأت سريعا، حيث وجدت قطر نفسها مع «تميم» ضد ما حدث في مصر، لتتوتر العلاقات مع القاهرة، وداعميها الخليجيين في أبوظبي والرياض، لكن الأمور لم تكن قد وصلت من التهور إلى حد إعلان قطع العلاقات والحصار الاقتصادي والسياسي وحتى المجتمعي والإنساني، بأسلوب كان غريبا على السياسة الدولية الحديثة، مستلهما نموذج «شعب أبي طالب» التاريخي.

كعبة المضيوم

«كعبة المضيوم».. هكذا أرادها الأمير الوالد، واستمر الابن على نهج الأب، فظلت قطر على عهدها مؤيدة لتطلعات الشعوب إلى الحرية، واقفة في ظهر المظلومين، علاوة على تطوير الأمير «تميم» استراتيجية إغاثة مناطق الحروب والنزاعات، علاوة على إقرار مبدأ التوسط بين الأطراف المتنازعة لخلق حد أدنى من التوافق يضمن هدوء الأمور ليعيش الناس أيامهم بعيدا عن الدم والجوع، ولو لبرهة من الوقت.

محطات مهمة

وعند الحديث عن السياسة الخارجية لـ«تميم بن حمد» يمكن التوقف عند محطات رئيسية أظهرت أسلوبه في إدارة قطر بشكل مستقل.

أولا: فلسطين

جددت دولة قطر تأكيدها مرارا موقفها الثابت والراسخ في دعم القضية الفلسطينية ونصرة الشعب الفلسطيني حتى ينال جميع حقوقه المشروعة باعتبارها حقوقا أصيلة لا يمكن التهاون أو التقصير في حمايتها وتعزيزها. كما جددت دعمها للجهود الدولية الرامية ألى التوصل لحل عادل ودائم وشامل يُفضي إلى إقامة دولة فلسطين المستقلة القابلة للحياة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف، طبقا لمبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.

في عهد «تميم» أيضا زادت قطر من دعمها لقطاع غزة المحاصر، سياسيا واقتصاديا، وأعلن عن تكفله بتكلفة توليد الكهرباء للقطاع في أكثر من مرة، ودعم المحطة الرئيسية هناك بملايين الدولارات.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2013، وبعد أن تضررت غزة بسبب منخفض جوي عنيف أغرق المنازل ودمر المنشآت، أمر «تميم» بإرسال 10 ملايين دولار على وجه السرعة لشراء وقود لمحطة الكهرباء بالقطاع، علاوة على باخرة وقود تكفي لأربعة أشهر، وتحويل 5 ملايين أخرى كدعم للعائلات المتضررة من المنخفض.

استمرت قطر على هذا المنوال حيال غزة، بالتوازي مع جهد آخر لتثبيت المصالحة الفلسطينية، ففي يناير/كانون الثاني 2016، استضاف الدوحة محادثات بين حركتي «فتح» و«حماس»، بشأن عمل آليات تطبيق المصالحة الوطنية، ومعالجة العقبات التي حالت دون تحقيقها في الفترة الماضية.

أحدث التطورات كانت إعلان قطر رفضها واستنكارها للمذابح الإسرائيلية التي ارتكبتها قوات الاحتلال بحق الفلسطينيين في غزة، خلال نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وما رافقها من احتجاجات فلسطينية قمعتها (إسرائيل) بوحشية أنتجت عشرات الشهداء وآلاف الجرحى.

ودعت قطر إلى إجراء تحقيق دولي فيما حدث، لكن الدعوة ظلت قطرية، دون أن تجد تأييدا من الجيران الخليجيين الذين يحاصرونها، واكتفت بقية الأطراف بالشجب والتنديد.

ثانيا: انقلاب مصر

بعد انقلاب الجيش المصري، بقيادة وزير الدفاع -آنذاك- «عبدالفتاح السيسي» على الرئيس المنتخب «محمد مرسي»، شهدت البلاد حملة قمع عنيفة لأنصاره من جماعة «الإخوان المسلمون»، والمتعاطفين معه، تعززت بمذبحتي رابعة العدوية والنهضة في 14 أغسطس/آب 2013، والتي خلفت مئات القتلى وآلاف الجرحى والمعتقلين.

بادرت قطر برفض الأمر برمته، واعتبرت عزل «مرسي» انقلابا عسكريا في خطابها السياسي والإعلامي عبر قناة «الجزيرة» مما عرضها لسخط «القاهرة الجديدة»، ومعها الرياض وأبوظبي، أكبر داعمين لـ«السيسي» في حراكه، والذين اتضح أن قادتهم كانوا قد اشتركوا حتى في الخطط المتقدمة لسيناريو إسقاط الرئيس المصري المنتخب.

أقدمت قطر على استضافة قيادات وأفراد من جماعة الإخوان والمعارضة المصرية، الذين خرجوا من البلاد تحت وطأة القمع الدموي لنظام «السيسي»، وهو ما زاد من حجم الحنق عليها، وكانت تلك القضية محورية في العلاقة المتوترة بين قطر من جهة، وكل من السعودية والإمارات ومصر، من جهة أخرى.

ثالثا: الحراك الأول ضد قطر

أفرز هذا التعاطي القطري مع الأزمة في مصر زعما تم الترويج له بأن الدوحة تدعم الإرهاب، وظلت هذه الفقاعة تكبر إقليميا، حتى أفرزت حراكا سعوديا إماراتيا بحرينيا أوليا ضد قطر في مارس/آذار 2014 بإعلان سحب سفرائهم من الدوحة، وكانت الأسباب متركزة في موقف قطر من انقلاب يوليو/تموز في مصر، والتعاطي مع جماعة الإخوان، ومنهج قناة «الجزيرة»، واستمرار دعم الربيع العربي.

لم تنته الأزمة إلا في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، حينما أعلنت قطر التزامها ببعض مقررات توصل إليها الجميع في مجلس التعاون الخليجي، تخففت الدوحة على إثرها من تواجد رموز المعارضة المصرية على أراضيها، ورحيل بعض قيادات الإخوان إلى تركيا، علاوة على إغلاق قناة «الجزيرة مباشر مصر».

رابعا: الحصار

في 5 يونيو/حزيران 2017 استيقظ العالم على قرار مفاجئ من السعودية والإمارات والبحرين ومصر بقطع العلاقات مع قطر وإعلان حصار بري وبحري وجوي عليها، ولم يكن باقيا على شهر رمضان إلا أيام قليلة.

أحدث الأمر استغرابا عالميا وصدمة قطرية، رغم أنه كان متوقعا بعد حالة الهيستيريا التي سببها وصول «دونالد ترامب» إلى سدة البيت الأبيض، وفتح السعودية والإمارات خزائنهما أمامه لحصد الضوء الأخضر منه لحراك مختلف وحاسم ضد قطر، وقد كان.

تسبب الحصار في زلزال قطري، احتوته الدوحة بثبات تحسد عليه، حيث نجحت في عام واحد من العبور إلى آفاق جديدة كليا، وتحولت من دولة استهلاكية تعتمد على الغير إلى استراتيجية وطنية للإنتاج، علاوة على فتح منافذ بحرية وجوية جديدة مع دول بالمنطقة، وشراكات كانت أبرزها مع تركيا وإيران مكنتها من مواجهة الحصار بقوة.

وما ساعد «تميم» على المواجهة والنجاح كان سطحية الأسلوب والمعالجة من دول الحصار للأزمة من بدايتها، وهو ما جعل الأطراف الدولية لا تتحمس لمبررات رباعي الحصار، وتبدي تأييدها لموقف الدوحة، بل وتوالت الدعوات من قادة الاتحاد الأوروبي إلى دول الحصار بإنهاء الأمر، وسحب «ترامب» ضوءه الأخضر سريعا منهم بعد فشلهم في إدارة المعركة وإسقاط النظام القطري في أسابيع، كما تعهدوا، وبات الرئيس الأمريكي يرى في التحركات السعودية والإماراتية عبئا وخطرا في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية لواشنطن، حيث حقول الطاقة الهائلة.

وقعت قطر أيضا خلال عام الحصار اتفاقيات لتطوير جيشها وسلاحها مع كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا وتركيا، لتجلب من كل منهم ما تريد بأريحية أثارت مخاوف دول الحصار، ودفعت الرياض إلى التهديد بعمل عسكري ضد الدوحة، في حال امتلاك الأخيرة منظومة «إس-400» الروسية المتطورة للدفاع الجوي، وهو ما كشفت عنه تقارير صحفية فرنسية، مؤخرا. (طالع المزيد)

ومثلت تحركات قطر الدبلوماسية سببا آخر لفشل الحصار، حيث عمقت الدوحة من علاقاتها مع تركيا وإيران والدول الأوروبية، عبر جولات مكوكية لأميرها، ووزير خارجيته، وصولا إلى توقيع اتفاق شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب، كان بمثابة الصدمة الأكبر لدول الحصار، ومنذ ذلك الحين تعكف تلك الدول على البحث عن نقطة لإنهاء ذلك الأمر برمته، دون أن يكلفهم ماء وجوههم، وهو ماء الحياة أمام شعوب شاهدت شراسة غير مسبوقة في التعامل مع الجار القطري، لن يكون إنهاؤها سهلا بعد كل ما حدث.

الآن، باتت قطر داخليا أقوى، بعدما تسبب الحصار في التفاف القطريين والمقيمين حول هدف عدم تمكين المحاصرين من إسقاط الدولة، ودخول البلاد إلى مرحلة الإنتاج الوطني، وتجديد استراتيجيات التنمية في كافة المجالات وفق الأجواء الجديدة، علاوة على تمتين الشراكات الإقليمية والدولية بشكل غير مسبوق، لتتعايش البلاد مع الحصار، بل وتتجاوزه.

قطر من الداخل

وللمفارقة، كانت ذروة النجاح الذي حققه الأمير «تميم» على المستوى الداخلي بعد إعلان الحصار في يونيو/حزيران 2017، حيث صاغ الأمير علاقة من نوع جديد مع الشعب القطري والمقيمين هناك، قامت على الاعتراف بدورهم الرئيسي في تجاوز المحنة، ووضع المقيمين مع المواطنين في كفة واحدة بهذا الإطار، في سابقة تاريخية بدول الخليج.

مهدت هذه الحالة لما أراده «تميم»، وهو خلق جبهة داخلية موحدة لا ثغرات بها، ضد الحصار، وهو ما حدث، فكانت قطر تسير بخطوات داخلية شديدة الثبات، ولم تستطع دول الحصار اللعب على نغمة النفاذ إلى المعارضين والحانقين لإسقاط «تميم»، رغم محاولاتهم المستمرة في هذا الإطار.

لا شك أنها كانت 5 سنوات شديدة الصعوبة على الأمير «تميم بن حمد»، لكنه اجتازها على أية حال، وبأقل الخسائر حتى الآن، ولعل القادم يكون أكثر صعوبة، لكن ممارسة السياسة الصعبة تكسب الخبرة، وتذوق النجاح يزيد الإصرار على المحافظة عليه، فهل ستنجح قطر في اجتياز العقبات المقبلة بنفس الثبات؟

  كلمات مفتاحية

قطر الشيخ «تميم بن حمد آل ثاني» السلطة دول الحصار الازمة الخليجية انقلاب

صورة.. أمير قطر يتابع مباراة روسيا وإسبانيا وبجواره «رونالدو»