الحديدة: المعركة المؤجلة والوضع الإنساني

الثلاثاء 26 يونيو 2018 08:06 ص

أصبحت الحديدة – منذ أسابيع- العنوان الأبرز للمعارك المستمرة في اليمن منذ أكثر من ثلاث سنوات.

وتأتي أهمية الحديدة من كونها الميناء الرئيسي في البلاد وعبر مينائها تدخل حوالي 90 في المئة من المواد التجارية والإغاثية الإنسانية.

قوات الرئيس هادي المعترف به دولياً مدعومة بغطاء جوي لقوات التحالف العربي تريد انتزاع المدينة التي قال تقرير لجنة الخبراء الدوليين حول اليمن، إنها ضمن موارد أخرى تدر على خزينة الحوثي مليارات الدولارات سنوياً.

الحديدة مهمة للحوثيين، فعن طريقها يستطيع الحوثي التحكم في حركة التجارة، ويستطيع أخذ الإتاوات بمبالغ طائلة من جميع التجار الذين تمر تجارتهم عبر هذا الميناء، حتى وإن كانوا في مناطق بعيدة عن سيطرة الحوثيين، أو حتى خارج اليمن، لأنهم يحتاجون الميناء للاستيراد والتصدير، وبالتالي سيظلون تحت رحمة الحوثيين الذين يسيطرون على الميناء.

ثم إن بقاء الحديدة في يد الحوثي يعطيه القدرة على العزف على وتر المعاناة الإنسانية، وجلب المزيد من الضغط لوقف الحرب لصالحه، أو حتى لفرض هدنة تكون بالنسبة له استراحة محارب.

لكن الحكومة تسعى للسيطرة على الميناء لحرمان الحوثي من الإيرادات الضخمة، ومن البكاء على المعاناة الإنسانية، وتوظيفها سياسياً في المحافل الدولية، وتقول الحكومة إن خير وسيلة لمواجهة المأزق الإنساني في الحديدة هو استعادتها من الحوثي، وإشرافها المباشر على الميناء، من أجل ضمان تدفق المعونات الإنسانية، والسلع التجارية بعيداً عن إتاوات الحوثيين، وتحكمهم في مواد الإغاثة الإنسانية.

يبدو أن المجتمع الدولي بات أقرب إلى التسليم بضرورة انتزاع الحديدة من الحوثيين، خاصة بعد استهدافهم للملاحة البحرية في البحر الأحمر، وتزايد إطلاقهم للصواريخ البالستية باتجاه السعودية.

الأمر الذي عزز من حجة التحالف الذي تقوده الرياض في المطالبة بتسليم الحديدة، على اعتبار أن الكثير من السلاح وقطع الصواريخ يتم تهريبها عبر ميناء الحديدة، وأن الحوثيين يستعملون موارد الميناء لاستمرار الحرب.

وقبل عام وبينما كانت القوات الحكومية تستعد لمهاجمة الحوثيين في الحديدة، عرضت الحكومة والتحالف العربي على الأمم المتحدة الإشراف على الميناء، كحل وسط بين استمرارية سيطرة الحوثيين عليه، ومحاولات القوات الحكومية انتزاعه، لكن الأمم المتحدة رفضت المقترح بحجة أنها لا تملك الإمكانات اللوجستية والأمنية والإدارية الكافية لإدارة الميناء. بعدها تعالت الأصوات الدولية المطالبة بوقف معركة الحديدة وهو ما كان.

واليوم وبعد تقدم القوات الحكومية وسيطرتها على مطار الحديدة، تتعالى الأصوات مجدداً لوقف العمليات العسكرية، وبالذريعة نفسها التي تتحدث عن المعاناة الإنسانية.

ولأهمية الحديدة، نذكر أن مجلس الأمن الدولي انعقد ثلاث مرات خلال أيام معدودة لمناقشة وضع المدينة ومحاولات تجنيبها ويلات الحرب، حسب بيانات المجلس، وهو الأمر الذي رأى فيه الجانب الحكومي محاولات من بعض الأطراف لإنقاذ الحوثي بعد سيطرة القوات الحكومية على المطار.

والأسبوع الماضي قدم المبعوث الدولي إلى اليمن مارتن غريفيث في ما أسماها «مهمة خاصة» تركزت حول إقناع الحوثيين بتسليم الميناء سلمياً، ورغم أن غريفيث مكث في صنعاء منذ السبت قبل الماضي إلى الأربعاء، إلا أنه فشل في إقناع الحوثيين بذلك.

وهو ما أكده القيادي الحوثي علي القحوم الذي أكد فشل مهمة غريفيث إلى صنعاء. وبذا يبدو أن التحالف العربي والقوات الحكومية ماضون هذه المرة للضغط على الحوثيين للتخلي عن الميناء، خاصة بعد أن منح الحوثيون الحكومة والتحالف فرصة تعليل المعركة بتعنتهم ورفضهم للحلول والمقترحات الدولية.

بعد السيطرة على مطار المدينة انكفأ الحوثيون إلى داخلها وبدؤوا عمليات قطع الشوارع وكثفوا من زراعة الألغام، وحفر الخنادق استعداداً لما قال عنه أحد قيادييهم «حرب شوارع طويلة الأمد»، فيما استقدم التحالف والجيش المزيد من التعزيزات العسكرية إلى الحديدة.

وصرح مسؤول عسكري يمني أن قواته تعد العدة لاقتحام المدينة وطرد الحوثيين منها، رغم أن زعيم الحوثيين قال الأربعاء إن جماعته وافقت على دور أممي في الحديدة، وهي الموافقة التي تقول الحكومة عنها إنها تكتيكية لغرض وقف معركة الحديدة، لأن الحوثي- حسب الجانب الحكومي- لم يف بأي من تعهداته السابقة.

ومع إصرار الحكومة والتحالف على انتزاع ميناء الحديدة، وإصرار الحوثيين على التمسك بها، يبدو أن قدرها أن تواجه المزيد من المعاناة مع بدء نزوح حوالي آلاف الأسر من المدينة التي يقطنها أكثر من نصف مليون إنسان.

* د. محمد جميح كاتب وأكاديمي يمني

المصدر | محمد جميح - القدس العربي

  كلمات مفتاحية

اليمن معركة الحديدة الحوثيون القوات الحكومية السعودية الإمارات «حرب شوارع» التحالف العربي المعاناة الإنسانية محمد كوثراني