المجالس المحلية بمصر.. عليها يتكئ النظام ولها مآرب أخرى

الأربعاء 27 يونيو 2018 02:06 ص

10 سنوات مرت دون انتخابات محلية (بلديات) في مصر، رغم وعود متكررة منذ 2016 من الحكومة والرئاسة بإجرائها، قبل أن يعلن البرلمان أن قانون الإدارة المحلية سيخرج للنور قريبا، تمهيدا للاستحقاق الغائب منذ 2008.

في ذلك العام شُكلت آخر مجالس محلية منتخبة في مصر، واستحوذ عليها آنذاك «الحزب الوطني» الحاكم (تم حله عقب ثورة 2011) بواقع 90%، حصد 70% منها بالتزكية. ومثل نسبة الـ10% الأخرى مستقلون وأحزاب سياسية، منها «الوفد» (ليبرالي)، و«التجمع» (يساري)، عبر تفاهمات مع الحزب الحاكم.

وفي 2011، صدر حكم قضائي بحل تلك المجالس، ومنذ ذلك الحين تعاني المحافظات حالة فراغ في ما يتعلق بالجوانب الرقابية وتنفيذ خطط التنمية. وتقسم مصر ـوفقا للدستورـ إلى وحدات إدارية تتمتع بالشخصية الاعتبارية، وهي المحافظات الـ(27)، ويضم كل منها مدنا وقرى. وتتولى وحدات الإدارة المحلية في ضوء الخطة العامة للدولة، إنشاء وإدارة جميع المرافق العامة الواقعة في دائرتها.

ووعد رئيس مجلس النواب (البرلمان) علي عبدالعال في تصريحات صحفية، بإجراء انتخابات المحليات قبل نهاية العام الجاري، وشدد على أن الشباب سيكون لهم دور كبير فيها.

وبينما تترقب الأحزاب صدور القانون لإجراء الانتخابات، يرى أكاديمي مصري أن الشارع المصري غائب عن تلك الأجواء، ويفتقد الحماسة تجاه أي انتخابات، في ظل عدم تأثير المجالس المحلية سابقا بشكل إيجابي على أحوالهم.

ويرى باحث في قضايا التنمية أن النظام حريص على إجراء الانتخابات بشكل عاجل، كون المجالس المحلية هي حلقة الوصل الأقرب للمواطن، وقادرة على تخفيف الضغط على السلطة المركزية، في ظل أوضاع اقتصادية صعبة، فيما يدعو وزير أسبق إلى وجود أجهزة رقابية إدارية داخلية لإبعاد شبهة «الفساد» عن المجالس المحلية، حيث اتسمت بها سابقا.

وخلال أكثر من عام، أبرزت تقارير إعلامية محلية نشاط أحزاب، منها «الوفد» و«المصريين الأحرار» (ليبرالي)، و«المصري الديمقراطي» (يسار وسط)، و«النور» (سلفي)، وقائمة «دعم مصر» المؤيدة للنظام، للاستعداد للانتخابات المحلية عبر دورات تثقفية.

كما يدرب المجلس القومي للمرأة (حكومي) كوادره ويجهزهن لخوض الانتخابات، التي اعتبرتها رئيسة المجلس مايا مرسي مهمة لإثبات قدرة المرأة على المنافسة وإدارة الأمور، بعد تحديد الدستور نسبة 25% من المقاعد للمرأة.

غياب الحماسة

يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي بمصر سعيد صادق، أن «البداية كانت خاطئة.. كان المفروض أن تكون الانتخابات المحلية هي أول انتخابات عقب ثورة 2011»، كونها «أكثر تأثيرا في الشارع، وبدأ نجاح غالبية الدول، ومنها تركيا، من المحليات». ويتابع «صادق»، أن «الانتخابات المحلية هي أول ديمقراطية على مستوى الشارع، وتضمن تنفيذ المخططات التنموية داخل المحافظات، وتفعيل دور المجتمعات المدنية، حيث تتولى مسؤولية الرقابة على المجالس التنفيذية، وهي حلقة وصل بين المواطن والحكومة».

لكنه يقلل من أهميتها لدى الشارع المصري حاليا، «خاصة في ظل عدم التوعية بها، وكذلك إجراء انتخابات برلمانية سابقة لم تحقق للشعب المرجو منها، بل وافق البرلمان على ضرائب وزيادات في الأسعار، وربما يتم تأجيل الانتخابات لغياب الحماسة لدى المواطنين».

ويرى «صادق» أن الانتخابات المحلية «ستؤدي أكثر من غرض، منها الصورة العامة أمام العالم، وتفعيل الأكاديمية الرئاسية لتأهيل القادة (أنشأها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نهاية 2016 لتأهيل وتدريب الشباب)». ويرى أنها «لن تشهد تغييرا في المشهد السياسي لطبيعة القوى السياسية في المجتمع، التي تسيطر عليها الدولة العميقة، في ظل أحزاب ونقابات عمالية ضعيفة». ويدعو «صادق» إلى «سن تشريعات قوية تساند نواب المحليات لتحقيق نهضة حقيقية وإحداث طفرة فيها كونها أولى خطوات نجاح الدول».

تركيبة جديدة متفقا مع «صادق» يرى «ولاء جاد الكريم»، الباحث في قضايا التنمية المحلية ومدير مؤسسة «شركاء من أجل الشفافية» (خاصة)، أنه «كان من الأفضل أن نبدأ من الأسفل إلى الأعلى». ويوضح: «فالانتخابات المحلية مهمة جدا، كونها تملك صلاحيات محورية يكفلها الدستور في الرقابة على أداء السلطة التنفيذية وإقرار السياسات العامة المحلية وإقرار الموازنات، كما أنها تساعد على إعداد قواعد شعبية لمؤسسات الدولة يتوكأ عليها».

ويضيف أن «الانتخابات ستسفر عن تركيبة جديدة للمجالس المحلية وفق الدستور، الذي يضمن وجود 50 من الشباب والنساء (مناصفة)، بينما كان تمثيل المرأة في آخر انتخابات 4% والشباب 7%، فيما ستكون للوجوه القديمة نسبة الـ50% المتبقية على أساس وضعهم القبلي والعائلي».

ويرى أن «شباب أكاديمية الرئاسة يمكن أن يمثلوا (في المجالس المحلية)، لكن يتم إعدادهم بالأساس لمناصب تنفيذية كمساعدين للوزراء نواب للمحافظين». ويعتبر أن «الانتخابات ستكون داعمة للنظام (الحاكم)، لوجود مشاكل كبيرة مرتبطة بعمليات الإصلاح الاقتصادي والخدمات العامة».

ويتابع: «بالتالي يحتاج (النظام) جهازا محليا قريبا من الناس يستطيع مساعدة الدولة في الوفاء باحتياجاتهم ومتطلباتهم، والمجالس المحلية قادرة على تخفيف الضغط على السلطة المركزية، وسد حلقة كبيرة مفرغة».

عصب الدولة

فيما يرى وزير التنمية المحلية الأسبق، «محمد عطية»، أن «المحليات هي عصب إدارة الدولة، فالمجالس المحلية هي التي تراقب أداء رؤساء وحدات الإدارات المحلية، وهي فرصة جيدة لممارسة الشباب الحياة السياسية». ويضيف، أن «الواقع يشير إلى أن الدولة تحارب الفساد، وهو ما لاحظناه مؤخرا من جانب (هيئة) الرقابة الإدارية (حكومية)، وإجراء الانتخابات سيكون له أثر إيجابي علي مكافحة الفساد المستشري بها، كون المجالس المحلية جهة رقابية».

ويشدد «عطية» على أن «المحليات تحتاج إلى أجهزة رقابية إدارية داخلية حتى نبعد عن شبهة الفساد التي اتسمت بها (المجالس المحلية) سابقا». وحول إمكانية تأجيل الانتخابات، يرى أنه «حال إقرار البرلمان للقانون فإنه سينص على موعد إجراء الانتخابات وكيفيتها».

ويحدد القانون طريقة الاقتراع في المجالس المحلية، سواء بنظام القوائم أو الفردي أو المختلط، والأخير جرت على أساسه انتخابات مجلس النواب (البرلمان). ووفق الدستور يجب إجراء اقتراع المحليات قبل نهاية العام المقبل، وتتولى الهيئة العليا للانتخابات الإشراف عليها.

المصدر | الأناضول

  كلمات مفتاحية

المجالس المحلية فساد أحزاب البرلمان النظام الرقابة الإدارية الإدارة مجلس محلي