«فورين بوليسي»: طرح «صفقة القرن» الآن سيكون «خطأ فادحا»

الخميس 28 يونيو 2018 12:06 م

بعد أن عقد الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» اجتماعا رفيع المستوى مع القائد الكوري الشمالي «كيم يونغ أون» في سنغافورة، في وقت سابق من هذا الشهر، قد يحول اهتمامه بعد ذلك إلى ما أسماه «صفقة القرن»، وهي خطة أمريكية جديدة للسلام الإسرائيلي الفلسطيني.

وقام «جاريد كوشنر»، المستشار الأول لـ«ترامب» وزوج ابنته، و«جيسون غرينبلات»، مبعوث السلام في الشرق الأوسط، بزيارة إلى الشرق الأوسط الأسبوع الماضي لعرض أفكار الخطة واستكشاف طرق معالجة الوضع الإنساني في غزة.

وفي مقابلة واسعة النطاق مع صحيفة فلسطينية في نهاية الرحلة، وعد «كوشنر» بأن تكون الخطة جاهزة قريبا، في حين انتقد بشدة الرئيس الفلسطيني «محمود عباس»، ولمح إلى هدنة محتملة بين «حماس» و(إسرائيل).

الخطة ستزيد الأمور سوءا

وسيكون وضع خطة سلام أمريكية جديدة في هذه اللحظة خطأ فادحا، من شأنه أن يزيد الأمور سوءا.

ويجب على البيت الأبيض بدلا من ذلك تأجيل أي خطة سلام قيد التنفيذ، والتركيز على استقرار الوضع في غزة.

فمن المستحيل أن تكون وسيطا في صراع، أو أن تطلق خطة سلام موثوقة، عندما يرفض أحد الطرفين حتى التحدث معك.

ولم يلتق القادة الفلسطينيون مع كبار المسؤولين الأمريكيين خلال الأشهر الـ6 الماضية، منذ أن أعلن «ترامب» نيته نقل السفارة الأمريكية في (إسرائيل) إلى القدس.

وفي هذا السياق، لا يهم محتوى الخطة؛ فسيرفضها الفلسطينيون كيف كانت.

وقذ يكون لمقترح الإدارة أيضا آثار سلبية أخرى طويلة الأمد قد تحدث بطريقتين مختلفتين.

وفي إطار السيناريو الأقل ضررا، ستقدم الولايات المتحدة اقتراحا متوازنا يتوافق مع الفهم الدولي للحالة والسياسة الأمريكية للجيل الماضي.

وفي هذه الحالة، سيشمل الإقليم المعد لإقامة دولة فلسطينية مستقبلية معظم الضفة الغربية وقطاع غزة، مع مقايضة الأراضي الإقليمية للحفاظ على غالبية المستوطنين اليهود في (إسرائيل).

وستشمل الخطة أيضا عاصمة للفلسطينيين في القدس الشرقية.

وفي المقابل، ستحصل (إسرائيل) على ترتيبات أمنية من شأنها أن تضمن عدم قدرة «حماس» أو أي جماعة أخرى على السيطرة على الضفة الغربية.

وستكون هناك آلية دولية لتعويض اللاجئين الفلسطينيين، لكن لن يحصلوا على حق العودة، مع السماح فقط لعدد رمزي من الفلسطينيين بالعودة إلى (إسرائيل) وعودة الأغلبية الساحقة من اللاجئين إلى دولة فلسطين الجديدة، وقد يتم ترك الاختيار لهم بالبقاء حيث هم أو إعادة توطينهم في بلد ثالث.

والمشكلة هي أنه لا فائدة من تقديم هذه الخطة مرة أخرى.

إذ قدم الرئيس الأمريكي «بيل كلينتون» نفس الخطة عام 2001، كما فعل ذلك وزير الخارجية «جون كيري» في نهاية إدارة «أوباما».

وفي الوقت الحاضر، فإن كلا الجانبين، القيادة الفلسطينية المتشككين بشدة في «ترامب» والحكومة الإسرائيلية اليمينية، سيرفضان ذلك.

ولن يؤدي مثل هذا الاقتراح إلا إلى مزيد من التشكيك في الأفكار التي قد ينبني عليها حل الدولتين في المستقبل.

خطة أكثر ملاءمة لـ(إسرائيل)

والسيناريو المرجح على نحو متزايد هو أن تقترح الإدارة بدلا من ذلك خطة أكثر ملاءمة لـ(إسرائيل).

ويمكن لهذه الخطة، على سبيل المثال، أن تسمح لقوات الدفاع الإسرائيلية بالبقاء في الضفة الغربية لجيل أو أكثر، وأن تواصل (إسرائيل) احتفاظها بـ60% من الضفة الغربية التي تسيطر عليها في الوقت الراهن، في الوقت الذي يتم فيه تشكيل الأساس لدولة للفلسطينيين في غزة. وسيكون هذا كاللعنة بالنسبة للفلسطينيين.

لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» سيجد مثل هذه الخطة جذابة للغاية، ومن المرجح أن يقبلها ببعض التحفظات، وهو ما سيعطيه المرونة للتفاوض على بعض الجوانب.

وسيكون هذا النهج خطير من عدة نواحي.

أولا، سيرفض ذلك السياسيون الإسرائيليون من يسار الوسط الذين يرون أن خطة «ترامب» غير واقعية.

ومع ذلك، لن يكونوا في موقف يسمح لهم بمعارضة الاقتراح الأمريكي؛ لأنه سيكون جيدا جدا بالنسبة لـ(إسرائيل).

وسيتم وضع خط أساس سياسي جديد في (إسرائيل) لما قد يبدو عليه الحل المقبول، وهو حل لن يوافق عليه الفلسطينيون أبدا.

وستدفع النتيجة النهائية الجانبين إلى أبعد من ذلك.

والاحتمال الأكثر خطورة هو أنه إذا رفض الفلسطينيون أيا من هذه الخطط، خاصة تلك التي قبلتها (إسرائيل)، قد يصبح هذا بعد ذلك الأساس لكي تعلن الحكومة الإسرائيلية مرة أخرى أنها لا شريك لها في الجانب الفلسطيني.

لذا، قد تبدأ عملية ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وهي الخطوة التي يدافع عنها الآن عدد من السياسيين في (إسرائيل)؛ مما يجعل من إمكانية حل الدولتين مستحيلا.

وفي ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية اليمينية، والبيت الأبيض الذي مال بشدة إلى الجانب الإسرائيلي، قد لا تحصل حركة الاستيطان الإسرائيلية على فرصة أفضل.

اعتماد أمريكي على السعودية

ويبدو أن إدارة «ترامب» تعتمد على الدول العربية، وخاصة السعودية، لإجبار الفلسطينيين على قبول خطتها.

وتقول النظرية إن الدول العربية قد تحولت عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وأصبحت أكثر اهتماما بمواجهة إيران.

وصحيح أن السعوديين يركزون على إيران لدرجة أنهم قد يكونون مستعدين للتحول في المسألة الإسرائيلية الفلسطينية، لكنهم واجهوا مشاكل بالفعل عندما حاولوا القيام بذلك.

وفي الخريف الماضي، كانت هناك تقارير تفيد بأن ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان»، بناءً على طلب «كوشنر»، استدعى «عباس» إلى الرياض؛ حيث حاول الضغط عليه لقبول أفكار إدارة «ترامب». ولم ينجح ذلك.

وخرجت القصة للعلن، وكان هناك رد فعل عنيف على تلك الأخبار في الإعلام العربي.

وبدلا من الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة، استضاف السعوديون قمة للجامعة العربية في أعقاب إعلان القدس، والتي حملت اسم «قمة القدس»، من أجل تسليط الضوء على القضية.

وأبعد من ذلك، استثمرت إدارة «ترامب» الكثير في السعوديين، لكنها لم تفعل ما يكفي في بعض الدول العربية الرئيسية الأخرى.

ويعد الأردنيون والمصريون أكثر انخراطا في القضية الفلسطينية على مدى الأعوام الـ25 الماضية، ولديهم نفوذ أكبر بكثير على «عباس»، بسبب سيطرتهم على الحدود التي تحيط بغزة والضفة الغربية.

وهم الطرف الأقل احتمالا لأن يكونوا مرنين على وجه التحديد؛ لأن الخطة تؤثر بشكل مباشر على مصالحهم الوطنية، لا سيما الأردنيين، الذين لديهم 50 إلى 70% من السكان الفلسطينيين، ويتعاملون مع مشاكلهم الداخلية في الوقت الحالي.

وأبعد من ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت الدول العربية ستفعل أي شيء مختلف عما فعلته لأعوام. فعندما كان يطلب رئيس أو وزير خارجية أمريكي دعمه في دفع خطة أمريكية جديدة، يقولون دائما: نعم.

لكنهم لا يتابعون أي من الحوافز الإيجابية المفيدة للفلسطينيين، أو الضغط السياسي الحقيقي.

وخلاصة القول، هي أن معظم الدول العربية لا تعطي الأولوية للقضية الفلسطينية، ولا تتوافق مع «عباس». فهم لن يقدموا له حوافز كبيرة، ولن يتكبدوا مخاطر سياسية في الداخل بالضغط عليه، خاصة إذا كانوا يعتقدون أن خطة الولايات المتحدة محكوم عليها بالفشل منذ البداية.

التركيز على غزة

وبدلا من التركيز على خطة سلام بعيدة المدى لا تتمتع بفرصة ضئيلة للنجاح، ينبغي على الإدارة أن تركز بدلا من ذلك على حالة الطوارئ الملحة في قطاع غزة؛ حيث لا يحصل السكان إلا على 4 ساعات من الكهرباء يوميا، وأكثر من 90% من السكان بدون كهرباء، ومياه الشرب ليست صالحة للشرب، والحالة تزيد سوءا على نحو متزايد، وقد تدفع إلى حرب أخرى بين (إسرائيل) و«حماس».

وبالنسبة إلى حسابات إدارة «ترامب»، فهي تركز نوعا ما على هذه المسألة. وقد تم عقد اجتماع دولي حول غزة في واشنطن في مارس/آذار، وتفيد التقارير أن الاجتماع دفع اقتراحا إلى دول الخليج للاستثمار في مشاريع في شبه جزيرة سيناء، من شأنها أن تساعد الاقتصاد في غزة.

ولسوء الحظ، تسببت شائعات خطة السلام الأوسع نطاقا، وحقيقة أنها قد تنوي فصل غزة عن الضفة الغربية، وإنشاء دولة منفصلة هناك، إلى رفض العديد من أصحاب المصلحة الرئيسيين أي حلول.

ورفضت السلطة الفلسطينية على الفور خطة الولايات المتحدة لغزة، مجادلة بأنها خطوة لإنشاء قطاع غزة مستقل اقتصاديا، تمهيدا لإنشاء منطقة مستقلة منفصلة عن الضفة الغربية.

ومن غير المرجح أن يذهب المصريون إلى هذه الخطة؛ خشية أنه إذا أصبحت غزة معتمدة اقتصاديا بشكل متزايد على مصر، فإنها ستصبح مشكلة مصر بدلا من (إسرائيل).

وبدلا من ذلك، يجب على الإدارة متابعة مبادرتين فوريتين. أولا: يجب أن تفرج عن 300 مليون دولار تحتجزها الولايات المتحدة حاليا لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا».

وقيل إن «نيكي هالي»، سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، قادت هذا الانتقام ردا على لجوء الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة لمواجهة إعلان نقل السفارة إلى القدس.

وتستند المعارضة ضد «أونروا»، خاصة في (إسرائيل)، وفي إدارة «ترامب» أيضا، إلى الرأي القائل بأنها ببساطة تحيي فكرة اللاجئين بين الفلسطينيين.

لكن الرد لا يكون بقطع أهم مزود للمعونة داخل قطاع غزة، في خضم أزمة، دون وجود بديل شرعي فعال. والواقع هو أن «أونروا» هي الخيار الحقيقي الوحيد في غزة الآن.

إذ تقوم تلك الوكالة الأممية بتعليم 250 ألف طفل في مدارسها، وإلا سيرتاد هؤلاء الأطفال مدارس «حماس» أو يبقون في الشوارع.

وهي توفر الكثير من المساعدات الإنسانية التي تدخل غزة.

وإذا كانت الإدارة الأمريكية مصرة على خفض تمويل «أونروا»؛ فيمكنها إرسال الأموال إلى اللاجئين الفلسطينيين في الأردن ولبنان، وأماكن أخرى؛ حيث يمكن لوكالات الإغاثة الأخرى التدخل وملء الفراغ.

لكن في غزة، تعتبر «أونروا» اللاعب الأكبر في القطاع، ولا يمكن لأحد سد هذه الفجوة في الوقت الحالي.

وأبعد من ذلك، ينبغي على الولايات المتحدة أن تقف وراء مبادرة يتابعها الدبلوماسي البلغاري ومنسق الأمم المتحدة الخاص للشرق الأوسط، «نيكولاي ملادينوف»، الذي يحاول بناء آلية دولية بديلة لا تعتمد على السلطة الفلسطينية أو «حماس»، عبر الحصول على المساعدات إلى غزة، والتي من شأنها الاستثمار في البنية التحتية الرئيسية للكهرباء والمياه.

ويتجاوز اقتراح «ملادينوف» السياسة الفلسطينية الداخلية، التي تدفع السلطة الفلسطينية إلى حجب الكثير من المساعدات التي كان من الممكن أن تذهب إلى غزة، في محاولة للضغط على «حماس».

لكن هذه الخطة لا يمكن أن تنجح بدون استعداد مصري و(إسرائيلي) للسماح للمجتمع الدولي بنقل الإمدادات إلى قطاع غزة. كما يحتاج إلى دعم مالي من مانحين آخرين، وخاصة دول الخليج.

وهنا يمكن للولايات المتحدة لعب دور بناء في الضغط على الأطراف لدعم خطة «ملادينوف». وهو الشخص المناسب لمتابعتها؛ حيث أن جميع الأطراف تثق به عموما، وترى فيه وسيطا نزيها.

ويعد حل «حل الدولتين» هو الوحيد على المدى الطويل الوحيد القابل للنجاح والبقاء الذي يمكن أن يسمح للإسرائيليين والفلسطينيين بالفرصة للعيش جنبا إلى جنب في سلام وأمان. ويعد النظام السياسي الفلسطيني بإعادة دمج غزة والضفة الغربية تحت قيادة فلسطينية واحدة هو الحل الوحيد على المدى الطويل الذي قد يكون مقبولا للشعب الفلسطيني وقادته. وكلاهما أهداف جديرة بالعمل والاهتمام.

لكن على المدى القريب، نظرا للوضع السياسي الحالي، يجب أن تكون الأولوية الأولى بالنسبة للولايات المتحدة هي تحقيق الاستقرار في غزة، قبل أن تنتقل إلى هذه الأسئلة الأكثر صرامة.

المصدر | فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية

أمريكا فلسطين إسرائيل صفقة القرن