«صفقة القرن» وانحناء أعراب كوشنر

الجمعة 29 يونيو 2018 06:06 ص

جزم نبيل أبو ردينة، الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، بأنه لا يوجد زعيم عربي واحد يقبل التنازل عن القدس، وذلك في مناسبة التقارير الصحافية التي تحدثت عن موافقة أربع دول عربية على «صفقة القرن». وكان جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأحد كبار مستشاريه، وجيسون غرينبلات مبعوث الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط، عرضا بعض تفاصيل تلك الصفقة خلال جولة في المنطقة.

ولعل أبو ردينة استند إلى التصريحات الرسمية والإعلامية التي تصدر عن الزعماء والمسؤولين العرب، والتي تذهب بالفعل في اتجاه التمسك بالقدس عاصمة للدولة الفلسطينية، وتقديس المدينة بوصفها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.

لكنه يعلم، مثل كلّ فلسطيني وعربي ومسلم، أن التصريحات والأقوال بصدد القدس ليست سوى ممارسة خطابية تختلف تماماً عن جولات الاتفاق أو الانحناء أو التواطؤ التي تتم خلف الكواليس. هذا علاوة على الحقيقة التي باتت تقترن بموضوع القدس، ولم تكن جديدة أصلاً، أي إمكانية انسحاب الاحتلال من ضاحية هنا أو حيّ هناك، بحيث تنقلب أبو ديس وجوارها إلى بديل للقدس الشرقية.

وهكذا فإن صحيفة «إسرائيل هايوم»، التي يملكها مقربون من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كانت سباقة إلى كشف النقاب عن أن مصر والسعودية والإمارات والأردن أبلغت كوشنر دعم البنود التي حملها.

وقبل ذلك كانت صحيفة «معاريف» قد كشفت النقاب عن لقاء سرّي شهدته العاصمة الأردنية عمّان وجمع نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وكانت الصفقة على رأس جدول الأعمال. وكانت تقارير صحافية عالمية قد تحدثت عن ضغوطات شديدة مارستها الرياض، وبن سلمان شخصياً، على القيادة الفلسطينية لقبول الصفقة التي سيأتي بها كوشنر.

كذلك لا يخفى على هؤلاء الزعماء الموافقين أن جوهر مشروع كوشنر، وإدارة ترامب من خلفه، هو تحويل الحقوق الفلسطينية المشروعة إلى مجرد مشكلات إدارية أو إغاثية أو تعميرية أو استثمارية، أي حصر التفاوض حول القضايا الانتقالية في أفضل الأحوال. بذلك يغيب الجوهر السياسي الأهمّ لقضايا النزاع الكبرى مثل الدولة الفلسطينية والقدس وحق العودة والمستوطنات وسواها من تفاصيل الحلّ الدائم، ويتكرس نهائياً فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة مع الإبقاء على الاحتلال هنا والحصار هناك.

هذا هو السبب الأبرز في أن «صفقة القرن» تأخذ تدريجياً صفة مشروع محدود خاص بقطاع غزة، وتتجه نحو «توليف» الوضع الإداري هناك على نحو يوحي بوجود «دولة» تستقبل استثمارات في ميادين الطاقة، وربما إنشاء مطار وميناء، وفتح الحدود البرية مع مصر، بعد إلزام السعودية والإمارات بسداد نفقات هذا التطوير الاقتصادي.

كل هذا تحت افتراض، واهم ومخادع، بأن دولة الاحتلال سوف توافق على المشروع، أو أنها لن تشن حرباً جديدة تدمر كل ما تم بناؤه كما فعلت مراراً وتكراراً مع المشاريع التي مولها الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وسواهما في القطاع.

ولهذا أيضاً فإن «صفقة القرن» ليست واحدة يتفاوض عليها كوشنر مع أعرابه، بل هي صفقات متعاقبة تبدأ من فلسطين المحتلة، ولكن هيهات أن تنتهي في حدودها.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

«صفقة القرن» أعراب كوشنر قطاع غزة القدس فلسطين القيادة الفلسطينية ضغوط بن سلمان