«روبرت فيسك»: صفقة «كوشنر» للفلسطينيين تشتري الكرامة مقابل المال

السبت 30 يونيو 2018 07:06 ص

هل يوجد إهانة لم توجّه للفلسطينيين بعد؟ بعد أوسلو وبعد «حل الدولتين»، وبعد سنوات الاحتلال الإسرائيلي وبعد الاستعمار اليهودي الشاسع للأراضي التي سُرقت من الملاّك العرب، بعد القتل الجماعي في غزة، وقرار ترامب بأن القدس كلها يجب أن تكون عاصمة (إسرائيل)، هل سيُطلب من الفلسطينيين أن يقبلوا بتسوية مالية بائسة؟

هكذا يتساءل الكاتب البريطلتي «روبرت فيسك» في مقاله بصحيفة الإندبندنت حول صفقة القرن المنتظرة التي لن تمنح الفلسطينيين سوى كيان هش، بلا نهاية للاستعمار، ولا أمن ولا جيش ولا حدود مستقلة ولا وحدة، مقابل مبلغ ضخم من المال والمليارات من الأرباح المهينة، على حد وصفه.

هل يريد الفلسطينيون المال؟

وقال «جاريد كوشنر» صهر «ترامب» هذا الأسبوع: «أنا أؤمن أن الشعب الفلسطيني يولي اهتماماً أقل لحوارات السياسيين مقارنة بكيف ستعطيهم الاتفاقية وأجيالهم القادمة فرصًا جديدة، والمزيد من الوظائف والأجور الأفضل من أجل حياة أفضل».

ويتساءل «فيسك»: هل صهر «ترامب» موهوم؟ بعد ثلاث حروب عربية إسرائيلية، وعشرات الآلاف من القتلى الفلسطينيين وملايين اللاجئين، هل يؤمن «جاريد كوشنر» بحق بأن الفلسطينيين سيقبلون بالتسوية مقابل المال؟
ألم يلاحظ أبداً أن الفلسطينيين الذين تظاهروا وعانوا وماتوا وفقدوا أراضيهم لمدة 70 عاماً، لم يكونوا يتظاهرون في شوارعهم من أجل شوارع أفضل أو مناطق حرة أو مطار جديد؟ هل يعتقد أن أهل غزة نزلوا إلى شوارعهم وساروا نحو السياج الحدودي القاتل لأنهم يطالبون بعيادات طبية جديدة؟ كيف يمكن أن يذل شعبًا عربيًا بالكامل من خلال الإشارة إلى أن حريته وسيادته واستقلاله وكرامته وعدالته وبلاده هي مجرد «حوارات سياسيين»؟ ألا توجد نهاية لهذا الجنون؟

ويعلق فيسك مجيبا نفسه: «من الواضح أنه لا يوجد».

وبالنظر إلى التفاصيل القليلة التي خرجت حول صفقة «ترامب» و«كوشنر» في الصحف الإسرائيلية، فإن الفلسطينيين سيضطرون إلى التخلي عن القدس الشرقية كعاصمة فلسطين المستقبلية، وستنسحب (إسرائيل) من عدد قليل من القرى شرق القدس وشمالها لإنشاء عاصمة هزيلة خادعة، لكنها ستبقى إلى الأبد في المدينة القديمة.

وستكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح بالكامل، وستبقى كل مستعمرة يهودية شيدت بشكل غير قانوني على أرض عربية، وستسيطر (إسرائيل) على غور الأردن بالكامل، وبالطبع لن يكون هناك أي حديث حول حق العودة.

وستذهب مليارات الدولارات إلي مشاريع البنية التحتية، ومنطقة التجارة الحرة في العريش في سيناء، وتتدفق الأموال إلى الضفة الغربية، وتأتي قيادة فلسطينية جديدة بدلاً من «محمود عباس» الذي لصالح رجل جديد وبراغماتي يكون أكثر طواعية وحباً للسلام وأكثر انبطاحا من «عباس» نفسه.

ضعف القادة

ويعتمد كل هذا الهراء على سخاء السعودية، التي يبدو ولي عهدها الأخرق على خلاف مع والده الملك الذي لا يريد التخلي عن المبادرة السعودية الأصلية لدولة فلسطينية عاصمتها القدس،  كما يعتمد على ضعف الملك «عبدالله» الذي يحكم الأردن - والذي تسببت معاناة بلاده المالية المفروضة من صندوق النقد الدولي، في أعمال شغب غير مسبوقة وسقوط حكومته بالإضافة إلى دعم رئيس مصر الذي من المفترض أنه سيكون سعيدًا بفرض القانون والمزايا المالية على الحدود بين مصر وغزة. كما أنه لن يكون هناك اتصال حقيقي بين غزة والضفة الغربية، لقد تم نسيان حماس على ما يبدو.

هل هذا مضحك أم مبكي؟ عندما نقل «ترامب» السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس وسط مذبحة غزة، صرخ العالم لكنه صمت بعد ذلك.  وأدى المشهد المنقسم بين التملق الدبلوماسي والقتل الجماعي على بعد مئات الأميال إلى تطبيع المزج بين الموت والظلم في الصراع العربي الإسرائيلي، نعم، لقد أفلتوا بفعلتهم.

إذلال الفلسطينيين

وفقا لــ«فيسك»، فإن هناك شيئا غريبا وكوميديا في صور «صانعي السلام» الدبلوماسيين الأمريكيين الذين يجلسون حول رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو».

في الغرب، يختار الجميع عدم التركيز على الخلفية الدينية أو العرقية لهؤلاء الرجال، لكن الإسرائيليين يفعلون ذلك، حيث تشير صحيفة هآرتس إلى أن جميعهم يهود، اثنان منهم على الأقل من المؤيدين المتحمسين للاستعمار الإسرائيلي لأرض الضفة الغربية الفلسطينية، بمن في ذلك السفير الأمريكي في (إسرائيل).

ويتساءل الكاتب البريطاني: «ألم يكن ممكناً، داخل السلك الدبلوماسي الأمريكي بأكمله ومستشاري أميركا، أن يجدوا حتى أميركياً مسلماً واحداً ينضم إلى الفريق؟ ألم يرَ صانعو السلام جدوى من صوت واحد فقط يؤمن بنفس معتقدات الطرف الآخر من الصفقة؟».

وقطع «عباس» جميع العلاقات الدبلوماسية مع البيت الأبيض منذ اعتراف «ترامب» بالقدس كعاصمة لـ(إسرائيل). ويبدو أن «الاتفاق النهائي»  لا يمثل الآن سوى الإذلال الكلي للشعب الفلسطيني: لا القدس الشرقية، ولا نهاية للاستعمار، ولا اعتراف بحق العودة، ولا دولة، ولا مستقبل، مجرد أموال.

المصدر | روبرت فيسك - الإندبندنت

  كلمات مفتاحية

كوشنر صفقة القرن ترامب نتنياهو محمود عباس