«فورين أفيرز»: المواجهة الجديدة باليمن.. ماذا يجري في الحديدة؟

السبت 30 يونيو 2018 08:06 ص

طوال 3 أعوام، كانت الحرب في اليمن عالقة في مستنقع مدمر، وفي 13 يونيو/حزيران الماضي، أطلقت الإمارات العربية المتحدة عملية «النصر الذهبي».

وهي حملة لكسر الجمود عن طريق الاستيلاء على ميناء الحديدة من المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على معظم الساحل الغربي والمرتفعات الشمالية، ومن شأن أي هجوم ناجح على أكبر ميناء في البلاد أن يغير مسار الحرب، لكن قد يحدث ذلك بتكلفة باهظة.

وقد بدأت الحرب الأهلية في اليمن في سبتمبر/أيلول عام 2014، عندما سيطر المتمردون الحوثيون على العاصمة.

وتصاعد هذا الانقلاب الممتد في مارس/آذار 2015، عندما تدخل تحالف عسكري بقيادة المملكة العربية السعودية لمواجهة الحوثيين، الذين يرون أنهم وكيل إيراني.

وعلى الرغم من وعود الائتلاف بتحقيق نصر سريع، فإن القتال سرعان ما امتد للأبد، واتسمت الجهود الرامية إلى التوصل إلى تسوية سياسية بالعقم؛ حيث انهارت محادثات السلام الأخيرة عام 2016.

وفي الوقت نفسه، تدهور الوضع الإنساني بشكل كبير، ووفقا للأمم المتحدة، فإن 8.4 ملايين يمني الآن على حافة الموت جوعا، و14 مليون شخص يحتاجون إلى نوع من المساعدات الإنسانية.

واليوم، تتحفز كل الأطراف لأكبر معركة حرب مكثفة حتى الآن، وبعد قضاء العام الماضي في طريقها إلى ساحل البحر الأحمر، تزعم القوات المدعومة من الإمارات، المشاركة في التحالف الرئيسي بقيادة السعودية، أنها استولت على مطار الحديدة، الذي يقع على مشارف المدينة.

وما سيحدث لاحقا من المرجح أن يغير اتجاه الحرب، ويمكن لمعركة شاملة أن تقلب ميزان القوى على الأرض، وتؤثر بعمق على أي تسوية سياسية مستقبلية.

وهذه النتيجة جذابة بشكل خاص لدولة الإمارات، التي ترى الحملة فرصة لتكون لها اليد العليا في اليمن، لكن بالنسبة للمدنيين اليمنيين، فإن التوقعات قاتمة، وما لم تتمكن الأمم المتحدة من التوصل إلى اتفاق بين الحوثيين والتحالف قبل بدء القتال بشكل جدي، فإن أفقر اليمنيين هم الذين سيدفعون الثمن الأكبر.

لا يزال الليل طويلا

وعلى الرغم من أن المراقبين غالبا ما يركزون على السعودية، لكن الإمارات تقود حملة الحديدة، وخلال حرب اليمن، أظهرت الإمارات نفسها كقوة عسكرية ذات كفاءة مدهشة.

وفي عام 2015، على سبيل المثال، ساعد الإماراتيون الجماعات الانفصالية في الجنوب على دفع الحوثيين وحلفائهم إلى الخروج من مدينة عدن الساحلية.

لكن على مدى الأعوام الـ3 الماضية، أصبح المسؤولون في أبوظبي يشعرون بالإحباط على نحو متزايد بسبب عدم إحراز تقدم على الأرض، وهم يعتقدون أن مهاجمة الحديدة هي الطريقة الوحيدة لكسر الجمود وإجبار الحوثيين على إنهاء الحرب وفق شروط الائتلاف.

وقد تم طرح الهجوم على الحديدة على مدار عدة أعوام، وفي عام 2016، طرح الإماراتيون هجوما بحريا على الميناء، لكن الولايات المتحدة رفضت المناورة، التي اعتقدت أنها شديدة الخطورة.

وبدون انتظار، قامت الإمارات بتدريب وتجهيز ما يصل إلى 25 ألف جندي يمني للاستيلاء على الميناء برا، ومنذ أوائل عام 2017، كانت هذه القوات تتقدم بثبات على طول الساحل الأحمر باتجاه الحديدة، وينتشر معظمهم الآن على طول ساحل تهامة، أو في قاعدة عسكرية في إريتريا المجاورة.

وقد تعززت القوات المدعومة من الإمارات من قبل الحرس الجمهوري، وهي قوة النخبة السابقة في اليمن، التي كانت من الموالين للرئيس السابق «علي عبدالله صالح».

وحتى عام 2017، حارب الحرس الجمهوري إلى جانب الحوثيين، الذين شكل معهم تحالفا غريبا قبل 3 أعوام، لكن في ديسمبر/كانون الأول الماضي، انهار التحالف، ما أدى إلى قتال شوارع في صنعاء، ثم قتل «صالح» على يد الحوثيين.

ووضعت وفاة «صالح» نهاية لأي مقاومة داخلية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، ولكنها سلبت أيضا من المتمردين الشرعية السياسية التي اكتسبوها من التعاون مع حزب صالح «المؤتمر الشعبي العام»، وهو أكبر حزب برلماني في اليمن.

وإذا نجح التحالف في الاستيلاء على الحديدة، فإنه سيحرم الحوثيين من مئات الملايين من الدولارات من الرسوم الجمركية وغيرها من أشكال الإيرادات، التي يستخدمونها من أجل ضمان المجهود الحربي.

كما يعتقد التحالف أن الاستيلاء على الحديدة سيقطع الطريق الرئيسي لتهريب الأسلحة، رغم أن عددا من الباحثين، بما في ذلك فريق خبراء الأمم المتحدة، توصلوا إلى أن هناك القليل من الأدلة على أن الميناء يتم استخدامه لتهريب الأسلحة.

ولن ينقرض الحوثيون دون قتال، بالطبع، وقد جعلوا القوات المدعومة من الإمارات على الأرض تعمل بشكل أكثر صعوبة مما كان متوقعا، فقط للوصول إلى حافة المدينة، والحوثيون مستعدون لجعل معركة الحديدة طويلة ومكلفة قدر الإمكان، لكن الإمارات والقوات المتحالفة معها مستعدون أيضا لشن حرب قاسية.

نظرة بعيدة

وقد تكون هناك أسباب أخرى وراء أهمية الحديدة بالنسبة للإمارات، وغالبا ما يتم تصوير الحرب الأهلية في اليمن على أنها قضية بين جانبين، ولكنها في الواقع أكثر تعقيدا.

وترى الإمارات أن الهجوم باتجاه الحديدة ليس فقط لكسر الجمود، بل أيضا فرصة لتعزيز الجماعات التي تريد لها أن تتصدر في التسوية السياسية المنتظرة في نهاية المطاف.

ومنذ بداية الحرب، دعمت الإمارات في المقام الأول الجماعات الانفصالية الجنوبية والسلفية، وألقت السعودية، في الوقت نفسه، بثقلها وراء الرئيس «عبدربه منصور هادي» المعترف به دوليا، وكوكبة من القبائل والجيش والقوى السياسية التابعة لحزب الإصلاح، الحزب الإسلامي السني الرئيسي في اليمن، الذي لديه علاقات مع جماعة «الإخوان المسلمون».

وقد أعاقت التوترات بين القوات المدعومة من أطراف التحالف المختلفة، مرارا وتكرارا، المجهود العسكري، لا سيما في مدن الجنوب في عدن، حيث هاجمت القوات الانفصالية المدعومة من الإمارات حلفاء «هادي» في يناير/كانون الثاني، و«تعز»، حيث اشتبك المقاتلون التابعون لحزب التجمع اليمني للإصلاح مع القوات المدعومة من الإمارات.

وقد منعت هذه المعارك الداخلية قوات التحالف من تشكيل جبهة موحدة ضد الحوثيين.

ويرى «محمد بن زايد»، ولي عهد أبوظبي، والحاكم الفعلي لدولة الإمارات، أن جماعة «الإخوان المسلمون» تعتبر «بوابة للتطرف»، ويعتبرها واحدة من أخطر التهديدات الأمنية في المنطقة.

ونتيجة لذلك، لا يرضى «بن زايد» وحاشيته عن احتضان «هادي» للتجمع اليمني للإصلاح كحليف، فضلا عن أن نائبه والقائد العام للقوات المسلحة، «علي محسن الأحمر»، معروف بتعاطفه مع الإسلاميين.

وتمثل قوات القتال المشتركة التي في طريقها إلى الحديدة بتوجيه من دولة الإمارات نوعا من الفصائل تود الإمارات أن تراها تحكم بعد الحرب، مثل المقاومة في تهامة والانفصاليين في الجنوب، والسلفيين، الذين هم دوافع دينية ولكن (على ما يبدو) غير مهتمة بالعلامة التجارية للإسلام السياسي لـ«الإخوان المسلمون».

وإذا تمكنت الإمارات من الحديدة، قد تكون قادرة على فرض من يدير البلاد، وأحد المرشحين المحتملين للقيادة هو «طارق صالح»، ابن أخي الرئيس السابق، الذي يقود الحرس الجمهوري.

وإذا ما تمت هزيمة الحوثيين، فإن «صالح» قد يصبح رمزا لحزب المؤتمر الشعبي العام، القومي والعلماني، وستحصل الإمارات بانتصارها في الحديدة على اليد العليا في المفاوضات السياسية المستقبلية، التي قد تستخدمها لتقويض الحوثيين وحزب الإصلاح.

وربما سيقبل السعوديون بذلك، فهم يقدرون التقدم على الأرض وعلاقتهم بالإمارات أكثر من علاقتهم بالإصلاح، الذي يعتمد بشكل كبير على الرياض للحصول على الدعم.

آلام إنسانية

وبالإضافة إلى تغيير الديناميكيات السياسية للبلاد، فإن حدوث معركة على شرف أكبر ميناء في اليمن سيؤدي إلى تعميق الأزمة الإنسانية.

ووفقا للأمم المتحدة، فإن 70% من السلع الأساسية مثل القمح والأرز تدخل اليمن عبر الحديدة، ويعيش ملايين الأشخاص الضعفاء في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، والتي تعتمد على الميناء في توفير الغذاء والوقود والإمدادات الإنسانية.

وقد وعد الائتلاف بتحقيق انتصار سريع، وزعم أنه سيشغل الميناء ليعمل بعد وقت قصير من الاستحواذ عليه.

لكن هذا من غير المحتمل أن يحدث، فلقد استغرقت القوات المدعومة من قوات التحالف أسبوعا للسيطرة على المطار، الذي كان عملية بسيطة نسبيا، لا سيما مع الدعم الجوي الإماراتي.

وسيكون الاستيلاء على الميناء مهمة أكثر صعوبة، خاصة إذا أراد التحالف تجنب الإضرار بالبنية التحتية بشكل سيئ للغاية.

وإذا استولت القوات المدعومة من الإمارات على الميناء، فليس من الواضح كيف ستنقل البضائع، نظرا لأن الحوثيين يظلون يسيطرون على المدينة والطرق السريعة، التي تربط الحديدة بالمراكز السكانية الرئيسية في الشمال.

وقال التحالف إنه يريد تجنب الدخول في معركة داخل المدينة نفسها، ولسبب وجيه، فمعركة شوارع بين الحوثيين والقوات المدعومة من الإمارات ستكون مدمرة لـ600 ألف من سكان الحديدة.

وبحسب التحالف، فهناك قوات مقاومة جاهزة لمهاجمة الحوثيين داخل المدينة، والتي يقولون إنها ستتحرك عندما يحين الوقت، لكن لم تظهر أي قوى كهذه خلال الأعوام الـ3 التي سيطر فيها الحوثيون على الحديدة.

ويقول التحالف إنه يدرس بشكل كبير الأثر الإنساني لحملة الحديدة، وأنه بمجرد أن يسيطر على الميناء، فإن حجم التجارة القادمة سيزداد، وستكون الحالة الإنسانية أفضل، وليس أسوأ.

ويشير المتشككون إلى ميناء عدن، الذي كانت تحت إشراف التحالف، وظاهريا حكومة «هادي» منذ منتصف عام 2015، وبالنظر إلى حاله، لا يكون من المؤكد بأي حال من الأحوال أن يكون ميناء الحديدة آمنا ويعمل بشكل جيد بعد هزيمة الحوثيين.

الحل السياسي

عند هذه النقطة، فإن أفضل سيناريو للحالة هو التوصل إلى اتفاق سياسي بين الحوثيين والتحالف، من شأنه أن يجنبنا معركة مدمرة حول الميناء، وربما حتى يفتح إمكانية إجراء جولة جديدة من محادثات السلام.

ويحاول «مارتن غريفيث»، مبعوث الأمم المتحدة الجديد، التوسط الآن في صفقة من شأنها أن تجعل الحوثيين يتنازلون عن السيطرة على الميناء إلى الأمم المتحدة.

وفي 21 يونيو/حزيران، قال «غريفيث» إنه يشجع «المشاركة البناءة» من قبل الحوثيين، وفي الأسبوع الماضي، أشار «عبدالملك الحوثي»، زعيم المتمردين، إلى أنه قد يكون مستعدا لتسليم الميناء إلى الأمم المتحدة.

وذلك رغم أنه تعهد بأن الحديدة ستكون «مقبرة للغزاة» إذا مضت المعركة، وأصر التحالف علنا على أنه على الحوثيين أن يتخلوا عن السيطرة الكاملة على كل من الميناء والمدينة.

ومع ذلك، يواجه «غريفيث» تحديا قويا لمنع المعركة، ولقد منحته الإمارات أسبوعا تقريبا لإقناع الحوثيين بالموافقة على شروط التحالف، وفي 27 يونيو/حزيران، التقى «غريفيث» مع «هادي»، الذي عاد مؤخرا إلى عدن بعد غياب لمدة عامين، وردد «هادي» موقف التحالف، من أن الاتفاق لن يكون ممكنا إلا إذا وافق الحوثيون على الانسحاب الكامل من المدينة، لكنه أضاف أن هذا سيكون بداية جديدة للمفاوضات.

وإذا لم ينجح «غريفيث»، فهناك إجماع واسع على أن المعركة ستكون طويلة ومرهقة، لكنها ستنتهي على الأرجح مع سقوط كل من المدينة والميناء في يد التحالف.

ومن شأن هذا أن يحول الأحداث بشكل يفيد الإمارات، ويتوقع البعض أنه إذا نجح الإماراتيون في الاستيلاء على الحديدة، فقد يوجهون انتباههم إلى تعز، حيث يستطيعون طرد الحوثيين منها أيضا، مع منع «الإصلاح» من التواجد هناك.

وعند هذه النقطة، سيكون لدولة الإمارات وحلفائها السلطة عبر الجنوب، وساحل البحر الأحمر، وفي تعز. وإذا استطاع الإماراتيون تحجيم الحوثيين ومنعهم من إطلاق المزيد من الصواريخ الباليستية باتجاه المملكة، كما فعلوا مؤخرا في 25 يونيو/حزيران، فمن المرجح أن يقبل السعوديون هذا التحول في الأحداث.

لكن ليس من الواضح إن كان الحوثيون سيخضعون لمطالب التحالف بالتخلي عن سلاح إيران والتنازل عنه علنا.

ويخشى «غريفيث» من أن المعركة الطويلة على الميناء قد تعيق الجهود الرامية إلى إحياء عملية السلام المحتضرة، وفي غضون ذلك، ستزداد معاناة المدنيين اليمنيين سوءا.

  كلمات مفتاحية

ميناء الحديدة محمد بن زايد مارتن غريفيث الحوثيين الإمارات