لماذا ستفشل «صفقة القرن»؟

الأحد 1 يوليو 2018 10:07 ص

انتهت الجولة الإقليمية لمبعوثي «دونالد ترامب» في الشرق الأوسط، محاميه «جيسون غرينبلات»، وصهره «جاريد كوشنر»، لذا، فقد حان الوقت لتقييم خطة السلام التي يصيغها فريق «ترامب».

ويبدو أن فريق «ترامب» كان متشوقا بشكل خاص لرؤية الخطة تظهر، ولكن من الصعب أن نكون متفائلين بشأن الصفقة، بالنظر إلى أن «كوشنر» و«غرينبلات» التقيا مع جميع المعنيين باستثناء الفلسطينيين، وبغض النظر عما قد يسمعه «جيسون» و«جاريد»، فإن أيا من «محاوريهم» العرب ليس في وضع يسمح له بدفع صفقة رفضها الفلسطينيون بوضوح.

ويأتي نهج «ترامب» في قضية فلسطين برمتها تماشيا مع مقاربته في معظم القضايا، وقد انعكس هذا الرأي في مقابلة أجراها «كوشنر» مع صحيفة القدس الفلسطينية حيث قال للمراسل «وليد أبو زلاف»: «في نهاية المطاف، أعتقد أن الشعب الفلسطيني لا يهتم بحوارات السياسيين أكثر من اهتمامهم بكيف ستوفر لهم هذه الصفقة وأجيالهم القادمة فرصا جديدة أكثر، ووظائف أفضل، وأجورا أفضل».

وإذا كان «كوشنر» يعتقد أن الارتفاع الطفيف في متوسط ​​دخل الأسرة سيتغلب على المخاوف الفلسطينية بشأن المستوطنات واللاجئين والقدس وطبيعة وجودهم الوطني، فهو مخطئ للغاية، لكن يبدو أن المقابلة بأكملها تعكس وجهة نظر كهذه.

وفي إشارة إلى تصريح «نبيل أبو ردينة»، المتحدث باسم الفلسطينيين، بأن الجهود الأمريكية محكوم عليها بالفشل، أشار «كوشنر» إلى أن «القيادة الفلسطينية تقول هذه الأشياء لأنها خائفة، وسنقوم بإطلاق خطة السلام الخاصة بنا، وسيعجب بها الشعب الفلسطيني، لأنها ستؤدي إلى مزيد من الفرص لهم».

وتوضح هذه التصريحات أن «كوشنر» لم يكتفِ بتجاهل القيادة الفلسطينية، بل الفلسطينيين بشكل عام، ولقد تم اتهام المفاوضين الأمريكيين بشكل روتيني، وبصورة كبيرة، بأنهم لم يسمعوا نبض الشعب الفلسطيني، لكن يبدو أن «كوشنر» نفسه لا يجد من يسمعه، وليس هناك أي فرصة فعلا لأن يعرف «غرينبلات»، أو السفير الأمريكي لدى (إسرائيل) «ديفيد فريدمان»، أو «ترامب» نفسه، عن المشاعر الفلسطينية أكثر مما يعرفه «كوشنر».

ولقد أخفى فريق «ترامب» بنود خطة السلام بشكل غامض، وإذا كانت هناك فرصة لسماع رأي مخالف فمن المفيد حث «ترامب» على تأخير الكشف عن هذه الخطة إلى أجل غير مسمى، وفي الوقت الحالي، لا تملك الخطة أي فرصة للنجاح، وفي الواقع، فإنها ستحدث الكثير من الضرر.

التفاصيل

على الرغم من عدم تأكيد أي شيء حول أي خطة «سلام» لـ«ترامب»، إلا أن هناك شائعات مستمرة حول النقاط الأساسية، ولا يوجد شيء مؤكد على الإطلاق مع «ترامب»، لكن التفاصيل التي تم تداولها تعد مصدر قلق كبير.

ووفقا لصحيفة «هآرتس»: «يخطط الأمريكيون لعرض أبو ديس كعاصمة لفلسطين بدلا من القدس الشرقية، وفي المقابل، سوف تنسحب (إسرائيل) من 3 إلى 5 قرى وأحياء عربية شرق القدس وشمالها في حين تبقى المدينة القديمة في يد (إسرائيل). وسوف يتم منح المملكة العربية السعودية بعض المشاركة في إدارة المسجد الأقصى، على الرغم من عدم وضوح ما يعنيه ذلك بالضبط».

ولن تقوم (إسرائيل) بإخلاء أي مستوطنات أخرى في الضفة الغربية، وستحافظ على السيطرة الكاملة على غور الأردن، وسوف يتم نزع سلاح «الدولة الفلسطينية» بالكامل.

وإذا بقيت «حماس» في السلطة في غزة، فستقوم الولايات المتحدة بجمع مليار دولار من دول الخليج لمشاريع البنية التحتية التي سوف تركز على إنشاء منطقة تجارة حرة في العريش، في صحراء سيناء. وستسهل مصر حركة العمال من غزة عبر معبر رفح، وستبقى القيود الإسرائيلية كما هي عليه.

وإذا كانت هذه النقاط دقيقة، فإن الخطة تعد مسارا كارثيا، ولن تكون انعكاساتها فقط في (إسرائيل) والضفة الغربية وغزة، بل في جميع أنحاء المنطقة.

فلسطين

وتشكل الخطة تهديدا مستترا للسلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها حركة فتح، وإذا تحركت خطط العريش إلى الأمام، فإنها ستزيد من الفصل بين غزة والضفة الغربية، ما يجعل إعادة التوحيد أكثر تعقيدا  ويتعزز هذا التهديد بشكل أكبر حال دعم مصر لهذا الجانب من الخطة أكثر من أي شيء آخر.

ويبدو أن الرسالة المصرية قد تم سماعها، ووفقا لمسؤول كبير في فتح في الضفة الغربية، وهو «يحيى رباح»، سوف تبدأ السلطة الفلسطينية في دفع رواتب موظفي غزة التي تعلقها، وأيضا، بالتنسيق مع مصر، سوف يتم استئناف محادثات المصالحة بين فتح وحماس بهدف إنعاش حكومة الوحدة الوطنية في غزة.

لكن سواء كان هناك تحرك نحو المصالحة أم لا، فإن بقية الخطة لا تجد الكثير من الدعم. وبغض النظر عن نوع الحوافز الاقتصادية التي تقدمها الولايات المتحدة وشركاؤها في الخليج العربي، لن يقبل الفلسطينيون باتفاق يترك (إسرائيل) تسيطر على حريتهم في التنقل من مركز سكاني إلى آخر، وتمنع نمو مدنهم. ولن يقبلوا بعاصمة في «أبو ديس» فقط لأنهم «مسموح لهم» بإعادة تسميتها «القدس»، ولن يقبلوا دولة زائفة ذات سيادة محدودة، ولن ينسوا ببساطة كل شيء عن ملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون خارج الضفة الغربية وغزة.

وسوف يرفض «عباس» الخطة. وكما توضح المقابلة التي أجريت مع «كوشنر»، فإن فريق «ترامب» لم يأتِ بخطة قد تقنع «عباس» بالعودة إلى الطاولة، ناهيك عن إمكانية قبولها. وعلى المدى القصير، سيرحب معظم الفلسطينيين برفضه، لكن على المدى البعيد، لن يؤدي ذلك إلا إلى التأكيد مرة أخرى على أن نهج «عباس» الخطابي وغير القتالي قد فشل. وسوف يشير «ترامب» ورئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» إلى موقف «عباس» بالتعنت، كما أنه من المحتمل أن يواجه بعض ردود الفعل غير الجيدة من السعوديين.

وسوف تحتاج حماس، لأنها أيضا سترفض الصفقة بلا شك، إلى إيجاد طريقة لمواصلة العمل مع مصر بعيدا عن تلك الخطة.

(إسرائيل)

ويبدو من الواضح أن الحكومة الإسرائيلية لم تكن متحمسة لخطة سلام «ترامب»، وذلك لسبب وجيه. فرغم استمرار علاقة الحب بين «نتنياهو» و«ترامب»، ورغم أن الوضع الراهن ليس مثاليا، لكنه يعمل بشكل جيد بالنسبة لمعظم الإسرائيليين، وبالتأكيد لصالح «نتنياهو».

ولا تمثل الاضطرابات في غزة أكثر من قصة إخبارية عارضة بالنسبة لمعظم الإسرائيليين. وتواصل السلطة الفلسطينية الحفاظ على الهدوء في الضفة الغربية، حيث كانت الهجمات المعزولة في الأشهر الأخيرة قليلة ومتباعدة. ويعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه الشديد من حرب «ترامب» التجارية، وانتهاكه للاتفاق النووي الإيراني، الأمر الذي يشغله عن القلق بشأن الاحتلال، وفي هذه الأثناء، تتحرك علاقات (إسرائيل) في الخليج ببطء، ولم تتأثر تحركاتها بالقرار الأمريكي بنقل واشنطن سفارتها إلى القدس.

وقد طغت القضايا الداخلية لـ«نتنياهو» على هذه الشروط، ولا تزال لائحة الاتهام بالفساد تلوح في الأفق. ولقد نجح رئيس الوزراء في الاستفادة من روسيا في إقناعها بضرورة إخراج إيران من سوريا. ولا يتأثر معظم الإسرائيليين بالانتقادات التي تلقتها حكومتهم بسبب تعاملها مع الاحتجاجات السلمية في غزة.

الأردن

وربما كان الجزء الأكثر إثارة للحيرة في الخطة المشاعة هو فكرة إعطاء السعودية دورا متزايدا في منطقة المسجد الأقصى، ولم يكن هذا الدور واضحا بما يكفي، لكن أي دور متزايد للسعودية يقلل من نفوذ الأردن. ويعد دور الأردن كحارس للأماكن المقدسة في القدس أحد أركان الشرعية الهاشمية المهتزّة بشكل متزايد، كما كان البند الرئيسي من معاهدة السلام مع (إسرائيل)، الأمر الذي سهل ترويج الاتفاقية بين الأردنيين.

وبالنظر إلى عدم الاستقرار الأخير في الأردن، والدور الذي تلعبه المملكة في الحفاظ على الوضع الراهن في القدس، فإن هذه النقطة تثير قلقا شديدا. وفي الواقع، قام «نتنياهو» برحلة مرتجلة إلى الأردن للقاء الملك «عبد الله الثاني». وكان مجرد عقد ذلك الاجتماع في عمان قرارا محفوفا بالمخاطر بالنسبة لـ «عبد الله»، حيث أن الاحتجاجات الأخيرة في غزة كثفت المشاعر المعادية لـ(إسرائيل) في الأردن، لكن مخاوف «عبدالله» دفعته للاجتماع مع «نتنياهو»، على ما يبدو للحصول على دعم رئيس الوزراء الإسرائيلي لموقفه.

ومن المرجح جدا أن يتدخل «نتنياهو» في هذه النقطة نيابة عن «عبد الله»، خاصة وأن الاتفاق سيشعل بالتأكيد غضبا كبيرا في أوساط السكان الفلسطينيين في الأردن. وقد يكون «ترامب» وفريقه أكثر ميلا إلى دعم مبادرات ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» عن مراعاة مخاوف الملك «عبدالله» لكنهم سيكونون أكثر ميلا للاستماع إلى «نتنياهو».

السعودية وقطر والإمارات

من السهل فهم دافع ولي العهد السعودي للحصول على موطئ قدم في القدس، فهي النقطة المركزية العربية الإسلامية الرئيسية التي تقع خارج نطاق السيطرة السعودية، لكن جلب هذا الجدل إلى خطة سلام مشحونة بالفعل يعد ببساطة درب من التهور.

وأحد الآثار المترتبة على خطة سلام «ترامب» هو إلقاء مبادرة السلام العربية لعام 2002، التي يتم اعتبارها كإنجاز دبلوماسي كبير للسعودية، إلى مزبلة التاريخ. وفي الواقع، وفقا لمصادر عربية، يبدو أن الملك السعودي «سلمان» وابنه ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» يختلفان حول هذه المسألة. وفي حين يعد «بن سلمان» من المؤيدين المتحمسين للخطة الأمريكية والفصل بين غزة والضفة الغربية، فإن والده قلق من الانتقادات التي قد يتلقاها إذا تخلى عن مبادئ مبادرة السلام السعودية عام 2002، عبر تقسيم «المشكلة الفلسطينية» إلى قسمين، والتخلي عن التمسك بالقدس الشرقية كعاصمة لفلسطين.

والسؤال هو ما إذا كان «بن سلمان» سيشعر بالخيانة إذا ألغت الولايات المتحدة هذا الجزء من الاقتراح، الأمر الذي قد يقلل من دعمه السياسي والمالي لبقية الخطة.

وتتطرق هذه القضية أيضا إلى النزاع المستمر بين دول مجلس التعاون الخليجي. ويريد «ترامب» مشاركة قطر في تمويل مشاريع غزة، بينما ترفض الإمارات مشاركتها. ومن المنطقي أن تظل قطر، إلى جانب مصر، لاعبا في غزة، إذا أرادت (إسرائيل) والولايات المتحدة الحد من أي احتمال بأن تقوم إيران بدور أكبر هناك.

ومع ذلك، لا يوافق السعوديون والإماراتيون على ذلك/ زمن الواضح أنهم غير مهتمين بإصلاح الصدع الذي استمر لمدة عام، وهم مهتمون جدا بإبعاد قطر من المعادلة، حيث عرضوا دفع مبالغ أكبر لمشاريع غزة؛ لتعويض دور القطريين.

مصر

ويوم الخميس الماضي، أصدرت مصر هذا البيان: «تدعم مصر جميع الجهود والمبادرات للتوصل إلى اتفاق شامل، على أساس القرارات الدولية التي صدرت في الماضي، وعلى أساس مبدأ حل الدولتين وفق حدود 1967، مع القدس الشرقية عاصمة لفلسطين».

ويبدو هذا البيان ضربة قوية لخطة «ترامب»، وتبدو مصر مسرورة بفكرة بعض الاستثمارات في منطقة التجارة الحرة، التي قد تساعد على تهدئة العنف في سيناء، وتخفيف الأوضاع في غزة، لكن يبدو أن الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي» يدرك أن هذا ليس بديلا عن الحل السياسي. ويتناقض البيان بوضوح مع أي خطة لعاصمة فلسطينية غير القدس الشرقية، ويرفض ضمنا أيضا السيطرة الإسرائيلية على غور الأردن.

ويعكس هذا الموقف الفصامي تجاه خطة «ترامب» الاختلافات العميقة حول الخطة. ويبدو أن الفصيل الذي يقوده «بن سلمان» لا يبالي بالتأكيد بمحنة الفلسطينيين، ويود العمل بشكل أوثق مع (إسرائيل)، ولا يتوق إلى الاختلاف مع «ترامب». لكن رؤساء مثل «السيسي» و«عبد الله»، يدركون مخاطر خطة تحاول فرض قرار من جانب واحد تهمش تماما الفلسطينيين.

ومثل الملك «سلمان»، لا يفضل «السيسي» ترسيخ الانقسام بين غزة والضفة الغربية، والذي يبدو أنه الاستراتيجية التي انبنت عليها هذه الخطة، وإقليميا، تعكس الخطة رغبات اليمين الإسرائيلي، لكن «نتنياهو» وحلفاءه تابعوا رؤيتهم للسيطرة على غور الأردن، والحفاظ على المستوطنات في كل مكان، وعزل غزة، في خطوات أصغر، ويحاول الأمريكيون تحريك العملية على نحو أسرع، غافلين عن المخاطر التي تنطوي عليها.

والنتيجة المثلى بعد طرح كل هذا هي أن يدفن ترامب هذه الخطة تحت التراب، ومن المنطقي ألا تستطيع مجموعة من يهود الولايات المتحدة من أقصى اليمين، الذين يدعمون المستوطنات الإسرائيلية وينظرون إلى حقوق الفلسطينيين بأدنى درجة من الاحترام، الإتيان بخطة قابلة للتطبيق. وما لم تكن التفاصيل المشاعة بعيدة عن الحقيقة، فلا يمكن لهذه الخطة أن تنجح على الإطلاق.

  كلمات مفتاحية

صفقة القرن خطة سلام ترامب الإمارات السعودية غزة