مستقبل المعارضة التركية عقب فوز اردوغان

الاثنين 2 يوليو 2018 07:07 ص

منذ أن جاء الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وحزب العدالة والتنمية التركي إلى سدة الحكم، في 2002 وإلى اليوم، وهو يتربع على سدة الحكم في تركيا، الأمر الذي لم تتمكن معه المعارضة التركية من إزاحته أو حتى مشاركته في حكومة ائتلاف.

ولعل من أسباب صمود اردوغان وحزبه، بالإضافة إلى سجله التنموي والاقتصادي، أنه حزب شاب جديد برؤى محافظة، وبخطاب يدمج بين الديني والقومي، ويثير في الأتراك حنينهم الكبير إلى ماضيهم الذي لا يبدو أن عشرات السنين أنستهم إياه، بالإضافة إلى اتصافه بالاعتدال وعدم تبني أيديولوجيا معادية للغرب.

في حين ترهلت المعارضة التركية، وأصابها الكثير من التشرذم، واكتهل قادتها دون أن يقدموا شيئاً مدهشاً للأتراك خلال السنوات الماضية، إن على مستوى الطروحات النظرية، أو على مستوى الأداء العملي، الأمر الذي فاقم مشكلتها وجعلها تتجرع مرارة الانتكاسات أمام الصعود القوي لحزب اردوغان.

وبعد فوز اردوغان وحزب العدالة والتنمية على المعارضة التركية ممثلة بحزبها التقليدي «حزب الشعب الجمهوري»، في الانتخابات الأخيرة، يتحتم على المعارضة إعادة ترتيب أوراقها خلال السنوات المقبلة.

ينبغي هنا أن نقرر أن أداء المعارضة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة كان الأفضل بالنسبة لها على مدار السباقات الانتخابية السابقة، وهو ما يعني أن أداء هذه المعارضة ربما يتحسن بشكل أكبر في السنوات المقبلة.

وقد حصل المرشح الأبرز للمعارضة محرم إنجي على نسبة 31.7 من أصوات الناخبين الأتراك، وهي أعلى نسبة لمرشح معارض منذ مجيء حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، فيما حصل تحالف المعارضة في الانتخابات النيابية على نسبة 34 في المئة من الأصوات.

ويعزو الكثير من المتابعين النسبة العالية التي تحصل عليها المرشح الرئاسي محرم إنجه إلى شخصيته القوية، والتي استطاعت فرض نفسها منافساً شرساً وعنيداً أمام اردوغان خلال فترة السجالات والمهرجانات الانتخابية، وهو ما قد يشير إلى طبيعة توجهات المعارضة في المستقبل.

ويعتمد وضع المعارضة على وضع حزبها الرئيس «الشعب الجمهوري» بزعامة كليتشدار أوغلو، والذي يبدو أنه قلق إزاء الشعبية المتزايدة لمحرم إنجه التي اكتسبها خلال جولات الصراع الانتخابي مع اردوغان، و«تحالف الجمهور»، المكون من حزب العدالة والتنمية والحركة القومية، في حين تشكل تحالف المعارضة الجديد من حزب الشعب والحزب الجيد وحزب السعادة، بالإضافة إلى «حزب الشعوب الديمقراطي» الموالي للأكراد، ضمن ما سمي بـ«تحالف الأمة».

ويذهب العديد من المعلقين الأتراك إلى أن كليتشدار أوغلو باقتراحه لاسم محرم إنجه منافساً لاردوغان، سعى لتحطيمه شعبياً أمام اردوغان، من أجل إبعاده عن منافسته على زعامة الحزب، وهو ما صب في صالح إنجي بعد الأداء المميز الذي قام به أثناء فترة المهرجانات الانتخابية.

والثلاثاء الماضي سرت داخل أروقة حزب الشعب الجمهوري همهمات عن إمكانية قيادة إنجه للحزب، نظراً لوجود تيار داخل الحزب يدعم هذا التوجه، وهو الأمر الذي لم يرق لزعيم الحزب كليتشدار أوغلو الذي هدد بأن «من يعشقون المناصب ويحاولون الآن انتقاد الحزب بسبب عدم حصولهم على المقاعد لن يكون لهم مكان في داخل الحزب».

وإذا كان وضع المعارضة التركية مرهوناً مستقبلاً بأداء حزبها الرئيسي، فإن وضع الحزب مرهون بالصراع الذي ربما يتفجر على قيادة الحزب بين إنجي وأوغلو. وإذا ما تقرر أن يتسلم إنجه قيادة الحزب فربما ينهض الحزب ومعه بقية أحزاب المعارضة من كبوتهم الانتخابية.

أما إذا استمر الصراع على قيادة الحزب بين إنجه وكليتشدار أوغلو فإن الحزب ومعه بقية أحزاب «تحالف الأمة» ربما يشهد المزيد من الانقسامات، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن أهم القواسم المشتركة لتحالف المعارضة تتمثل في مجرد «العداء لاردوغان»، الأمر الذي قد لا يعول عليه كثيراً في استمرار هذا التحالف، خاصة وأن حزب السعادة الإسلامي يعد أقرب فكرياً إلى حزب العدالة والتنمية، منه إلى حزب الشعب الجمهوري، ذي الخلفية الأتاتوركية.

وفي حين يمضي اردوغان وتحالفه بقوة بعد فوزهم في الانتخابات الرئاسية والتشريعية، تنوء أحزاب المعارضة التركية بتركة من الإحباطات تسبب بها جمود خطابها، وتقليدية أدائها، وماض من الحكم الفاسد المتحالف مع العسكر، والذي يمثل رصيداً قوياً يستغله اردوغان للانقضاض على معارضيه، الذين يتهمون بأنهم كانوا عوناً للجيش في معظم مراحله التي تدخل فيها للإطاحة بحكومات منتخبة.

ومع ذلك، يمكن القول إن أداء المعارضة مرتبط بشكل عضوي بأداء الحزب الحاكم وحلفائه، لأن المعارضة فيما يبدو بدأت تفتح عينيها على التكتيكات التي يجيدها أردوغان في دعاياته السياسية، وهو ما سيمكنها من النيل منه مستقبلاً، حال عدم تقديم اردوغان وحلفائه ما يقنع الناخبين الأتراك بضرورة الإبقاء على تصدره.

لا يمكن عند الحديث عن المعارضة التركية وحظوظها المستقبلية إغفال عوامل الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتطورات الأحداث في الجوار التركي (سوريا والعراق تحديداً)، ونوعية العلاقة مع الروس من جهة ومع الغرب (الولايات المتحدة وأوروبا) من جهة أخرى، حيث يؤثر ذلك على مجمل الخريطة السياسية والحزبية داخل تركيا، الأمر الذي يمكن أن يؤثر سلباً أو إيجاباً على أداء كل من «تحالف الجمهور» بزعامة اردوغان، و«تحالف الأمة» بزعامة كليتشدار أوغلو.

* د. محمد جميح كاتب وأكاديمي يمني.

المصدر | محمد جميح | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

تركيا المعارضة السياسية التركية محمد كوثراني