ما يحدث في درعا يرتطم بقوة شديدة بالأمن الوطني الأردني وبسيناريو مرعب ينتهي إلى عملية إزاحة سكانية كبيرة، وتغيير ديموغرافي كامل في جنوب سورية في حال بالفعل وصل عدد اللاجئين السوريين، كما تتوقع الأمم المتحدة، إلى 150 ألفا خلال أيام، وهنالك قراءة بأن العدد قد يصل إلى 400 ألف في حال استمرت الكارثة أكثر؛ أي أننا أمام ما يشبه عملية إحلال وإبدال في الجنوب السوري، وتغيير ديموغرافي!
ذلك كله لا يعفي الأردن من الدور الإنساني، الذي تحمله وحمله منذ بداية الثورة السورية، كما تذكرون، وكان الأردن ملجأ للقادمين من هناك. وهذا الدور -أي الإنساني- هو "العلامة المسجلة" للسياسة الأردنية في منطقة تعج بالكوارث والدموية واستنزاف إنسانية البشر وكرامتهم.
لكن -في المقابل- الأردن يحاول ديبلوماسيا اليوم أن يجنب سكان درعا وأهلها "السيناريو الكارثي":
السطر المحذوف والأكثر أهمية في قصة درعا هو أن سكان درعا تعرضوا لطعنة في الظهر من الإدارة الأمريكية والداعمين الإقليميين الذين تخلوا جميعا عنهم، وحدثت "صفقة" أمريكية-روسية فاجأت الأردن وسكان درعا، وكانت بمثابة الضوء الأخضر لروسيا والنظام السوري للقيام بحرب مفتوحة بلا أي رقيب أو رادع!
السطر المحذوف الثاني، أن الصفقة الأمريكية الروسية كان فيها طرف ثالث، وهو إسرائيل، التي عملت على عزل المعادلة الأمنية لها عن معادلة درعا والحدود الأردنية، وتوصلت إلى اتفاق حول التواجد الإيراني على حدودها، ثم بدأت تخطط حاليا لليوم التالي لسقوط المعارضة في درعا!
الأردن أدرك حجم التحول في الموقف الأمريكي والتغيرات الخطيرة التي تحدث، وعمل على محاولة تجنب هذه الكارثة التي لا أفق لها عبر سيناريو المصالحات، أو ما أطلق عليه تقرير "الأزمات الدولية" مفهوم "العودة الرقيقة".
ما يسعى إليه الأردن اليوم هو العودة إلى وقف إطلاق النار وتجنيب سكان درعا كارثة إنسانية كبيرة جدا، وهو لذلك يضغط بالفعل على المعارضة المسلحة ويفاوض الروس للوصول إلى تفاهمات لإيقاف عرض الفيلم البشع، الذي نعرف جميعا نهايته، كي لا نكرر سيناريوهات الغوطة الشرقية وداريا، وفي أحسن الأحوال حلب، عندما تخلى الأتراك عنها، فانتهت بعد شهور إلى خراب كامل!
لا يملك الأردن الدخول في مواجهة عسكرية مع الآلة الروسية. ومنذ البداية تجنب التورط عسكريا في الشأن السوري، وعمل على وضع درعا في مأمن مما حدث في مناطق أخرى. لكن موازين القوى تغيرت، والقوى الدولية والإقليمية سلمت درعا -بل سورية- عمليا للروس، والمعادلات التي حملت الجهود الأردنية سابقا انهارت.
لم يبق إلا التفكير في خيارات عقلانية واقعية لحماية المدنيين وحماية حقهم في البقاء في سورية ومنع تهجيرهم وطردهم من بلادهم، وهي مسؤولية الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، ومعهم الروس، ذلك هو "مفتاح" الموقف الأردني.
- د. محمد أبو رمان - كاتب أردني وباحث بمركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية