«فورين بوليسي»: لماذا لا يريد وزير الدفاع الأمريكي حربا مع إيران؟

الثلاثاء 3 يوليو 2018 08:07 ص

صحيح أن وزير الدفاع «جيمس ماتيس» طمأن مجلس الشيوخ في مايو/أيار الماضي أن الجيش الأمريكي مستعد لحرب مع إيران، في شهادة له أمام لجنة فرعية من المجلس، بعد يوم واحد من إعلان الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» أن الولايات المتحدة ستترك الاتفاق النووي الإيراني، لكن هذا لا يعني أن كبار القادة العسكريين الأمريكيين، بمن فيهم «ماتيس» نفسه، يريدون ذلك.

أما المسؤولون المدنيون في إدارة «ترامب»، الذين يعطيهم الرئيس أذنه، فهم مسألة أخرى.

إدارة «ترامب» مؤمنة بالحرب

يبقى الدليل الأوضح على ذلك أن مستشار الأمن القومي الجديد في الإدارة «جون بولتون»، جادل منذ فترة طويلة بأن الطريقة الوحيدة لضمان عدم حصول إيران على سلاح نووي هي فرض تغيير النظام على البلاد،من خلال قصفها.

وهو ليس الوحيد الذي يؤمن بذلك، فقد قام «بولتون» بتجريد مجلس الأمن القومي من المستشارين الأكثر اعتدالاً لسلفه، واستبدلهم لصالح متشددين، بما في ذلك «فريد فليتز»، وهو محلل سابق في وكالة الاستخبارات المركزية وموظف سابق لدى مركز فرانك جافني للسياسة الأمنية المتشدد والمعادي للمسلمين.

ويدعي «فليتز» أن أي شيء آخر غير اعتماد «خطة بولتون»، بإلغاء الاتفاق الإيراني والعمل من أجل تغيير النظام، يفتقر إلى «الوضوح الأخلاقي».

في الواقع، ذهب «بولتون» إلى أبعد من ذلك، كما فعل في مقالة افتتاحية في «نيويورك تايمز» عام 2015 بعنوان «لوقف قنبلة إيران اضرب إيران بقنبلة»، حيث حث الولايات المتحدة على مواجهة عسكرية مع طهران.

وقال: «الحقيقة المزعجة هي أن العمل العسكري فقط يمكنه أن يحقق ما هو مطلوب، مثل الهجوم الإسرائيلي عام 1981 على مفاعل صدام حسين في العراق أو تدميرها لمفاعل سوريا في 2007، الوقت قصير للغاية، لكن الضربة ما يزال بإمكانها أن تنجح».

لكن «ماتيس» على النقيض من ذلك، فهو يرى الأشياء بمنظور الشخص المسؤول عن القيام بالضربة.

هذا لا يعني أن «ماتيس» متسق مع قيادة إيران، فهو مثل العديد من المارينز الآخرين الذين يحملون ضغينة معادية لإيران تعود إلى تفجير ثكنات المارينز في بيروت في أكتوبر/تشرين الأول 1983، والذي خططت له طهران ودعمته وراح ضحيته 241 أمريكيا.

وعندما طُلب من «ماتيس»، خلال سنوات «باراك أوباما»، تسمية التهديدات الثلاثة العليا للأمن الأمريكي، قدم إجابة قصيرة ولكن واضحة: «إيران وإيران وإيران»، كما لم يتوقف عن دعوة إيران بأنها «قوة خبيثة».

لكن إدانة إيران والدفع إلى حرب معها هما شيئان مختلفان.

نقص جاهزية الجيش الأمريكي

في عام 2011، عندما عمل «ماتيس» رئيسا للقيادة المركزية الأمريكية، جلس بصمت أثناء مشاهدة عرض «باور بوينت» لإحاطة مفصّلة عن الكيفية التي خططت بها البحرية الأمريكية لضرب إيران بأعداد كبيرة من طائرات هورنيتس.

وفي أعقاب العرض فإنه عبر عن عدم اقتناعه وأمر بتقييم جديد، وقد ازداد قلق «ماتيس» في السنوات الأخيرة خاصة منذ أن أصبح وزيرًا للدفاع ومنذ تعيين «بولتون»، الذي تزامن وصوله إلى البيت الأبيض مع تهميش «ماتيس» في عملية صنع القرار للأمن القومي لدى إدارة «ترامب».

على الرغم من أن «ماتيس» سيحب مواجهة التأثير الخبيث لإيران، لكن مخاوفه بشأن الحرب ترتكز على تقييم وزارة الدفاع الأخير حول وضع طهران العسكري وكذلك تقييمه هو شخصيا.

ووفقًا لتقرير مركز الأبحاث «راند» لشهر ديسمبر/كانون الأول 2017، فإن صراعاً كبيراً مع إيران سيتطلب من الولايات المتحدة نشر 21 سربًا مقاتلاً للقوات الجوية، و5 أسراب قاذفة ثقيلة، و6 أسراب مقاتلة من سلاح مشاة البحرية، و18 غواصة هجومية، و4 ناقلات طائرات، ومجموعة من مركبات الذكاء والمراقبة والاستطلاع، و6 كتائب مشاة بحرية، و3 فرق قتالية من فرق لواء الجيش، وحشد من قوات العمليات الخاصة.

ناهيك عن مجموعة من الطائرات بدون طيار والأقمار الصناعية والطرادات وسفن مضادة للألغام، وسفن الإمداد وطائرات التزود بالوقود، وبطاريات أرض – جو.

بعبارة أخرى، تتطلب الحرب مع إيران من سلاح الجو الأمريكي (على سبيل المثال)، أن ينشر ما يقرب من نصف أسرابه المقاتلة (التي يبلغ عددها 55 إجمالاً) من أجل نزاع واحد.

وقال أحد ضباط القوات الجوية المتقاعدين: «لقد كنا في الجو وفي القتال منذ عام 1993، ولا يمكن التغاضي عن الاهتراء الذي أصابنا، كان الإيقاع ساحقاً».

هذا الادعاء في الواقع هو أقل ما يوصف به الوضع: فما يقرب من 30% من طائرات سلاح الجو ليست قادرة على أداء المهمات، كما تعاني من نقص في الطيارين المتمرسين بنحو 2000 شخص، وقد تدهورت قدرات طاقم الصيانة، وما ينطبق على القوة الجوية ينطبق على القوات الأخرى.

وفي عام 2016، اعترف نائب رئيس أركان الجيش «دانييل ألين» بأن ثلث قوته فقط تحظى «بمستويات مقبولة من الاستعداد».

وفي يناير/كانون الثاني من هذا العام، أعربت مجموعة من ضباط البحرية المؤثرة عن مخاوفهم أثناء رسم سيناريوهات استراتيجية تابعة لصالح مؤسسة «أميركان إنتربرايز»، قائلين إن «الجمع بين الالتزامات المستمرة وتناقص الموارد ربما يكون قد ترك الأسطول البحري صغيرًا جدًا وقديمًا للغاية، ومنهكاً جدًا لتنفيذ متطلبات مهمته».

وفي الوقت نفسه، في عام 2016، أفاد الجنرال «جون باكستون» أن نصف جميع وحدات مشاة البحرية الأمريكية كانت «تعاني من درجة معينة من العجز في الأفراد أو المعدات أو التدريب».

إيران لن تستسلم

على الرغم من هذا، فليس هناك شك في أنه في حالة حدوث أزمة؛ مثل استئناف إيران لبرنامجها النووي على سبيل المثال  فإن الولايات المتحدة لن تواجه مشكلة تذكر في تدمير جيش الجمهورية الإسلامية.

ووفق «روبرت فارلي»، خبير الأمن القومي في كلية باترسون للدبلوماسية والتجارة الدولية بجامعة كنتاكي فإنه «لا شك في أن الولايات المتحدة يمكنها تدمير البنية التحتية العسكرية والنووية لإيران، حيث ستتعرض قوتها البحرية والقوات الجوية لأضرار بالغة، على الرغم من دفاعاتهم الجوية، وبينما قد لا تكون واشنطن على تدمير قدرات الصواريخ الباليستية بشكل كامل، فإنه يمكن تحجميها بشكل كبير».

ويقول «فارلي» إن الحملة الجوية ستشمل مئات من الطائرات وستستهدف البنية التحتية النووية لإيران بالإضافة إلى القواعد الجوية، مع إعطاء الأولوية للمنشآت في فوردو الإيرانية.

ومع نهاية الحملة الجوية، ستكون قدرات إيران النووية والعسكرية مدمرة، لكن القلق بالنسبة لمخططي الحرب العسكريين الكبار هو أن نهاية الحملة الأمريكية لن تمثل نهاية الحرب، بل بدايتها.

وجادل الجنرال المتقاعد من الجيش «جيمس دوبيك»، وهو زميل بارز في معهد دراسات الحرب وأستاذ سابق في برنامج الدراسات الأمنية بجامعة جورجتاون (وأحد أكثر المفكرين الإستراتيجيين تطوراً في الجيش)، قائلاً بأن الصراع مع إيران لن يقتصر على الهجوم الأمريكي، أو رد إيران الفوري، وإن طهران لن تستسلم.

وأضاف: «القاعدة لم تستسلم، طالبان لم تستسلم، الأعداء لا يستسلمون، ولن يؤدي هذا النوع من الحملة الجوية التي يتصورها المخططون العسكريون الأمريكيون بالضرورة إلى انهيار حكومة طهران».

وهي الفكرة التي أيدها «فارلي»، قائلاً: «لا يوجد سبب للاعتقاد بأن حرباً على النمط العراقي ستؤدي إلى تغيير النظام في إيران»، وهكذا ففي حين أن الجيش الإيراني سوف يدمر بالهجوم الأمريكي، لكن حملة كهذه لن تؤدي إلا إلى تعميق وتوسيع الصراع.

ومن المحتمل أن يكون تشكيل وتنفيذ استراتيجية الخروج بعد الهجوم أصعب مهمة ستواجهها واشنطن، وفي حين أن غارة جوية كاسحة قد تنهي الحرب بالنسبة لأمريكا، فإنها لن تنهيها بالنسبة لإيران، حيث تعطيها قدراتها غير التقليدية أفضلية، ومن المرجح أن تسخدم الاغتيالات والهجمات من قبل «حزب الله» ضد (إسرائيل) وغيرها من الخيارات على مدى فترة طويلة من الزمن.

خسائر أمريكا قد تتفاقم

هذا السؤال، كما تبين، تم طرحه من قبل.

بعد انفجار شاحنة إرهابية في أبراج الخبر في السعودية في يونيو/حزيران 1996، والتي قتل فيها 19 من أفراد سلاح الجو الأمريكي وسعودي واحد، اجتمع فريق من المخططين الحربيين الأمريكيين رفيعي المستوى للتخطيط لحملة جوية واسعة النطاق تستهدف البنية التحتية العسكرية لإيران.

وبعد أسابيع قليلة من ذلك، أشار سلاح الجو إلى أنه ربما لا يستطيع ببساطة القيام بهذه المهمة، وهو التشككك الذي لا يزال مطروحا إلى اليوم.

في وقت سابق من هذا العام، انتشرت شائعات بين مراسلي الدفاع عن أن «ترامب» قد وضع أمر تقييد معلوماتي على البنتاغون، ووجه الجيش لإبقاء وجهات نظرهم حول قضايا الاستعداد ونقص الجاهزية لأنفسهم.

في الحقيقة، فإن القلق من أي صراع مستقبلي يذهب إلى أعمق من ذلك بكثير، ويقول عنه ضابط عسكري رفيع المستوى: «القلق الكامن في أنه بعد 17 عامًا من رشق الشرق الأوسط بالجثث، فإن الولايات المتحدة ليست أقرب إلى النصر على الإرهاب الآن أكثر مما كان عليه في 12 سبتمبر».

هذا يعزز الشكوك العسكرية بشأن الذهاب إلى الحرب مع إيران، والاعتقاد بأن الولايات المتحدة ستضيف المزيد إلى أكوام الجثث ليس إلا.

بالنسبة إلى «ماتيس» وأقرب مستشاريه، فإن رؤية «بولتون» المستعرضة للعضلات بأن الملالي في طهران سيمشون كالمجرمين أمام وسائل الإعلام لكي تلتقط لهم الصور، كما وعد مرة، لهي ضرب من الخيال.

وهو يعتقد أن التدهور المستمر في جاهزية القوة يمكن أن يعني أن الجيش الأمريكي يمكنه أن يخسر الحرب القادمة التي يُدعى إليها.

ويقول ضابط عسكري كبير ومؤثر تحدثت معه «فورين بوليسي» مستنكراً: «نخسر؟ نحن لن نخسر بأي حال من الأحوال»، لكنه بعد ذلك استدرك قائلاً: «ولكنك تعلم أننا قد لا نفوز أيضاً، ربما هذا نفس الشيء».

المصدر | مارك بيري - فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية

أمريكا ترامب إيران جون بولتون جيمس ماتيس