إسرائيل في مواجهة الخريطة

الجمعة 13 مارس 2015 03:03 ص

النظر إلى خريطة إسرائيل يمنح استنتاجات ربما تكون جوهرية في فهم المشهد العربي الدولي، وأزمة إسرائيل اليوم التي أظهرها خطاب نتانياهو أمام الكونغرس أكثر مما عالجها، كأن هذا التصفيق الدرامي المتكرر له في الكونغرس اعتراف بأزمة أميركا مع إسرائيل وأزمتها مع ذاتها.

يقول الروائي الإسرائيلي عاموس عوز: لقد تحولت إسرائيل إلى «غيتو» معزول، وهو ما كان الآباء يتمنون الخلاص منه، وأن يضعوه وراء ظهورهم إلى الأبد عندما أسسوا دولة إسرائيل. وإذا لم تقم دولتان فلسطينية وإسرائيلية، فسوف تكون هناك دولة واحدة، عربية، أو دكتاتورية يهودية تقمع الفلسطينيين واليهود المعارضين.

هناك أجزاء واسعة من لبنان ضمت إلى فلسطين التي صارت إسرائيل عام 1916، والمسرح التاريخي لـ «بني إسرائيل» لا ينطبق على الخريطة القائمة لها اليوم، فممالك إسرائيل داخلية لم تصل إلى الساحل ولا امتدت في الشمال.

عكا على سبيل المثال كانت عاصمة ولاية لبنان عقوداً طويلة، ولكن بريطانيا أرادتها دولة ساحلية لتكون قاعدة عسكرية، فمدت على شواطئ المتوسط التي لا علاقة تاريخية لها بها.

وكان يجب أن تظل الدولة/ القاعدة محدودة في قوتها واتساعها، حتى لا تكون أكبر من دورها المحدد. تركت الضفة الغربية في قلبها، ما يجعل عرضها في بعض الأحيان لا يزيد على 12 كيلومتراً، ولم يكن مخططاً أن تكون أم الرشراش/ إيلات جزءاً من إسرائيل. كان ذلك توسعاً يتجاوز الحدود المرسومة.

لم تتوسع إسرائيل في الفترة 1917 - 1948 سلمياً واستيطانياً في الأردن.

لماذا لم تقترب من الأردن على رغم قدرتها على ذلك وقد قمعت بريطانيا محاولة الاستيطان اليهودية في جرش الأردنية بقسوة وحزم؟

لماذا لم تتمدد إسرائيل سياسياً واقتصادياً وثقافياً في البلاد العربية على رغم أنها متفوقة عسكرياً على نحو حاسم؟

لماذا لم توظف انتصاراتها ومكاسبها العسكرية في مكاسب سياسية واقتصادية وثقافية؟

هل هي عاجزة عن الهيمنة أو التمدد؟ هل هي غير راغبة في ذلك؟

هل هو أمر محظور عليها من قبل القوى الراعية، الولايات المتحدة وأوروبا؟

ربما كان رابين يخطط لتحول تاريخي في إسرائيل: أن تتحول إلى جزء من المنطقة. دولة معتمدة على نفسها تنشئ علاقات جوار اقتصادية عادية مع الدول المجاورة ولا تظل قلعة معزولة، وكان هذا أيضاً حلم بيريز كما في كتابه «الشرق الأوسط الجديد». رابين تحدث بوضوح في إحدى زياراته الى عمان بعد توقيع المعاهدة الأردنية الإسرائيلية عام 1994 عن أننا (يقصد الأردن وإسرائيل) نملك فرصاً مهمة لنكون أمماً متقدمة، لدينا زراعة متقدمة، وكفاءات علمية متقدمة.

هل تجاوز رابين وبيريز في حلمهما هذا الدور الوظيفي المحدد لإسرائيل؟ اليوم تبدو إسرائيل فاقدة هويتها وبوصلتها. فالدور التاريخي الذي منحها أهمية خاصة يتعرض للشك. تتراجع أهمية إسرائيل بالنسبة إلى الولايات المتحدة وأوروبا، وهذا يفقد النخب الإسرائيلية اتجاهها وبوصلتها، ويتبع النخبة بطبيعة الحال الدولة والإسرائيليون أنفسهم. ولا بد أن الانتخابات النيابية التي تجري في إسرائيل تكشف هذا القلق الوجودي. أو لنقل التناقض بين الحلم الإسرائيلي والإستراتيجية الدولية.

لم يكن حلم النخبة اليهودية التي هاجرت إلى فلسطين وقاتلت من أجل إقامة إسرائيل أن تكون دولتهم قاعدة عسكرية للغرب. لم يهربوا من الغيتو لينشئوا غيتو آخر!

كانوا يظنون أنهم يتحالفون مع الغرب، وأنهم ساعدوا الحلفاء الأوروبيين مقابل مساعدتهم في إقامة دولة عادية لليهود والفلسطينيين معاً.

لم يكونوا يريدون عزلة جديدة ولا ان يظلوا في عداء جديد مع شعوب ودول كما كان حالهم في أوروبا، وكما كانوا مسكونين بإنهاء الاضطهاد والنبذ فإنهم لم يرغبوا في ممارسة الاضطهاد والنبذ، ولا يملكون مزاج الاحتلال، ليس في تكوين اليهود أن يحكموا شعوباً أخرى، فليس الاستعمار مجرد احتلال عسكري، ولكنه تكوين تاريخي نفسي وقيادي نحو الهيمنة والتأثير.

وهذا يفسر نجاح العرب والأوروبيين في الاحتلال والتوسع والتأثير، وفشل الأميركيين واليابانيين وعزوف الصينيين عن ممارسة دور عالمي.

إسرائيل والإسرائيليون اليوم في مواجهة مفترق طرق؛ مواصلة السياسات والإستراتيجيات القائمة التي تعني تدميراً للذات، أو مراجعة إستراتيجية تنشئ استقراراً قائماً على الاندماج، دولة ديموقراطية واحدة لليهود والفلسطينيين أو دولتين متجاورتين أو دولة واحدة دكتاتورية تحكم اليهود والفلسطينيين، ولكن المبادرات الإستراتيجية العظمى تحتاج إلى حروب وأحداث عظمى، وكما كانت الخريطة القائمة محصلة للحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية فلن تتغير هذه الخريطة إلا بحرب عالمية جديدة.

وبالطبع فإن الحروب والإستراتيجيات لا تنشأ بقرارات أو خطط محكمة مدبرة. ولكنها استجابات حتمية للتحولات والتغيرات. هل يمكن الاستجابة من غير حروب وتضحيات كبرى؟ نظرياً يمكن الإجابة بــ نعم، ولكن عملياً لايزال حدوث ذلك غير ممكن. إذ ثمة ميل غالب للاحتفاظ بالبنى السياسية والاجتماعية القائمة حتى مع الرغبة في الإصلاح والتكيف، وهو أمر مستحيل! 

 

* إبراهيم الغرايبة كاتب أردني

 

  كلمات مفتاحية

إسرائيل الخريطة غيتو لبنان فلسطين أزمة إسرائيل