هل تمثل سياسة احتواء السعودية لإيران عامل إلهاء لمواطنيها؟

السبت 7 يوليو 2018 01:07 ص

في حين كانت هناك دائما محاولات لتحليل الصراعات الجارية في الشرق الأوسط عبر عدسة العلاقة السعودية الإيرانية، فإن الوضع اليوم يختلف اختلافا كبيرا عما كان عليه في الماضي. وقد دفعت «رؤية 2030»، وهي مبادرة «محمد بن سلمان» لتنويع اقتصاد المملكة والإصلاح الاجتماعي، والسياسة الخارجية الجديدة التي يتبعها، والسوق العالمية المتغيرة، المملكة العربية السعودية نحو استراتيجية جديدة في مواجهة إيران. ومع ذلك، عند دراسة سلوك المملكة، لا يمكن للمرء إلا أن يلاحظ النمط الكامن وراء قراراتها التي تلمح إلى أهداف إضافية وراء سياسة احتواء إيران.

ويتمثل أحد الجوانب الهامة للنظرية التحليلية لتلك المواجهة في الأهمية التي يوليها التحليل للقضايا الداخلية عند شرح السياسة الخارجية للبلاد. وقد يحاول القادة، الذين يواجهون معارضة داخلية حول القضايا الاقتصادية والمجتمعية والسياسية، تحويل انتباه السكان من القضايا المحلية إلى الساحة الدولية عن طريق الحرب أو النزاع، والتي تمكنهم من البقاء سياسيا، مع الحفاظ على الاستقرار في الداخل في نفس الوقت. وتركز فرضية «كبش الفداء» هذه على دراسة السياسة الخارجية العدوانية من وجهة نظر القادة الذين يحاولون ترسيخ قوتهم السياسية الداخلية.

وتشهد المملكة حاليا أكبر تحول اجتماعي واقتصادي في العقود الماضية، في إطار «رؤية 2030». وترتبط الأسباب الرئيسية لهذه المبادرة بأولوية التنوع الاقتصادي، الذي تتحدث عنه الممكلة منذ سبعينيات القرن العشرين، ويتم تلخيص التحديات الاقتصادية هناك ببساطة على أنها تحديات هيكلية ناجمة عن الطبيعة الريعية غير المستدامة للاقتصاد السعودي. ولا يتطلب هذا فقط مجموعة كبيرة من التغييرات الاقتصادية، ولكن أيضا تغييرات في القواعد المجتمعية، المرتبطة في الغالب بالنسخة التي تمارسها المملكة من الإسلام. وفي حين أن رد الفعل الشعبي، مثل ذلك الذي حدث خلال الثورة الإيرانية عام 1979، أمر مستبعد إلى حد كبير، فإن التغيرات في المجتمع والسياسة قد تؤدي إلى درجات معينة من عدم الاستقرار.

وفي الواقع، يتسع تاريخ المعارضة القوية من الدوائر السعودية المحافظة على المواضيع الساخنة مثل حقوق المرأة. وبالتالي، فإن أحد أكبر التحديات التي تواجه القيادة السعودية الحالية هو تخفيف أي نوع من عدم الاستقرار الناجم عن أي غضب للمجموعات الاجتماعية الـ3 في المملكة، وهم رجال الدين والمواطنون والعائلة المالكة. ويعني هذا أنه إذا أراد «بن سلمان» الحفاظ على استقرار المملكة وتحويلها حسب «رؤية 2030»، فإن البلاد بحاجة إلى أن تكون قوية وموحدة في الداخل.

ولقد كتب الكثيرون عن الطبيعة الطائفية للنزاعات الحالية في الشرق الأوسط، وأدوات الحكومات لشل المعارضة القوية. وفي حين أنه غالبا ما نوقش دور المملكة خلال الربيع العربي في إطار العلاقات المرتبطة بالصراع الطائفي بين المملكة السنية والجمهورية الشيعية، إلا أن سلوكها الحالي غالبا ما يُساء تمثيله على أنه مدفوع بعاطفة سنية- شيعية بحتة. ويبدو أن المملكة، التي شرعت في سياسة احتواء عدوانية تجاه إيران من خلال الوكلاء في المنطقة، أقل اهتماما ببقية الجوانب المختلفة من الصراع. ويبدو المبدأ الموحد وراء سياستها، متمثلة في استهداف مختلف الجماعات، هو تعاطف المجموعة المستهدفة مع إيران، التي ترتبط في كثير من الأحيان بالتفضيل الطائفي. ومع ذلك، فإن التعاطف مع إيران أصبح بشكل متزايد منفصلا عن التنميط الطائفي «السنة مقابل الشيعة».

وتتقاتل السعودية وإيران في الوقت الحالي عبر وكلاء على جبهتين، اليمن وسوريا، بينما يقفان على طرفي نقيض في الخلاف الدبلوماسي القطري. وعلى الرغم من وجود جذور تعود إلى ربيع عام 2011، إلا أنه منذ عام 2016 قامت المملكة بقطع علاقاتها مع إيران، واتخذت موقف احتواء أكثر حزما، وكثفت لهجتها. وبعد العزلة الدولية، وتحت حظر الأسلحة من كل من الولايات المتحدة والأمم المتحدة (منذ عام 2006)، كانت إيران تفتقر إلى الضامن الأمني ​​الرئيسي، وهو الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في حالة السعودية.

ومن أجل التعويض عن هذا الضعف، تركز إيران على القدرات العسكرية غير المتماثلة؛ عبر توسيع شبكتها من الشركاء والانخراط عبر وكلاء من خلال ما يطلق عليه «محور المقاومة» (إيران وسوريا وحزب الله وحماس). ويمثل الرهان الإيراني عبر «محور المقاومة»، الذي يحول القتال إلى بلدان أخرى، ركنا مهما من الناحية الاستراتيجية، بالنظر إلى قدراته العسكرية التقليدية التي عفا عليها الزمن. وتسببت الحرب في اليمن في ضغوط مالية خطيرة على المملكة، نظرا لتكاليف القصف والتوغلات الأرضية ومليارات الدولارات من المساعدات الإنسانية المقدمة لليمن. وفي الواقع، دفعت الحرب المملكة إلى تخصيص أكثر من 25% من ميزانيتها الإجمالية للإنفاق العسكري، مما أثر في النهاية على احتياطياتها الأجنبية. وأجبر ارتفاع تكلفة التدخل، مصحوبا بانخفاض أسعار النفط، المملكة على بيع ما قيمته 1.2 مليار دولار من الأسهم في الأسهم الأوروبية. وفي الوقت نفسه، أعلنت المملكة عن استعدادها المتزايد لإرسال قوات إلى سوريا.

ويثير هذا التساؤل حول سبب قيام المملكة باستثمار هذا العدد الكبير من الموارد في صراعات متعددة في المنطقة، في الوقت الذي تمر فيه بتحولات عميقة وإصلاحات في الداخل. (يتطلب المشروع الطموح «رؤية 2030» ما لا يقل عن 4 تريليونات دولار من الاستثمار وفقا لشركة «ماكينزي» للاستشارات).

ورغم وجود أسباب مشروعة للمخاوف السعودية بشأن الأنشطة الإيرانية في المنطقة، إلا أن السياسة الخارجية الحالية للمملكة لا تبدو متناسبة مع التهديد، مع التلميح إلى أجندة خفية للتدخل العدواني. وتتعمد المملكة تفاقم التوتر مع إيران، في حين حاولت إيران تخفيف ذلك التوتر عن طريق اقتراح حوار مع المملكة. وتعكس هذه الاستراتيجية حالة الإصلاحات السياسية والاجتماعية الداخلية في المملكة.

وهكذا، تحاول المملكة إعادة تأكيد قيادتها في المنطقة، بينما توحد شعبها على الحرب ضد العدو المشترك، إيران. وتنخرط القيادة في لغة معادية تستحضر الخوف محليا، بينما تشتت الانتباه مؤقتا عن الإصلاحات المحلية التي تعطل المبادئ الاجتماعية التقليدية. لكن الوقت وحده سوف يكشف ما إذا كانت سياسة الخارجية سوف تتحول فعلا إلى حرب على الأرض.

  كلمات مفتاحية

احتواء إيران رؤية 2030 محمد بن سلمان حرب اليمن