عائلة فلسطينية تلتقي بتركيا بعد 17 عاما من الإبعاد

الجمعة 13 يوليو 2018 07:07 ص

بعد 17 عاما من الاعتقال والمطاردة والإبعاد، التأم شمل عائلة فلسطينية في تركيا، ليستطيع الفلسطيني «فهمي كنعان»، تقبيل يد والدته ورأسها أخيرا، رغما عن أنف المحتل وتسلطه حتى على العلاقات الإنسانية.

«فهمي كنعان» (47 عاما) فلسطيني أبعدته (إسرائيل) عن والدته لأكثر من 17 عاما، لتمتد معاناته عبر ثلاثة عقود، تخللتها 5 اعتقالات من قبل الجيش الإسرائيلي في الانتفاضة الأولى (1987 ـ 1993)، وتلت السجون مطاردة من قبل الجيش الإسرائيلي لنحو 6 سنوات.

وفي المرحلة الأخيرة من حياته في الضفة الغربية، تم حصار كنيسة المهد في بيت لحم بالضفة، حيث تحصن «فهمي» مع عشرات المقاومين الفلسطينيين لمدة 39 يوما، وعقب الحصار المفروض، وافقت السلطات الإسرائيلية بوساطات دولية وأوروبية، على إبعاد عشرات الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى قطاع غزة أو إلى خارج فلسطين، على أن يعودوا إلى الضفة خلال عام أو اثنين.

لكن (إسرائيل) تنكرت لوعودها، ولم توافق على إرجاع «فهمي» إلى الضفة الغربية، بل لم تسمح حتى لعائلته بزيارته في غزة المحاصرة، لكن مدينة إسطنبول التركية كانت مكان لقاء بين الأم ونجلها.

 

واضطر «فهمي» للسفر إلى تركيا قبل عام ونصف بهدف إكمال دراسته للحصول على درجة الدكتوراه، ومن ثم أحضر عائلته المكونة من 6 أطفال إلى تركيا.

وبتلك الخطوة، صار من الممكن أخيرا لـ«فهمي» أن يرى والدته بعيدا عن تسلط الاحتلال، إذ وصلت والدته إلى مطار أتاتورك بإسطنبول لتنهي غربة عن ابنها طالت على مدى أعوم مديدة.

وفي المطار، اتجهت أنظار جميع المتواجدين نحو الأم وابنها، ليتابعوا واحدا من أكثر المشاهد إنسانية، الدموع كانت سيدة الموقف، والعناق الحار والتمتمات هيمنت على تلك المساحة الصغيرة من المطار.

وفي أول كلماتها عقب اللقاء، قالت الحاجة «فتحية كنعان» (70 عاما): «الحمد لله على لقاء ابني، مضت سنوات كثيرة لم أقابله ولم أره فيها... كنت أتمنى أن أضمه إلي، وحجم اشتياقي له لا يوصف».

ولاحقا، قالت الحاجة «فتحية» عن تفاصيل معاناتها وحرمانها من ابنها قائلة: «إبعاد ابني عن الضفة الغربية أورثني معاناة كبيرة».

وأضافت: «قبل ذلك، وحين كان معتقلا في السجون الإسرائيلية، كنت أذهب لزيارته لوحدي، وكان حتى هذا الأمر يسبب مشقة لي، خصوصا أنه سجن خمس مرات، عدا عن ظروفي الصحية الناجمة عن آلام في القدم والظهر».

وتابعت: «عقب إبعاد ابني إلى قطاع غزة زادت المعاناة والتعب، وقالوا (السلطات الإسرائيلية) لنا إنه سيبعد من عام إلى اثنين فقط، لكنها طالت حتى 16 عاما.. كنا مشتاقين ومتلهفين أن يعود إلينا».

أبعد «فهمي» ليترك أما مكلومة وعائلة مشردة، «أحفادي تربوا في غزة» تتابع الحاجة «فتحية»، و«لم نستطع رؤيتهم، وما زلنا نعاني من قسوة الإبعاد».

وبذات النبرة الحزينة: «كنا نتمنى أن يبقى بيننا، وكانت لدينا نية أن نزوره مع والده، لكن زوجي توفي قبل عدة أشهر، ولم نستطع أن نجتمع سويا، ونتمنى من الله أن يلم الشمل ويجمعنا على خير».

ويقول «فهمي» إن تفاصيل رحلته في النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي بدأت «منذ الانتفاضة الأولى عام 1987 سجنت خمس مرات، معظمها كانت أحكاما إدارية».

وتابع: «تنقلت حينها في أكثر من 15 سجنا ومركز تحقيق إسرائيليا، وكانت والدتي تزورني في السجون الإسرائيلية الممتدة من الجنوب الفلسطيني المحتل إلى الشمال».

وتابع: «استمرت مطاردتي من قبل الاحتلال الإسرائيلي لأكثر من 6 سنوات، وأصبت خلالها مرتين، إحداهما في الاجتياح الإسرائيلي لبيت لحم، وبعد ذلك تم حصارنا في كنيسة المهد لنحو 39 يوما، قبل إبعادنا إلى قطاع غزة عام 2002».

الوعود الإسرائيلية بالعودة السريعة للضفة بعد عام واحد أو اثنين على أقصى تقدير تبخرت مع الأعوام الطويلة، 15 عاما قضاها «فهمي» في القطاع، ورفض الاحتلال الإسرائيلي طيلة تلك الفترة منح تصاريح لأقاربه في الضفة الغربية لزيارته، ليحرم بذلك من رؤية أهله.

ومع تلاشي آمال اللقاء على أرض الوطن، غادر «فهمي» غزة قبل عام ونصف متوجها إلى تركيا لإكمال دراسته.

وفي إسطنبول، كان اللقاء الذي وضع حدا لسنوات طويلة من الفراق والألم.

فرحة عارمة بدا أن الرجل عاجز عن وصفها بالكلمات، لافتا إلى أن حجم سعادته اليوم لا يشوبها سوى فقدان والده الذي كان يتمنى أن يكون موجودا أيضا، لكن المنية اختطفته قبل عدة أشهر.

رحلة كفاح طويلة تحفظ ابنته «إسراء» (13 عاما) تفاصيلها عن ظهر قلب، وهي التي واكبت بعض مراحلها.

وفي حديثها قالت إسراء: «ولدت في قطاع غزة، وواجهنا في حياتنا الكثير من الصعوبات جراء الحصار المفروض على غزة، كما أنه لم يكن لدينا أقارب بالقطاع».

وأضافت: «اتخذنا قرار الخروج من قطاع غزة، وجئنا إلى تركيا، وبدأنا بتأسيس حياتنا من جديد، والتحقنا أنا وإخوتي بالمدارس، ومضى علي في تركيا نحو عام واحد، واستطعنا خلاله تعلم اللغة التركية».

وختمت مبتسمة: «أمس، جاءت جدتي، وكانت تلك أول مرة ألتقيها فيها.. سعيدة أنا بذلك، وسعيدة لأن والدي التقى والدته بعد كل ذلك الزمن».

وفي 10 مايو/أيار 2002، أبعدت (إسرائيل) 39 مواطنا فلسطينيا احتموا داخل كنيسة المهد في بيت لحم، وفقا لاتفاقية فلسطينية إسرائيلية.

وتم إبعاد 13 منهم خارج فلسطين عن طريق مطار «بن غوريون»، قبل نقلهم إلى قبرص، ثم وزعوا على عدة دول أوروبية، فيما جرى إبعاد 26 آخرين إلى قطاع غزة بواسطة حافلات.

  كلمات مفتاحية

فهمي كنعان كنيسة المهد فتحية كنعان أتاتورك تركيا إسطنبول