«هَبّة تموز»: كيف جوّع الساسة الفاسدون العراق؟

الاثنين 16 يوليو 2018 05:07 ص

كرّر محلّلون كثيرون تعبير «ثورة الجياع» لتوصيف حركة الاحتجاجات الجماهيرية الكبيرة الجارية حالياً في العراق، وهو توصيف صحيح بالتأكيد لكنّه لا يقدّم تفسيرا لسبب جوع سكان أحد البلدان الأكثر غنى بالثروة النفطية في العالم.

كما لو أن هذا الجوع كارثة طبيعية مقدّرة على العراقيين الذين يحكمهم قدر مأساويّ، يتكرّر بطبعات مختلفة عبر التاريخ، فيحوّل البلاد إلى مناحة كبرى، منذ أسطورة (الإله تموز) ومقتله التراجيدي كل عام، مرورا بقرون الذكريات الكربلائية لمقتل الإمام الحسين، ووصولاً إلى هذه الفاجعة الكبرى التي تمتد من البصرة في الجنوب، مدينة حقول النفط الجائعة التي ابتدأت فيها التظاهرات، إلى الموصل في الشمال التي هدمتها الطائرات المغيرة على رؤوس ساكنيها.

المفارقة الكبرى التي تقدّمها انتفاضة العراقيين الأخيرة هي اعتبارهم مقارّ الأحزاب السياسية الدينية الشيعية، كالفضيلة والحكمة والدعوة، رموزا للمتسببين بأحوال الجوع والعطالة ونقص الخدمات التي يرزحون تحتها، باعتبارها مراكز الفساد المهول الذي يعمّ العراق، ومنابع الصراع على السلطة والمحاصصة، وهذا استفتاء واضح على رفض النظام السياسي القائم.

الأغرب من ذلك أن عناصر هذه الأحزاب، التي تحوّلت إلى ميليشيات مسلّحة وصارت مهامها تتركز على جمع النفوذ والسلطة والمال، لا تجد حرجا في إطلاق النار على المتظاهرين الذين تدّعي تمثيلهم في البرلمان، والنطق باسمهم في الحكومة.

فهي محصنة حين تنتهب مصالح العراقيين وتفقرهم وتصادر مستقبلهم وهي أيضا قادرة أيضا على سلبهم حياتهم لو حاولوا الاحتجاج عليها، في احتياز عجيب لسلطة القوّة التي هي خاصيّة الدول وأجهزتها الأمنية وليست مسؤولية الأحزاب السياسية..

وبذلك ترتكب هذه الأحزاب الجرائم السياسية والأمنية من دون أن تخشى عقابا لأن النظام السياسي الفاسد يؤمن لها الحماية، بل إن هذا النظام، وبدل أن يحاسب قطاع الطرق والفاسدين والمجرمين، فإنه يرفع من شأنهم ويسلمهم الوزارات والمناصب!

ومن العجيب أن تبعيّة هذه الأحزاب المباشرة أو غير المباشرة لدولة أجنبية، إيران، هي أحد أسباب الحصانة الكبرى التي تتمتع بها، ليس تجاه المواطنين البؤساء فقط، بل أيضاً تجاه سلطات الدولة نفسها.

فالدولة لا تستطيع أن تشتبك مع هذه الأحزاب المتطرّفة لأنها لا تستطيع أن تقاوم نفوذ طهران الكبير الذي يدير شؤون البلاد من وراء الكواليس، وأحيانا، حين الاضطرار، علناً وعلى رؤوس الأشهاد.

وكان ظريفا أن يردد علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، قبل أيام إن إيران لن تنسحب من البلاد إلا إذا طلبت منها حكومتها ذلك، كما لو أن الحكومة هي مالكة أمرها في علاقتها مع طهران.

للتغطية على الاعتداءات التي يتعرّض لها المنتفضون العراقيون ولإجهاض الانتفاضة الشعبية فقد قامت السلطات العراقية أمس بقطع وسائل الاتصال عبر الانترنت، وهو أسلوب بائس لسلطات بائسة.

ولتزداد المفارقة فقد كان رئيس الجمهورية، فؤاد معصوم، يحيّي الذكرى الستين لتأسيس الجمهورية العراقية، وذكرى ثورة 14 تموز 1958 قائلا إن تلك الثورة «رفضت سياسة المحاور» و«عززت الاستقلال الاقتصادي والمالي» وهي أهم مواطن خلل الدولة التي يرأسها.

لقد استنفد النظام السياسي العراقي الذي نشأ بعد احتلال أمريكا للعراق عام 2003 كل صلاحياته، كما استنفد كل مبرراته التي خلقها، من منع عودة حزب البعث، إلى محاربة الإرهاب.

لقد تحوّلت دعوة اجتثاث البعث إلى عملية انتقام كبرى طائفية لحواضر ومناطق الأنبار السنّية، وحين بدأت هذه المناطق ثورتها السلمية واعتصاماتها بالتناظر مع الثورات العربية، أطلقت أجهزة النظام الأمنية مئات من مقاتلي «القاعدة» السجناء، لوأد الحراك السلمي والمساهمة في خلق «بعبع» تنظيم «الدولة»، وصولا إلى ما لحق من دمار شامل للعراق.

هبة تموز هي عنوان اكتمال دورة الخراب في العراق وإعلان للأحزاب السياسية المجرمة بأن ترحل.

  كلمات مفتاحية

العراق هبة تموز الساسة الفاسدون محمد كوثراني