«بلومبرغ»: الشركات السعودية تكابد آلام إصلاحات «بن سلمان»

الخميس 19 يوليو 2018 11:07 ص

قبالة الشارع التجاري المزدحم الذي يمر وسط الرياض، يقع مطعم إيطالي يدعى «فوركيتا» فارغا يعلوه الغبار منذ عدة أشهر. وبعد أقل من عام من افتتاحه، تضرر الفرع بالتراجع الاقتصادي في المملكة العربية السعودية؛ مع انخفاض السيولة، وارتفاع البطالة إلى أعلى مستوى لها في أكثر من عقد من الزمان.

وعلى بعد بضعة أبواب، يبدو مقهى «كرافت» وكأنه مشهد مباشر من بروكلين أو بيروت، حيث تدخن النساء السجائر في الشرفة مع موسيقى البوب ​​الأمريكية في الخلفية. ويكلف كوب متوسط من الإسبرسو ما يعادل 2.90 دولارا، في حين أن سلطة الكينوا والبنجر تكلف 7.70 دولارا، وكان «فوركيتا» يحصل على 13 دولارا مقابل بيتزا «مارجريتا».

وتقول «وضحة الرشيد»، سيدة الأعمال البالغة من العمر 34 عاما، التي افتتحت المقهى في يوليو/تموز من العام الماضي، وأضافت فرعا ثانيا مؤخرا: «سوف يستمر الناس في طلب فنجان من القهوة، حتى عندما يكون الاقتصاد سيئا. نحن نخدم نوعا ما من الشباب المبدعين، وأعتقد أن هذا يخدمنا أيضا».

وأصبح التباين الصارخ بين الفشل والنجاح مشهدا مألوفا أكثر فأكثر في العاصمة السعودية، حيث تمر المملكة، التي يبلغ كامل عمرها 86 عاما، بأكبر اضطراب في تاريخها الحديث، في رحلتها لتبني نموذج للرأسمالية على النمط الغربي. ومنذ أن قلصت الحكومة الدعم وارتفعت التكاليف، يتحدد بقاء الشركات وفق تأقلمها مع تقلبات السوق.

ويشكو المديرون من أنهم لا يستطيعون مواكبة الأمور، حتى مع تراجع الدولة عن بعض التخفيضات في الإنفاق للحفاظ على نمو الاقتصاد، وأصبحت واجهات المحلات الشاغرة على الطريق الرئيسي في الرياض مشهدا مألوفا. وهناك حتما فائزين، مع بحث جيل الألفية الجديدة عن طرق للاستفادة من التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي هزت الدولة السلطوية المحافظة خلال العامين الماضيين.

وأكدت تصرفات ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان»، البالغ من العمر 32 عاما، أن المعارضة ليست خيارا، وقد تم الزج بأي شخص تم اعتباره معارضا للنظام الجديد، فضلا عن رجال الدين المستقلين، ومتهمين بالفساد من الأسرة المالكة، وراء القضبان. ويأمل بعض أصحاب الأعمال، دون جدوى، أن تعكس الحكومة مسارها، كما يقول «عبدالله الفوزان»، رئيس شركة «كي بي إم جي المحدودة».

التكيف أو الاختفاء

ويقول «الفوزان»، الذي تدرس شركته نشاط آلاف الشركات السعودية: «إما أن تتكيف أو تختفي. ولدفع الناس للتغير، يجب أن أصدمهم».

واندفاعا من انهيار أسعار النفط عام 2014، يحاول الحاكم الفعلي للمملكة تنويع الاقتصاد المعتمد على البترودولار، وإصلاح المالية العامة للدولة، مع توفير فرص عمل كافية لسكانه المتنامين. وبالنسبة للشركات، يعني هذا أن عصر العمالة الرخيصة والطاقة المدعومة والعقود الحكومية السهلة قد انتهى.

وقامت شركة مطاعم ومتنزهات الخليج، التي تدير شركة «فوركيتا»، إلى جانب العديد من سلاسل المطاعم الأخرى، بفصل 500 موظف في الأعوام القليلة الماضية، مما أدى إلى تقليص عدد العاملين لديها إلى 700 موظف، حسب قول مدير العمليات «رابح غسطين»، وأغلقت الشركة نحو 5 مطاعم، من بينها فرع جديد لـ«فوركيتا».

ويقول: «لم نشعر بالأزمة حتى منتصف عام 2017»، مضيفا أن المبيعات انخفضت بنسبة 20% إلى 25% في بعض المطاعم، مضيفا: «نحن بحاجة إلى وقف النزيف».

وتعتبر التحديات التي يواجهها المدراء مثل «غسطين» هائلة؛ وفي هذا العام وحده، رفعت الحكومة أسعار الكهرباء والبنزين، وأدخلت ضريبة القيمة المضافة، وطلبت من الشركات دفع رسوم إضافية على توظيف الأجانب، وكثير منهم يحصلون على رواتب أقل من السعوديين.

وقد غادر مئات الآلاف من العمال الأجانب البلاد، وتقلصت قاعدة العملاء، ليس فقط للمطاعم والمتاجر، ولكن أيضا للمدارس الخاصة وشركات الاتصالات السلكية واللاسلكية.

وقد توسع الاقتصاد بمعدل سنوي بلغ 1.2% في الربع الأول، بعد انكماشه بنسبة 0.9% في عام 2017، مدعوما بارتفاع أسعار النفط والإنفاق الحكومي على الأجور والمزايا الاجتماعية لتخفيف تأثير العلاج بالصدمة.

لكن رجال الأعمال يقولون إن الأمر قد يستغرق أعواما حتى يتعافى الاقتصاد تماما، وليس واضحا من سيكون لا يزال واقفا على قدميه عندما يستقر الغبار، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يتوسع الاقتصاد بنسبة 1.9% هذا العام، مع تسارع النمو تدريجيا إلى 2.3% بحلول عام 2023، وهذا أقل بكثير مما كان الوضع عليه خلال أعوام طفرة ارتفاع أسعار النفط.

سفينة كبيرة

وتقول «كارين يونج»، وهي باحثة مقيمة في معهد دول الخليج العربي في واشنطن: «الاقتصاد السعودي عبارة عن سفينة كبيرة، ولن يسير التحول بسهولة، ولن تكون موجة الشركات العصرية، مثل شاحنات الطعام وصالات الجمنازيوم النسائية، كافية لتحويل القطاع الخاص في المملكة؛ وما زلت أرى أن الدولة تعلب دورا أساسيا في تحديد الاتجاهات العامة للنشاط الاقتصادي».

وهناك خطر آخر يتمثل في أن الخطة ستوسع الفوارق بين الأغنياء والفقراء، وكذلك بين المحافظين والنخبة، وهناك بالفعل تذمر بشأن ارتفاع الأسعار، وتصل نسبة البطالة بين المواطنين السعوديين إلى 13%.

ويدرك «حمدي الزايم» مدى الحاجة إلى ثورة لضمان البقاء، وفي الـ31 من عمره، يشغل «الزايم» مدير تطوير الأعمال في شركة عائلته، شركة الخليج الدولية للمقاولات والعقارات، التي تتعامل في مواد ومعدات البناء.

وكان قطاع البناء واحدا من القطاعات الأكثر تضررا من الانكماش الاقتصادي، ومع كبح الدولة للإنفاق، انخفض تدفق العقود، وقام المسؤولون بتأخير سداد المدفوعات للمقاولين، الأمر الذي أدى إلى تعثر الشركات العملاقة أو انهيارها.

وكانت شركة «الزايم» هي الأخرى معرضة لخطر الإفلاس، ما دفعه لإصلاح استثمارات الشركة، وقام بمسح المشهد المحلي للحصول على فرص جديدة.

وقد استثمرت الشركة في شركة سويسرية تقوم بتجهيز أجهزة تحلية موفرة للطاقة، وتمكنت من إقناع شركة تحويل المياه المالحة في المملكة بالانتقال إلى التقنية الجديدة في أحد مصانعها، وفي المملكة القديمة، لم تكن الكفاءة ذات أولوية، إلا أنها الآن نقطة بيع فعالة.

ويعد الشباب السعوديون مثل «الزايم» حاسمين لخطة ولي العهد لإعادة تشكيل الاقتصاد، والتي يتضمن أيضا تخفيف القيود الاجتماعية للمملكة الإسلامية. وفي الأعوام القليلة الماضية، قللت الحكومة من سلطات الشرطة الدينية، وأنهت حظرا على قيادة النساء، وسمحت بدخول دور السينما، وفي حين أن الموسيقى نادرا ما كانت تُسمع في الأماكن العامة من قبل، ترعى الدولة اليوم الحفلات الموسيقية.

لكن الشباب يمثلون أيضا أكبر تحد للأمير، حيث إن نحو 70% من سكان السعودية، البالغ عددهم 21 مليون شخص، دون سن الـ35، ويدخل المزيد منهم سوق العمل يوما بعد يوم.

وبينما تحاول الحكومة التحكم في إنفاقها على الأجور، فإن عبء خلق الوظائف تم إلقاؤه على كاهل الشركات الخاصة والشركات الناشئة.

وفي كلية الأمير «محمد بن سلمان» الجديدة للإدارة وريادة الأعمال، على ساحل البحر الأحمر، يستعد الطلاب لاقتصاد لا يشبه تماما الاقتصاد الذي يعرفه آباؤهم.

واحد منهم، وهو «عبدالرحمن الساعاتي»، ترك وظيفته كطبيب لبدء شركة تدعى «مغامرات الساعاتي»، وهو سوري يبلغ من العمر 29 عاما ونشأ في جدة، ويخطط لتقديم جولات من المغامرات المليئة بدفعات الأدرينالين في البحر وفي الصحراء، وربما حتى في مجال القفز من السماء، في ظل الحماس الجديد الذي أبدته الحكومة للسياحة في محاولة لتنويع الاقتصاد.

وفي مقهى «درافت»، يجلس العشرات من العملاء على أرائك رمادية ناعمة، ويتسامرون عبر الشرفات المشمسة، وتتزين الأقداح المعروضة بشعارات حول حرية المرأة، ويبدو أن «الرشيد» تنشد بناء جزء من شعبية المقهى مستغلة التغيير الاجتماعي المنتشر.

أما بالنسبة إلى «فوركيتا» المغلق، فهنالك شركة جديدة تتحرك للاستحواذ عليه، وهو مطعم مصري يدعى «نايل بالاس».

وتقول «الرشيد»: «بسبب المكان الذي تتجه إليه السعودية الآن، والاتجاه الجديد وكل شيء، يكون الناس أكثر انفتاحا على أشياء جديدة».

المصدر | بلومبيرغ

  كلمات مفتاحية

الاقتصاد السعودي رؤية 2030 الانكماش الاقتصادي محمد بن سلمان

خسائر قياسية للشركات السعودية بالبورصة خلال نصف 2019 الأول