«و.بوست»: غلاء المعيشة يهدد عرش ديكتاتور مصر

الجمعة 20 يوليو 2018 02:07 ص

يواجه الرئيس المصري، «عبد الفتاح السيسي»، واحدا من أصعب التحديات منذ استيلائه على السلطة قبل 5 أعوام؛ حيث يؤثر ارتفاع الأسعار، المرتبط بتدابير التقشف الاقتصادي، سلبا على الموالين الأساسيين له من الطبقة الوسطى.

وبينما ينمو الاقتصاد، ويتلقى عبارات الاحتفاء من قبل المانحين الغربيين، يضغط برنامج «السيسي» للتقشف على طيف واسع من المصريين، ويشعل الانتقادات الحادة الموجهة لطريقته في الحكم.

وفي الأسابيع الأخيرة، أثارت زيادات تكاليف المعيشة غضبا شعبيا واسعا.

وأدت التخفيضات الحادة في الدعم إلى رفع أسعار الوقود وغاز الطهي والكهرباء.

 كما طبقت الحكومة ضريبة قيمة مضافة جديدة، فضلا عن النزيف المستمر في قيمة العملة المحلية.

وأثار رفع أسعار تذاكر مترو أنفاق، وسيلة المواصلات الأهم بالعاصمة، احتجاجات أيضا.

ولجأ الآلاف من المصريين إلى «تويتر»، وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي، للمطالبة برحيل «السيسي» عن منصبه، معربين عن إحباطاتهم تحت وسم «ارحل يا سيسي».

واعترف «السيسي» في خطابات بثها التلفزيون المصري، مؤخرا، بأن التغييرات الاقتصادية صعبة على السكان، رغم أنه أصر على أن البلاد تسير في الطريق الصحيح.

وقال، في خطاب ألقاه يوم 30 يونيو/حزيران، بمناسبة ذكرى الاحتجاجات التي أدت إلى استيلائه على السلطة في انقلاب عسكري: «يبقى طريق الإصلاح الحقيقي صعبا وقاسيا، ويسبب الكثير من المعاناة. لكن ما من شك في أن المعاناة الناجمة عن غياب الإصلاح ستكون أسوأ بكثير».

وفي مقابل الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وافق «السيسي» عام 2016 على سلسلة من إجراءات التقشف. وشمل ذلك خفض الدعم الحكومي للوقود والمنتجات والخدمات الأخرى، وكذلك تحرير سعر الجنية أمام العملات الأجنبية، في نوفمبر/تشرين الثاني من ذلك العام؛ ما أدى إلى فقدان العملة المحلية أكثر من نصف قيمتها.

وفي الأسبوع الماضي، أشاد صندوق النقد الدولي بجهود مصر في الإصلاح؛ حيث أشار إلى أن النمو الاقتصادي سيصل إلى 5.2% هذا العام، و5.5% في العام المقبل.

إحباطات وأحلام مؤجلة

لكن إجراءات التقشف رافقها ارتفاع كبير في أسعار السلع والخدمات، في وقت لا تزال فيه نسب الفقر والبطالة مرتفعة.

وبالنسبة للمصريين الذين عانوا طويلا -مثل «نانسي عطية»- تظهر آثار التضخم في صورة إحباطات وأحلام يومية مؤجلة.

إذ أجلت «نانسي» ليلة زفافها، ولم يكن ذلك بسبب مرض أو توترات اللحظة الأخيرة، لكن بسبب ارتفاع الأسعار.

وفي مصر، يفرض التقليد أن يعيش الزوجان معا في منزل خاص بهما بعد الزواج، لكن هذا الترتيب أصبح غير محتمل بشكل متزايد.

تقول «نانسي» (33 عاما)، وهي صحفية عاطلة عن العمل: «تضاعفت أسعار إيجار الشقق والأثاث والأجهزة الإلكترونية، ووصلت أكثر من الضعف في كثير من الأشياء».

وتضيف: «كل خطوة صغيرة تقربنا إلى حلمنا الجميل أصبحت أصعب وأصعب. ويبدو الزواج الآن حلما بعيد المنال. ولا يمكننا حتى تحديد موعد للزفاف».

«خالد الشربيني» يشتكي، أيضا، من أن انخفاض قيمة الجنيه المصري سبب أزمة للشركة السياحية التي يديرها.

فبينما أدى فقدان الجنية لأكثر من نصف قيمته إلى خفض تكلفة الرحلة بالنسبة للسياح الأجانب الذين يزورون مصر، فإن الكثير من أعمال «الشربيني» كانت تعتمد على المصريين الذين يسافرون خارج البلاد لقضاء العطلات وشهر العسل في الخارج.

ويقول إن الكثيرين من المصريين لم يعودوا قادرين على تحمل تكلفة هذه الرحلات.

وفي الوقت نفسه، يشتكي «الشربيني» من ارتفاع الضرائب وأسعار الخدمات.

ولكي يدفع رواتب موظفيه، اضطر إلى بيع سيارته الجديدة وشراء أخرى مستعملة بدلا منها.

يقول الشربيني»: «لقد ساءت الأمور أكثر فأكثر. تلقيت رسائل إلكترونية من العديد من شركات الطيران تقول لنا إنها ستزيد الأسعار أكثر من ذلك. لقد تضاعفت رسوم الوقود على تذاكر الطيران؛ ما أدى إلى زيادة مجنونة في الأسعار. لذا، توقف الناس عن السفر».

والآن -كما يقول الرجل- يبحث عن بداية جديدة، كما يخطط لبيع شركته والانتقال إلى كندا.

وانحسر اقتصاد مصر بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، التي أطاحت بالرئيس «حسني مبارك»، ومهدت الطريق لأول رئيس مدني منتخب في البلاد، وهو «محمد مرسي»، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، التي باتت محظورة الآن.

وفي عام 2013، قاد «السيسي» انقلابا عسكريا ضد «مرسي»؛ ما أدى إلى احتجاجات قامت الشرطة بقمعها.

وبقي المستثمرون والسائحون بعيدا لوقت طويل.

وورث «السيسي» -الذي تم انتخابه رئيسا بعد عام من الانقلاب- أزمة اقتصادية حادة.

وأطلق الرئيس الجديد، الذي بدأ ولاية رئاسية ثانية في يونيو/حزيران الماضي، بعد انسحاب خصومه الرئيسيين بسبب الخوف والترهيب وأسباب أخرى، العديد من مشاريع البنية التحتية الكبرى، بما في ذلك الطرق الجديدة ومشاريع للبنية التحتية. 

ويقول منتقدوه إن الأموال التي تم إنفاقها على الاستثمارات الكبيرة، مثل تطوير تفريعة جديدة لقناة السويس، كان يمكن استخدامها لتخفيف المعاناة الاقتصادية.

وتكافح «نورة جلال» (26 عاما) للإبقاء على مصنع ملابسها الصغير، الذي يعتمد في الغالب على نساء من عائلات فقيرة.

وفي الأشهر الأخيرة، شهدت أسعار الأقمشة والمواد الخام الأخرى ارتفاعا كبيرا.

لكن «نورة» تخشى من رفع أسعار منتجاتها لأن ذلك قد يكلفها فقدان زبائنها.

كما قالت إنها ترغب في زيادة رواتب موظفيها، لكنها لا تعرف كيف ستتحمل ذلك.

وقالت: «بصفتي مالكة شركة صغيرة، ألاحظ أن الأسعار ترتفع بشكل ربع سنوي، ولا يمكننا مواكبة ذلك».

وأغلق مالكو شركات صغيرة أخرى أعمالهم.

فـ«عمر أبو زيد» (27 عاما) اعتاد بيع مستلزمات الكمبيوتر والإلكترونيات.

لكن في كل مرة يبيع فيها منتجا، كان يشتري بديله بسعر أعلى، وهو أمر غير مقبول ولا يمكن تحمله.

وقال «أبوزيد»: «قررت تغيير مهنتي، أو العمل لدى شركة أخرى».

وقال بعض المصريين من الطبقة الوسطى إنهم يفكرون في إخراج أطفالهم من المدارس الخاصة، والاعتماد على نظام التعليم المنزلي لتوفير المال.

وقالت امرأة تعمل معالجة تخاطب، وأم لطفلين في سن الدراسة، تبلغ من العمر 35 عاما: «أصبحت الأمور هذا العام أصعب وأصعب. يستحق الأطفال حياة أفضل، وهذا هو السبب في أنني أحاول تغيير الخطط والتفكير خارج الصندوق».

وطلبت المرأة عدم الكشف عن هويتها لأن زوجها لا يعرف خططها لمتابعة التعليم المنزلي مع أطفالها.

واستعدادا للزواج، أخذت «نانسي» قرضا مصرفيا، وبدأت في التسوق لشراء الأثاث.

وكانت تضع عينيها على غرفة معيشة، لكنها رفضت شراءها عندما علمت أن سعرها تضاعف عن العام الماضي.

وارتفع سعر السجاد بنحو 10 أضعاف، لذلك خرج ذلك تماما من قائمتها.

وتمكنت من شراء بعض العناصر، لكن سرعان ما توقفت عن استكمال باقي الاحتياجات بفعل ارتفاع الأسعار.

تقول «نانسي»: «كل ما حلمنا به هو منزل صغير نعيش فيه. لكن مع مرور الوقت وارتفاع الأسعار، نتخلى عن هذا الحلم شيئا فشيئا».

  كلمات مفتاحية

عبد الفتاح السيسي الاقتصاد المصري التضخم ارتفاع الأسعار

الإمارات الأولى عربيا بمؤشر غلاء المعيشة.. وقطر الثانية

وهم تحسن جودة المعيشة في مصر "لعبة إعلامية"