«ناشيونال إنترست»: على أمريكا أن تخشى انهيار النظام المصري

الأحد 22 يوليو 2018 10:07 ص

في حين يتركز معظم الاهتمام بالمنافسة الأمريكية الروسية في الشرق الأوسط على سوريا وإيران، حاول الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» أن يتوجه في مساره الخاص إلى مصر. وتقدم الكثير من التحليلات صورة مقلقة حول أن الولايات المتحدة على وشك فقدان مصر لصالح روسيا.

ولقد سمعنا هذا الحديث من قبل، وعادة ما يتم التعبير عنه من قبل أولئك الذين يعارضون إرفاق أي شروط بالمساعدة العسكرية الأمريكية لمصر.

ويحذر هؤلاء من أن الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي» لم يعد يعتقد أنه يستطيع الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة؛ بسبب التوترات الثنائية في الأعوام الأخيرة، ثم تحذر النظرية من أن القاهرة تتجه إلى روسيا، مع احتمال أن يحرم ذلك أمريكا من حليف إقليمي حيوي.

وتكمن وجاهة هذه النظرية في أن «السيسي» يحاول على ما يبدو إحياء لعبة الحرب الباردة المتمثلة في وضع الولايات المتحدة وروسيا في مواجهة بعضها البعض.

ويبدو أنه معجب بصداقة «بوتين» كصفقة جيدة، لأنهما ضابطا استخبارات سابقين. لكن لدينا شكوك حول ما إذا كانت المؤسسة العسكرية المصرية مستعدة فعلا للتحول من التحالف مع الغرب إلى روسيا، ونتساءل أيضا عما إذا كانت مصر حليفا عسكريا للولايات المتحدة كما كانت في السابق.

ويجب أن يتم النظر إلى وتيرة التعاون المصري الروسي في الأعوام الأخيرة في سياق أوسع بكثير من المثلث الأمريكي الروسي المصري. فمصر لا تسعى لاستبدال الولايات المتحدة، بل لاستكمال الدائرة بدعم روسي.

علاوة على ذلك، سعت مصر في مرحلة ما بعد الثورة إلى العودة إلى سياسة خارجية أكثر استقلالية، وتبني مبدأ الاستفادة المتبادلة. ويحدث هذا باستمرار بين مصر ورعاتها السعوديين والإماراتيين، وكان هذا أيضا هو نهج «جمال عبدالناصر» قبل تحالفه مع الاتحاد السوفييتي في أعقاب العدوان الثلاثي عام 1956. ولا تريد مصر الاعتماد على روسيا أكثر مما تريد أن تعتمد على الولايات المتحدة والدليل على ذلك هو سعى «السيسي» لتوسيع العلاقات الدفاعية والتجارية مع ألمانيا وفرنسا على نحو شبيه لروسيا.

حقيقة التعاون المصري الروسي

وفي خضم موجة الزيارات والزيارات الثنائية، من السهل أيضا المبالغة في تقدير ما تقدمه روسيا لمصر. فالقروض الروسية، التي يجب على مصر سدادها في نهاية المطاف، ليست بديلا عن المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة، وروسيا ليست في نفس وضع الولايات المتحدة لتسهيل دخول مصر إلى العواصم الأوروبية والمؤسسات المالية الدولية. وما تحتاجه مصر هو الاستثمار الخاص والكثير منه، وهو أمر لا يستطيع «بوتين» توفيره. بالإضافة إلى ذلك، ليس من السهل تبديل أنظمة التشغيل العسكرية، خاصة بعد 4 عقود من اعتماد مصر على المعدات الأمريكية والتدريب في جميع المجالات، باستثناء الدفاع الصاروخي.

كما أن «بوتين» لم يكن داعما غير مشروط لـ«السيسي» كما قد يوحي البعض، كما أن «السيسي» لم يرحب بكل مبادرات «بوتين». ويعارض «بوتين» استعادة جميع الرحلات التجارية الروسية إلى مصر، التي تم قطعها منذ التفجير الكارثي في ​​أكتوبر/تشرين الأول 2015 للطائرة الروسية التي كانت تغادر شرم الشيخ.

ووافق «بوتين» مؤخرا على السماح بالرحلات الجوية إلى القاهرة، ولكن لم يوافق بعد على عودة الرحلات إلى مطارات شاطئ البحر الأحمر، والتي كانت عامل الجذب الرئيسي للسياح الروس، الذين اعتادوا السفر إلى مصر بأعداد كبيرة.

ومن جانبه، يبدو أن «السيسي» متمسك بتأجيل طلب روسي للوصول إلى المطارات العسكرية المصرية، ربما لأنه من شأنه أن يعرض علاقاته بالجيش الأمريكي للخطر.

ولكن ماذا لو انهارت العلاقة العسكرية بين الولايات المتحدة ومصر لأي سبب من الأسباب، وإمكانية أن يسعى «السيسي» لتعويض ذلك عن طريق التحالف الصريح مع روسيا. على السطح، سيبدو هذا بمثابة تراجع آخر للولايات المتحدة من موقعها المهيمن في المنطقة. لكن على المستوى العملي، سيكون التأثير على المصالح الأمريكية أقل بكثير مما كان سيحدث في السابق.

تآكل الدولة المصرية

وبسبب أعوام من التآكل الداخلي للدولة المصرية، فقد أصبحت أقل فاعلية إقليميا مما كانت عليه منذ عدة عقود، وكان جيشها انعكاسا ضعيفا للقوة التي سوقت نفسها بشكل جيد عام 1973.

وأصبحت الجيوش الأردنية والإماراتية على سبيل المثال، الآن أكثر قدرة على إظهار القوة داخل المنطقة، وهي أكثر قابلية للتشغيل المتبادل مع القوات الأمريكية من المصريين. وباستثناء ليبيا، التي هي أكثر أهمية بالنسبة إلى مصالح أوروبا من المصالح الأمريكية، كانت مصر غير راغبة في نشر قواتها في الخارج.

وتحولت القوة في المنطقة إلى الخليج، حيث أصبح النفوذ الاقتصادي ذا أهمية متزايدة، في حين أن معظم الدول العربية لم تعد في نطاق النفوذ المصري.

وبينما يبدو أن إدارة «ترامب» تعتقد أن مصر هي مفتاح السلام الإسرائيلي الفلسطيني، فليس من المرجح أن يخرج أي من رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» أو رئيس السلطة الفلسطينية «محمود عباس» عن الخطوط الحمراء المعلنة لتلبية طلبات «السيسي».

وأصبحت معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية مبنية على أسس متينة، وكما أن العلاقات الثنائية الدافئة على المستوى الرسمي، والباردة على المستوى الشعبي، لم تعد تعتمد على التحفيز أو الإدارة الأمريكية.

ومن المرجح أن تواصل مصر السماح للسفن الأمريكية بالوصول إلى قناة السويس. وتحرم مصر الطائرات العسكرية الأمريكية من حقوق التحليق والهبوط، لكن ذلك أقل قيمة بكثير مما كانت عليه في السابق؛ حيث تواصل الولايات المتحدة ترسيخ موقعها في قطر.

كما يمكن لموقف الدول العربية الأكثر استرخاء تجاه (إسرائيل) أن يفتح طرقا جديدة للطائرات المدنية والعسكرية على حد سواء. وأخيرا، من الصعب تقييم القيمة الصافية للتعاون المصري في مكافحة الإرهاب مع واشنطن، لكننا نعلم أن السياسات المصرية، بطريقة أو أخرى، تجعل مشكلة الإرهاب أسوأ، ومن مصلحة النظام في القاهرة الحفاظ على نهجه الخاص، بغض النظر عن حالة العلاقات مع الولايات المتحدة.

وليس الخطر الحقيقي بالنسبة للولايات المتحدة أنها قد تفقد مصر، لكن هذه الدولة التي يبلغ عدد سكانها 100 مليون قد تغرق في لحظة، أو حتى قد تفشل الدولة بسبب سوء الحكم، والنمو السكاني السريع، والهشاشة الاقتصادية. وسيكون ذلك مؤسفا، لأن مصر القوية قد تكون مصدرا مهما للاستقرار في الشرق الأوسط. لكن التنافس مع موسكو من أجل ولاء مصر لن ينعكس على الأوضاع الداخلية السيئة البلاد. وفي الواقع، من خلال إرضاء «السيسي» وسياساته المضللة خوفا من أن يتحول إلى روسيا، فإن الولايات المتحدة ستزيد من احتمال تحقيق مثل هذه النتائج المظلمة فقط. ولم تعد مصر جائزة استراتيجية للولايات المتحدة أو روسيا للفوز بها، بل هو تحدٍ يجب أن يدار من خلال الحرص والدبلوماسية الحاسمة.

المصدر | ناشيونال انترست

  كلمات مفتاحية

الاستقرار الإقليمي مصر عبد الفتاح السيسي معاهدة السلام النفوذ الإقليمي