«ستراتفور»: فك رموز حرب الخطابات بين أمريكا وإيران

الأربعاء 25 يوليو 2018 10:07 ص

مع تقدم البيت الأبيض في سياسة العقوبات «بأقصى قدر من الضغط» ضد إيران، تبرز التهديدات بالحرب وتغيير النظام.

وفي رسالة قصيرة غير حذرة، في وقت متأخر من 22 يوليو/تموز، حذر الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» إيران من أنها «ستعاني من عواقب لم يعان منها الكثيرون على مر التاريخ»، إذا استمرت في تهديد الولايات المتحدة.

وردد مستشار الأمن القومي الأمريكي «جون بولتون» تهديد «ترامب» في صباح اليوم التالي، قائلا إن إيران «ستدفع ثمنا لم تدفعه عبر التاريخ سوى عدد قليل من الدول».

وفي هذه الأثناء، تولى وزير الخارجية الأمريكي، «مايك بومبيو»، زمام الحديث عن تغيير النظام.

ففي خطاب ألقاه يوم22 يوليو/تموز، أمام جمهور أمريكي من أصل إيراني في لوس أنجلوس، حذر «بومبيو» من «رجال الدين المنافقين، الذين جمعوا كميات هائلة من الثروات بينما تركوا شعوبهم تتألم».

وأرفق تصريحاته بتغريدات موجهة للشعب الإيراني باللغة الفارسية، معربا عن تضامن أمريكي معهم ضد «40 عاما من الاستبداد».

مراجعة خطاب «ترامب» ضد إيران

وحتى الآن، يتناسب الخطاب الهجومي على إيران تماما مع استراتيجية البيت الأبيض التي شملت حملة ضغط قصوى، وهي حملة تتضمن التخلي عن خطة العمل الشاملة المشتركة (الخاصة بالاتفاق النووي)، وإعادة فرض كل العقوبات على إيران، والتملص من الإعفاءات التي يطلبها شركاء إيران التجاريين، في الوقت الذي تهدد فيه الإدارة الأمريكية بعمل عسكري؛ الأمر الذي قد يدفع الحكومة الإيرانية في النهاية إلى طاولة المفاوضات للقبول باتفاق نووي معدل تضع شروطه واشنطن.

وبعيدا عن تلك النتيجة المشكوك فيها إلى حد كبير؛ فعلى الأقل خلال فترة رئاسة «ترامب»، كان البيت الأبيض منفتحا بشكل ملحوظ على نيته استخدام مزيج من الاضطراب الاقتصادي، وجهود الدعاية، والنشاط السري المحتمل بالتعاون مع (إسرائيل) والسعودية لتهيئة الظروف الملائمة لتغيير النظام في إيران.

والنتيجة الأخيرة تبدو أيضا بعيدة المنال.

بالفعل، يعاني الاقتصاد الإيراني من ضغوط هائلة، وسيتضاعف هذا الألم عندما تعود العقوبات الأمريكية في أغسطس/آب ونوفمبر/تشرين الثاني المقبلين.

ومن وجهة نظر البيت الأبيض، كانت الاحتجاجات الواسعة في بداية العام في المناطق الريفية الفقيرة من إيران، إلى جانب المظاهرات الأخيرة في طهران بين طبقة التجار، علامات على وجود إمكانات ثورية.

لكن يبقى أن نرى ما إذا كانت القوى التي تقف وراء تلك الاحتجاجات قد تتقارب لتشكل ما يصل إلى حركة جماهيرية، خاصة أن الحرب الأمريكية توفر للنظام وقودا وافرا لحشد شعبه ضد قوات العدو وتبرير المد المتصاعد من حملات القمع.

ولا تترك سياسة «ترامب» في إيران مساحة للتعامل مع القيادة الإيرانية، وهذا بدوره لا يترك مجالا للتفاوض، على الأقل مع الإدارة الأمريكية الحالية.

ورغم أن الرئيس الإيراني «حسن روحاني» ينتمي إلى فصيل أكثر براغماتية، وله سجل مؤكد في التعامل مع الغرب، والوقوف ضد معارضيه المحافظين، إلا أن تحرك البيت الأبيض لإعادة تصنيع مواجهة مع طهران أضعف موقف «روحاني»؛ الأمر الذي يضطره لتبني موقف أكثر تشددا ربما من منافسيه.

وفي الوقت الذي تسعى فيه وسائل الإعلام المحافظة في إيران بشكل روتيني إلى تشويه سمعة رئيسهم المعتدل، فإن وسائل الإعلام المتشددة نفسها تمدح «روحاني» منذ أن انضم مؤخرا إلى التهديدات بمنع صادرات النفط عبر مضيق هرمز، حتى أن أحد هذه المنافذ أشار إلى «روحاني» بأنه «رب المضيق».

ويواجه «روحاني» في الوقت نفسه ضغوطا شديدة في البرلمان، بسبب تدهور الوضع الاقتصادي، وقد يضطر إلى إعادة التوازن إلى مجلس وزرائه قريبا مع أعضاء من المعسكر المحافظ، في الوقت الذي يستمر فيه رأس ماله السياسي في التدهور.

تهديدات الحرب

ويعتمد موضوع ما إذا كان خطاب الحرب سيتحول إلى صراع عسكري حقيقي على عوامل عدة.

فمن شأن ضعف «روحاني» السياسي، والاعتماد المتزايد على الحرس الثوري الإيراني لإعادة بناء قنوات سرية للتحايل على العقوبات، أن يؤدي إلى توجيه إيران نحو سلوك أكثر خطورة. وعلى سبيل المثال، يمكن لبحرية الحرس الثوري الإيراني التحرش بالجنود الأمريكيين أو الحلفاء العسكريين، أو الناقلات التي تحمل النفط الخام السعودي أو الإماراتي، أو منصات الإنتاج البحرية السعودية أو الإماراتية، أو منصات التحميل العراقية أو الكويتية.

ويعد النشاط الإلكتروني الإيراني ضد الأهداف الاقتصادية الإقليمية أيضا أكثر احتمالا في بيئة التهديد هذه، لكن التهديد بإغلاق مضيق هرمز، وشل ما يقرب من 30% من التجارة المنقولة بحرا، و18 مليون برميل من النفط الذي يمر عبر المضيق يوميا، يعد تهديدا غير واقعي.

ولن تقوم إيران فقط بإطلاق النار على نفسها اقتصاديا من خلال شل تجارة الطاقة الخاصة بها، لكن مثل هذه الخطوة قد تقود إلى عمل عسكري أمريكي.

إذ يرجح في مثل هذا السيناريو المتطرف أن تتعرض محطة النفط الإيرانية في الخارج، التي تصدر 95% من النفط الإيراني، للهجوم من قبل الولايات المتحدة وقوات التحالف.

وعلى الصعيد النووي، ظلت إيران حذرة حتى الآن في توسيع قدرتها على التخصيب ضمن حدود خطة العمل المشتركة الشاملة، حيث تحاول الحفاظ على قنواتها الاقتصادية مع أوروبا.

لكن مع بقاء الخيارات الأوروبية محدودة في وجه العقوبات الأمريكية، يمكن لإيران أن تتخذ خطوة رسمية بالانسحاب من الاتفاق النووي، بالإضافة إلى البروتوكول الإضافي لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، بينما تكثف أجزاء من برنامجها النووي.

والخطر المرتبط بكل هذه الخيارات يكمن في أن ذلك قد يستدعي استجابة عسكرية أمريكية حقيقية، في وقت تتعاون فيه الولايات المتحدة مع كل من (إسرائيل) والسعودية، وكلاهما مصمم على تطبيق أقصى قدر من الضغط على إيران.

وتحاول القيادة الإيرانية رسم خط فاصل بين الضغط المضاد مقابل حملة الضغط التي تقودها الولايات المتحدة، وتجنب مسار واضح للحرب، وستعتمد طهران بشكل كبير على التوازن السياسي ودرجة تماسك الداخل السياسي، ومدى المخاطرة التي قد ترغب القيادة في تحملها في الأعوام المتبقية من إدارة «ترامب».

ولدى الولايات المتحدة القدرة على زيادة الأصول العسكرية في الخليج العربي، وأن تهدد بشكل معقول برد فعل عسكري للأفعال العدائية من قبل إيران.

وينبع السبب الرئيسي في التهديد برد الفعل العسكري الأمريكي في التعامل مع إيران في الأشهر المقبلة من المسار التفاوضي المضطرب لواشنطن مع كوريا الشمالية.

فقد أتاح تحرك البيت الأبيض للدخول في دبلوماسية مع كوريا الشمالية مساحة للصين وكوريا الجنوبية وروسيا لإعادة إنشاء قنوات اقتصادية مع «بيونغ يانغ»؛ مما يعقد أي محاولة للعودة إلى تكتيكات الضغط القصوى.

وتسير المحادثات بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة بشكل متقطع؛ حيث تحاول «بيونغ يانغ» الحصول على تنازلات سياسية أكثر صرامة، بينما يتبع البيت الأبيض خطة أساسية لنزع الأسلحة النووية.

ورغم أن الانكماش الحالي لا ينذر بسقوط مسار المفاوضات حتى الآن، إلا أنه يكشف مدى إصرار كوريا الشمالية على الاستمرار في مواكبة أجندة سياسة «ترامب» الخارجية، في نفس الوقت الذي تحاول فيه الإدارة زيادة تصعيدها مع إيران.

ويعد خوف البيت الأبيض من الارتفاع الحاد في أسعار النفط، والقيود المفروضة على السعودية لموازنة سوق النفط، وآثار الحرب التجارية المتنامية على الاقتصاد العالمي، عوامل إضافية مقيدة قد تؤثر على وتيرة التهديدات العسكرية الأمريكية ضد إيران.

وستتقاطع روسيا أيضا مع التصعيد الأمريكي الإيراني.

وبينما يلقي «ترامب» بثقل إدارته في محاولة إبقاء المحادثات على قيد الحياة مع موسكو، يحاول الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» أيضا الاستفادة من نفوذه في الشرق الأوسط لتوجيه «ترامب» نحو اتفاق أوسع.

ولهذه الغاية، قدم «بوتين» مؤخرا مقترحا بأن تحاول روسيا احتواء النشاط العسكري الإيراني في جنوب غربي سوريا، وتوفير حاجز عازل بجوار على الحدود الشمالية لـ(إسرائيل).

لكن الخطة مليئة بالتعقيدات، بما في ذلك القيود على قدرة روسيا على السيطرة على الأعمال الإيرانية على الأرض.

وعندما تتوقف المفاوضات بين الولايات المتحدة وروسيا حتما، يمكن لروسيا أن ترجع بسهولة إلى دورها المفسد، لتعقد جهود الولايات المتحدة وحلفائها في سوريا.

ويمكن لروسيا أيضا استئناف مبيعات نظام الدفاع الجوي المتقدم إلى إيران، عند الحاجة لمحاولة تقويض التهديدات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة ضد إيران.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

أمريكا إيران روسيا ترامب روحاني العقوبات الأمريكية