«ناشيونال إنترست»: هل تتحول مصر إلى مركز إقليمي للغاز ؟

الاثنين 30 يوليو 2018 03:07 ص

تظل الجغرافيا عاملا مهما في سياسات الطاقة العالمية، ولا يتجلى ذلك في أي مكان أكثر وضوحا منه في حالة أوروبا المتعطشة للطاقة، وروسيا الغنية بالغاز. ولقد أوضح الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» هذه النقطة خلال رحلته الأوروبية في يوليو/تموز 2018، وانتقد الزعيم الأمريكي ألمانيا بسبب اتفاق خط أنابيب الغاز الخاص ببحر البلطيق مع روسيا، واصفا القيادة الأوروبية بأنها «أسيرة لروسيا».

ولم تؤثر تلك الملاحظة كثيرا بشأن العلاقات عبر الأطلسي، ومع ذلك، فإن التنمية في المياه قبالة الساحل الشمالي لمصر قد توفر خيارا جديدا لأوروبا المتعطشة للطاقة، وبذلك قد تغير ديناميكية سياسات الطاقة الأوروآسيوية.

وفي أواخر يونيو/حزيران 2018، تم الإعلان عن بحقل ضخم للغاز الطبيعي، باسم «حقل نور»، قد تم اكتشافه من قبل شركة «إيني»، كبرى شركات الطاقة الإيطالية، قبالة ساحل شمال سيناء. على الرغم من أن الادعاءات الأولية حول حجم «نور» قد تكون مبالغ فيها فهناك احتمال بأن تكون إمكانات مصر من الغاز كبيرة للغاية وربما تغير قواعد اللعبة. 

ويقدر حجم «نور» بـ 90 تريليون قدم مكعبة من الاحتياطيات المؤكدة، والتي سوف ترفع الاحتياطات المؤكدة للبلاد من 65.2 تريليون قدم مكعب (في عام 2016 وفقا لشركة بريتش بتروليوم) إلى 155.2 تريليون قدم مكعب، مما يجعلها على قدم المساواة مع الجزائر ونيجيريا، ووراء عمالقة الغاز، قطر وإيران وروسيا والولايات المتحدة.

وبإضافة ذلك إلى الاكتشاف المبكر لحقل «ظهر» للغاز في عام 2015، من المتوقع أن تعود مصر مرة أخرى لتصبح مصدرا صافيا للغاز في عام 2019.

ويعد اكتشاف حقل غاز كبير آخر أخبارا مهمة لمصر. وقد دخلت في البلاد في الفوضى الخاصة بها منذ الإطاحة بحكومة «حسني مبارك» الاستبدادية عام 2011، والإطاحة بتجربة ديمقراطية وجيزة أزالت حكومة «الإخوان المسلمين» عن طريق انقلاب عسكري عام 2013. وفي عام 2014، وصل الجنرال «عبد الفتاح السيسي» إلى السلطة وسعى إلى إبقاء مصر بعيدة عن أيدي «الإخوان المسلمين»، وتحقيق الاستقرار في الاقتصاد.

وأدت أعوام من الاضطراب السياسي إلى انحراف الاقتصاد المصري بعيدا عن مساره. وتباطأ النمو الاقتصادي إلى حد كبير، وظل التضخم مرتفعا، وهرب الاستثمار الأجنبي، واتسع العجز المالي إلى مستويات خطيرة (أكثر من 10% لأعوام عدة)، وانخفضت الاحتياطيات الأجنبية الإجمالية إلى أقل من 3 أشهر لتغطية الواردات من السلع والخدمات.

وعلاوة على ذلك، ارتفعت نسبة البطالة من 9.2% في الفترة 2009/2010 إلى ذروة بلغت 13.4% في 2013/2014. بالإضافة إلى ذلك، اضطرت الحكومة لطلب المساعدة من صندوق النقد الدولي.

واعتبارا من عام 2018، بدأ ينظر إلى الاقتصاد المصري أنه على طريق الاستقرار، مع تعافي نمو الناتج المحلي الإجمالي، وتعافي احتياطيات النقد الأجنبي من أدنى مستوياتها. وعلى الرغم من التقدم الكبير الذي تم إحرازه، لا تزال هناك تحديات كبيرة.

ووفقا لأحدث تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي بموجب المادة الرابعة، يجب بذل المزيد من العمل «لإصلاح الإطار التنظيمي، وتعزيز المنافسة، وتحسين الوصول إلى التمويل والأراضي، وتعزيز الحوكمة، والشفافية، ومساءلة الشركات المملوكة للدولة».

وفي عام 2016٦/2017، كان العجز التجاري مساويا لـ 11.2% من الناتج المحلي الإجمالي، وكان عجز الحساب الجاري يبلغ 6.1٪ من الناتج المحلي الإجمالي.

وثمة عامل اقتصادي إضافي يتمثل في الحجم الكبير لسكان مصر، والذي بلغ وفقا للبنك الدولي 95.7 مليون نسمة في نهاية عام 2016. ولكي يوفر الاقتصاد وظائف كافية يحتاج إلى وتيرة نمو قوية نسبيا.

وفي عام 2017، بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 4.2%، مع توقع البنك الدولي أن يبلغ نسبة 0.5% في عام 2018، وعلى الرغم من تسارع وتيرة النمو، هناك حاجة إلى نمو أسرع.

مركز إقليمي للغاز

ومن خلال هذه العدسات الاقتصادية، يجب رؤية اكتشاف حقل غاز «نور». وسوف يساعد انخفاض أسعار النفط الاقتصاد المحلي، في حين ستساعد صادرات الغاز في سد العجز في أرصدة التجارة والحساب الجاري. وفي الوقت الحالي، تستغل مصر الغاز الطبيعي لسوق المحلية للطاقة، فعلى سبيل المثال، يأتي أكثر من ثلاثة أرباع طاقة البلاد من محطات تعمل بالغاز، وقد ارتفع استهلاك الطاقة بنسبة 14% في عام 2017.

ولحسن الحظ، طورت مصر البنية التحتية للغاز، فهي تمتلك محطتي تسييل على طول الساحل الشمالي. وهذه البنية التحتية حيوية لتحويل الغاز إلى سائل، والذي يمكن شحنه بعد ذلك. وفي حين أن هذا يعد إيجابيا بشكل كبير لمصر في تطوير أعمالها في مجال الغاز الطبيعي، فإنه قد يعقد أيضا سياسات الطاقة في شرق المتوسط.

وفي فبراير/شباط عام 2018، تم صياغة اتفاقية بقيمة 15 مليار دولار بين مصدري الغاز الإسرائيليين وشركة «دولفينوس» المصرية، تسمح لـ (إسرائيل) باستخدام محطات تسييل الغاز في مصر. ومن شأن هذا أن يوفر منفذا لحقل الغاز الإسرائيلي «ليفياثان».

وتصدر (إسرائيل) بالفعل الغاز للأردن، لكن ليس لديها محطة للغاز الطبيعي المسال، وقد يكون سعر إنشاء مثل هذا المصنع ضخما في (إسرائيل)، ونتيجة لذلك، كان يُنظر إلى المصانع غير المستغلة في مصر على أنها حل ممكن.

وتستطيع (إسرائيل) تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر، وربما شحنه إلى أوروبا، وفي الوقت نفسه، كانت قبرص، التي أجرت اكتشافاتها الخاصة من الغاز الطبيعي، ولكنها تفتقر أيضا إلى مصنع لتسييل الغاز، تتطلع إلى مساعدة الشركات المصرية وتمت مناقشة خطة لتطوير خط أنابيب يربط بين مصر وقبرص و(إسرائيل) واليونان وإيطاليا.

وأضاف اكتشاف «نور» عنصرا جديدا إلى الصورة. والسؤال المطروح على مصر هو، هل تحتاج الآن إلى الربط مع (إسرائيل) وقبرص؟ فـ «نور» يعطي مصر مرونة أكبر في التعامل مع جيرانها، لأن هذا الاكتشاف ومشاريع الغاز الأخرى قد تلبي الطلب المحلي وتضيف إلى قاعدة التصدير للبلاد. وفي الوقت نفسه، هناك مكاسب يمكن تحقيقها من خلال الحفاظ على التعاون مع قبرص و(إسرائيل) على جبهة الغاز.

ومع تحول مصر لمركز عالمي لتجارة الغاز، ستحصل مصر أيضا على مكاسب من إسالة الغاز الطبيعي القبرصي والإسرائيلي واللبناني والسوري في نهاية المطاف، وسيتم إعادة تصدير الغاز الطبيعي الأجنبي مع الغاز المصري بهاإما إلى أوروبا أو على الأرجح إلى منطقة آسيا والمحيط الهادي، حيث ينمو الطلب على الغاز الطبيعي المسال.

ولا تعد مصر بديلا مباشرا للغاز الطبيعي الروسي لأوروبا. ومع ذلك، فإن بعض المزايا موجودة بالفعل، وهناك المزيد مما يجعل مصر مركزا رئيسيا للغاز الطبيعي في شرق المتوسط​​، مع شبكة معقدة من المنتجين المحتملين، بما في ذلك قبرص و(إسرائيل)، وربما على المدى البعيد، لبنان وسوريا.

وهناك عقبات كبيرة يجب التغلب عليها، بما في ذلك هل ستتخذ مصر القرارت بمفردها أو مع الشركاء، ومقاومة تركيا لتطوير قبرص لحقولها البحرية، والحاجة إلى قدر من الاستقرار السياسي في سوريا.

لكن هناك شيء واحد مؤكد، أنه من الأفضل بناء الجسور بين الدول عن طريق دبلوماسية الغاز، بدلا من الذهاب إلى الحرب. ومن شأن تطوير مركز نفط في شرق البحر المتوسط ​، وهو الذي يتم إنشاؤه حول مصر، أن يقطع شوطا طويلا في بناء الجسور من خلال تعزيز روابط الطاقة الإقليمية.

المصدر | نشونال انترست

  كلمات مفتاحية

حقل نور حقل ظهر شرق المتوسط الطاقة الإقليمية الغاز الطبيعي المسال