جدل استباحة «قرنية العين» بمصر.. انتهاك جسد المتوفى «بالقانون»

الأربعاء 1 أغسطس 2018 01:08 ص

تصاعد الجدل القانوني والحقوقي في أروقة البرلمان المصري ما بين الجانب الصحي والحقوقي فيما يتعلق باستباحة نزع قرنية عين المتوفى دون إذن مسبق أو الرجوع إلى أهله، وذلك بعد واقعة مثيرة للجدل بدأها أهل أحد المتوفىن بمستشفى «قصر العيني» بالقاهرة عندما لاحظوا نزيفا حول عين متوفاهم.

وفي الوقت الذي تمسك فيه عميد كلية طب القصر العيني وأعضاء اللجنة العليا لزراعة الأعضاء بأحقية المستشفى في الحصول على القرنية دون موافقة أهل المتوفى، اعتبر برلمانيون حقوقيون وخبراء قانونيون أن ما حدث «جريمة تستوجب العقاب».

وما بين اعتبار قرنية العين عضوا من أعضاء الجسم يجب أن يخضع لأحكام القانون، أو اعتباره نسيجا قشريا لا يجب على المستشفى استئذان أهل المتوفى في نزعه، لفت أطباء وحقوقيون إلى الجانب الأخلاقي والأعراف، متخوفين من أن يصبح جسد المتوفى مستباحا بسبب الخلاف على نصوص القانون.

استغاثة أطلقت جدلا

وثار الجدل على نطاق واسع عقب استغاثة أهل المتوفى «محمد عبدالتواب»، مطالبين بالتحقيق في حصول مستشفى قصر العيني على «قرنيتة» المتوفى دون موافقتهم، ليحرروا محضرا بقسم الشرطة اتهموا فيه المستشفى بـ«سرقة القرنية الخاص بالمتوفى».

وحينها، قالت زوجة المتوفى في تصريحات تليفزيونية: «مفيش ابن يرضى يشوف أبوه بالمنظر ده، إزاي طفل عنده 11 سنة آخر مرة يودع أبوه يشوفه بالمنظر ده ويبقى معقد نفسيا.. دي سرقة»، لافتة إلى أنهم عندما شاهدوا جثمان متوفاهم لاحظوا نزيفا حول العينين، وبدا مظهر عينيه غير طبيعي.

لكن في المقابل، دافع عميد كلية طب قصر العيني «فتحي خضير»، عن الواقعة، قائلا إن «المستشفى لم ينتزع قرنية المتوفى، لكنه أخذ الطبقة السطحية للقرنية، وهذا لا يمثل إهانة للمتوفي».

كما لفت إلى أن «القانون الصادر عام 2003 يتيح للمستشفيات الحكومية أخذ الطبقة السطحية للقرنية بما لا يشوه العين».

«ليست عضوا» وإنما «نسيج»

وفي السياق ذاته، أيّد ذلك الكلام رئيس لجنة إعداد قانون زراعة الأعضاء البشرية «عبدالحميد أباظة»، موضحا أن «زراعة القرنية» لا تندرج تحت قانون زراعة الأعضاء البشرية رقم 5 لسنة 2010، ولها قواعد وشروط خاصة قائمة بذاتها بخلاف اشتراطات زراعة الأعضاء البشرية.

وفسر «أباظة» سبب عدم الحاجة إلى الحصول على إذن من أهل المتوفى لانتزاع القرنية، بالقول: «في الأعضاء العادية نضطر لفتح البطن ويحدث تشوه للجثة، أما في القرنية لا يوجد أي تشوه، لأننا نأخذ نسيجا شفافا لا يؤثر إطلاقا على شكل الجثمان، ونضع مكان القرنية جسم شفاف يعطي نفس شكل العين، ومن وضوعوا القانون لم يشترطوا الحصول على إذن الأهل».

لكنه استدرك بأن «هناك عرفا بإبلاغ أهل المتوفى من الناحية الأخلاقية فقط، إنما من الناحية القانونية ليس هناك خطأ على المستشفى».

كما أشار رئيس الهيئة المصرية للتدريب الإلزامي للأطباء «ياسر سليمان»، عضو اللجنة العليا لزراعة الأعضاء، إلى وجود اشترطات للحصول على «قرنية المتوفى»، منها إجراء عملية  الحصول على القرنية بمستشفى حكومي مرخص به بنك للقرنية، وأن تكون العملية بالمجان، ولا يجوز بيع القرنية، بجانب الحصول على القشرة السطحية للقرنية بموافقة 3 من الأساتذة أعضاء هيئة التدريس دون الرجوع لأهل المريض.

كما أوضح أن القانون لا يعتبر الحصول على القشرة السطحية من القرنية بمثابة أعضاء بشرية، بل ينظر إليها باعتبارها «أنسجة»، وبالتالي تستثني من قانون زراعة الأعضاء البشرية الذي يتطلب الموافقة من الأهل على نقل أي عضو.

القانون القديم ملغى

من جانبه، قال عميد كلية حقوق القاهرة السابق «محمود كبيش»، إن قانون زراعة الأعضاء رقم 5 لسنة 2010 «يجرم ويمنع نقل أي عضو أو جزء من العضو أو أنسجة من مريض أو متوفى إلا في حالة الضرورة القصوى».

وأضاف أن ذلك «يكون بوصية وعلم أهل المتوفى، مؤكدا أن أي قانون سابق هو لاغ بصدور القانون الأخير الذي ينظم هذه الحالة».

كما اعتبر أن جميع «من يتحدث عن نقل أي عضو أو جزء من عضو من المتوفى بدون علم أهله أو وصية لا يعلم عن القانون شيئا ويعد التفافا على القانون، ويُحاكم من يرتكب ذلك بالسجن لمدة لا تزيد عن 5 سنوات وبغرامة من 100 ألف جنيه إلى 300 ألف جنيه».

البرلمان على الخط

وفي سياق متصل، دخل مجلس النواب (البرلمان) المصري، على خط القضية ذاته بعدما أثارت جدلا واسعا، لكن الخلاف اكتسب أرضا جديدة.

وقال أمين سر لجنة الصحة بمجلس النواب النائب «محمود أبوالخير»، إن «قرنية العين» لا تعد عضوا من أعضاء جسم الإنسان ولكنها مجرد نسيج، مضيفا أنه من الناحية القانونية لا يسمح بنقل أعضاء الجسم إلا بوصية أو موافقة كتابية من الشخص المتبرع.

وأوضح «أبوالخير»، أنه لا يوجد قانون الآن ينظم نقل أعضاء الجسم في مصر، ولكن في حالة القرنية يسمح بنقل الجزء السطحي منها دون إذن من المتوفى إلى مريض آخر وذلك حسب القانون.

لكن أمين سر لجنة الصحة بالبرلمان، اعتبر أنه من الناحية الإنسانية والأخلاقية مرفوض تماما، حتى لو لم تمثل القرنية عضوا من الجسم، وكان يجب على إدارة المستشفى استئذان أهل المتوفى، حتى وإن كانت هناك حالات مرضية حرجة في المستشفى تحتاج إلى ذلك، وهذا وضع نرفضه جميعا.

وأشار النائب إلى، أنه من حق أسرة المتوفى أن يقيموا دعوى قضائية ضد إدارة المستشفى بالقصر العيني، لافتا إلى أن لجنة الصحة بالبرلمان سوف تستدعي إدارة المستشفى مع بداية دور الانعقاد الرابع لمحاسبتها وذلك بناء على طلبات الإحاطة، التي قدمها بعض النواب.

وذكر «أبو الخير»، أن لجنة الصحة ستعد مشروع قانون ينظم نقل أعضاء الجسم، وذلك بحضور ممثل عن دار الإفتاء لأخذ الرأي الشرعي في ذلك الأمر، وحتى لا يخالف الشريعة الإسلامية، نظرا لأننا في حاجة لذلك وخاصة أن هناك مرضى كثيرين يحتاجون إلى زراعة أعضاء.

حرمة جسد الميت

في المقابل، تقدمت النائبة «شيرين فراج» عضو مجلس النواب، بطلب إحاطة موجه إلى كل من رئيس مجلس الوزراء «مصطفى مدبولي» ووزير التعليم العالي والبحث العلمي، ووزيرة الصحة والسكان، بشأن قيام مستشفى قصر العيني بانتزاع قرنية أحد المتوفين دون موافقة أسرته وذلك بالمخالفة لأحكام الدستور والقانون.

وأكدت «فراج»، أن المادة 60 نصت على أنه «لجسد الإنسان حرمة، والاعتداء عليه، أو تشويهه، أو التمثيل به، جريمة يعاقب عليها القانون، ويحظر الاتجار بأعضائه، ولا يجوز إجراء أية تجربة طبية، أو علمية عليه بغير رضاه الحر الموثق، ووفقا للأسس المستقرة في مجال العلوم الطبية، على النحو الذي ينظمه القانون».

ونوهت النائبة، بأنه «في ضوء مواد الدستور والقانون فإن ما قامت به مستشفى كلية طب قصر العيني تجاه انتزاع القرنية من المتوفى يعتبر انتهاكا لحرمة الجسد البشري وانتزاع جزء من جسد المتوفى دون موافقة منه يقع تحت طائلة القانون، مطالبة بتنفيذ مواد الدستور والقانون قبل نزع القرنية من المتوفى».

بدوره، قال عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان ومسؤول ملف الصحة بالمجلس «صلاح سلام»، إن القانون ينظم أمر التبرع بالأعضاء، مؤكدا أن الاستيلاء على قرنية المريض دون استئذانه قبل الوفاة أو الرجوع لأولياء أمره هو أمر مخالف للقانون، والأعراف.

وأكد «سلام» أن لجنته «ستتأكد من الواقعة المثيرة للجدل، ولن نعتمد على كلام مرسل، وهل إذا كان أهل المريض رفضوا أم واحد من بينهم فقط هو الذي رفض»، مطالبا بانتشار ثقافة التبرع بالأعضاء لأنها تحل مشكلات لمرضى كثيرين، قائلا: «فجثة المتوفى تتحلل بعد أيام في حين أن عضو من أعضاء بإمكانه إنقاذ حياة مريض آخر»، بحسب تصريحاته لصحيفة «الشروق» المصرية.

لكنه ما بين جدل القانونية وانتهاك حرمة جسد الميت، يبقى حقيقة أن أحدا في مصر لا يعلم حجم عدد من انتزعت قرنياتهم قبل ذلك، وما إذا كانت هناك آلية واضحة للرقابة على عمليات زرعها دون تسربها إلى التجارة، أو ما إذا كانت هناك وسيلة لمنع ذلك إذا ما كان أهل المتوفى يعتبرونه انتهاكا لحرمة جسد متوفاهم، بما يراعي حقوقهم ونفسيتهم، أو حتى عن سبب تشوه عين المتوفى التي أثارت ذلك الجدل إذا كانت تأكيدات الخبراء المؤيدين تؤكد أنها لا تشوه منظر العين.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

أعضاء قرنية عين نسيج جيد الميت المتوفى قصر العيني مستشفى مجلس النواب

دراسة تحذر: النوم أقل من 7 ساعات يضر قرنية العين