استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

أتعلَمُ أنَّ رِقابَ الطُغاة أثقَلَها الغُنْمُ والمأثَمُ **

الخميس 2 أغسطس 2018 06:08 ص

حزب "المندسين" أممية بالغة القوة والسرية في آن. ما أن ينفجر الموقف في أي مكان، حتى يظهرون فيسيطرون بقدرة قادر على اتجاهات الغضب ويرسلونها الى الفوضى والتخريب.

يمنح ذلك السلطات، وهي دوماً فاسدة وتافهة في آن معاً (نعوذ بالله من اجتماع الصفتين)، السبب الشرعي للجوء الى ما تسميه بكل تهذيب وموضوعية "الحل الامني"، وهو القمع. يبدو أن العولمة وَحّدت أيضاً سلوكيات السلطات الحاكمة ومفرداتها.

العراق بلد يصدر 3.5 مليون برميل نفط في اليوم، ما يعني أن إيراداته منها تبلغ ما متوسطه 250 مليون دولار في اليوم الواحد، مع تدوير الارقام وأخذ متوسطها الادنى (تقديرات طالما الأمر محفوظ كأقدس الأسرار)..

في العراق يجوع الناس ولا يجدون ماء صالحاً للشرب ولا كهرباء ولا تعليم ولا خدمات صحية، وبكلمة واحدة: هذه الايرادات لا تخصهم.

نُعيب على السلطة في مصر، حيث شعب من 90 مليوناً يعيش على ضفتين ضيقتين للنيل، ويكاد لا يملك موارد ريعية إلا قليلها، أن تتركه سلطته تلك في حالته البائسة التي نعرف. ونذكر أن العراق كان دولة متقدمة لجهة الخدمات، تقارَن رسمياً بدول جنوب أوروبا (إسبانيا وإيطاليا في أيام عزهما).

وقد أنشأ نظام صدام حسين، علاوة على جيشه الجبار، مؤسسات خدمية جيدة المستوى للصحة والتعليم، ووظّف الشعب العراقي كله في أجهزة الدولة المدنية والعسكرية كطريقة منه لاعادة توزيع بعض الريع، وكذلك وبالطبع كطريقة لضبط الناس.

وقد انهارت كل هذه المنظومة ليس فحسب بسبب الحروب الثلاثة والحصار، بل لأنها كانت قائمة على استغلال هذا المن والسلوى، من دون أي خطط إنتاجية، بل وبمعاداتها، وعلى الرعب العام الخانق، والتسلط على المجتمع والوصاية على الناس وكتم انفاسهم.

أما أبطالنا اليوم في السلطة في بغداد، فلم يكتفوا بالوصول إليها على ظهر الدبابات الامريكية، ولا اكتفوا بالمتاجرة بالدِين، بل هم يُثبتون أنه لا حدود للبشاعة. يُقدّر ما اختفى في عهد المالكي من أموال بـ27 مليار دولار.

هذه تبخرت، وهي بند لوحده يستثني الإنفاق "الشرعي" على النفس والأقارب، وكل ما يُرصد رسمياً ثم يُكتشف بأنه أستُخدِم لشراء بضائع فاسدة، أسلحة وأدوية وطعام وبذار ومنشآت (هل تذكرون الفضائح؟) أو لشراء خدمات بمئات أضعاف قيمتها، كما هو حال مسلسل تلزيم الكهرباء مثلاً، وكما هي مشاريع أُقرت وصُرفت ميزانياتها ولم تُبصر النور أبداً، ولا بأي درجة، حتى ضمن إطار المُنتَج الفاسد.

يعرف لبنانيون كثر شيئاً من هذا، فقد اغتنى المئات منهم بالمرور لأشهر في العراق كـ"مقاولين" و"تجار". ويعرفه كذلك الاتراك والايرانيون وجنسيات أخرى..

المالكي إذاً، الذي علاوة على ذلك مَكّن "داعش" من دخول الموصل والسيطرة على ربع مساحة البلاد، المالكي ذاك طالب بكل جدية بالعودة الى الحكم رئيسًا للوزراء (سائلاً ولا بد باستغراب "إي نعم، ليه لأ؟ شَكو؟" (أي "ما الأمر؟")، وتقدم للانتخابات، ولكنه لسوء حظه خسر فيها.

لا بأس! ولا ضِرار، فللرجل بدائل، ومنها زعماء ميليشيات أطلقت النار من أسلحتها الرشاشة على المتظاهرين خلال الأيام القليلة الماضية، وقامت باعتقال بعضهم. وقد استُخدِمت هذه الميليشيات لقمع التظاهرات أو هي تبرّعت بالعمل، لا فرق.

وللحق فالتظاهرات إستهدفت رموزها، من مكاتب وشخصيات، بشكل قد يتجاوز غضبها على ممثلي السلطات الرسمية.. وعلى أية حال فهذان - الميليشيات والسلطة - في أغلب الأحيان شيء واحد هنا، باعتبار اقتسام الغنائم والمحاصصات القائمة على قدم وساق.

وبالمقابل، فأجمل ما تردد خلال الايام الماضية هو، علاوة على استمرار الانتفاضة، وعلى أشكال مختلفة من الوعي الحاد للناس، القرار الذي اتخذه "مجلس شيوخ عشائر الانبار"، بالتبرؤ "من أي عنصر عسكري يقف ضد المتظاهرين في البصرة وباقي محافظات الجنوب وبغداد"، مذيلاً بتواقيع العشائر باسمائها. انتهى!

وخبر آخر جميل: تظاهرات يوم الجمعة ستكون وطنية، شاملة البلاد كلها.

تبقى على ذلك أسئلة ساذجة:

- يقول المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء أن بغداد تعمل على تحويل المبالغ التي وعد بها العبادي الى مجلس البصرة بأسرع ما يمكن. لكن وطالما هذه المليارات متوفرة، فلماذا انتظرتم ثورة الناس حتى تنفقونها على شؤونهم؟ لماذا كنتم ممسكين بها؟

- ويقول إن المبالغ سترسل الى الحكومة المحلية في البصرة، أو مجلس المحافظة، الذي يتهمه هو بنفسه بأنه يتحمل المسئولية الأكبر في عدم توفير الخدمات لأبناء المحافظة "رغم الموازنات الكبيرة التي رصدت لها".
فلو كان ذلك حال الحكومة المحلية في السابق فلماذا سيختلف هذه المرة؟ ولاسيما ان أغلب المسؤولين في المحافظات المنتفضة قد ولوا الإدبار لخشيتهم من غضب الناس، وهم متهمون بممارسة النهب علاوة على قلة الكفاءة وقلة الاكتراث.

- هناك عشرات ألوف الوظائف التي أعلن عن فتح قبول طلبات الناس للتوظيف فيها. فأين كانت هذه أصلاً، وهل من حاجة لموظفين هنا أم هي رشوة للناس لتهدئتهم ولو بطريقة زيادة جيش البطالة المقنعة؟

- أين هي مشاريع انتاج الطاقة الكهربائية وتحلية المياه، وكيف ومن سيتولاها، وأين هي مشاريع ترميم التعليم والصحة والنقل والسكن.. فمن دونها يصبح الانفاق مجرد تسكين إن لم يكن تبذيراً.
- من سيحاسب النهّابين والتافهين على ما سبق؟
- وهكذا... وإلى آخره!

يعج العراق بالأسئلة المشروعة التي تَكشَّف عجز السلطة الحاكمة عن توفير إجابات عليها بمقدار ما تَكشَّف فشلها في إدارة الموقف الحالي. لقد تجاوزتها حركة الناس، منطقاً وأطراً. وهذا هو الدرس العظيم مما جرى خلال الاسابيع الماضية، بانتظار الغد.

.. في العقود الاخيرة وحتى اليوم، حاولت القوى العالمية المهيمنة أن تسحق العراق بحروب طاحنة وبالاحتلال وبالتفكيك وبالنهب. ولم يتورع الجاران الكبيران، صاحبا الإدعاء الامبرطوري، إيران وتركيا، عن محاولة إذلاله وإركاعه بشتى السبل والتآمر عليه، علاوة على نهبه.

وهم جميعاً سلطوا عليه الأرذال وشذاذ الآفاق، وحموهم ومكّنونهم من السلطة والثروة.. ولم تفلح كلها. وبقي العراق، كل العراق، أرض ثورات وثقافة وطيبة وكرم، حتى وهو يتضور جوعاً. فيا دجلة الخير..

* د. نهلة الشهال كاتبة وناشطة لبنانية رئيسة تحرير "السفير العربي".
** من قصيدة "أخي جعفر" للشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري، كتبها في رثاء أخيه المقتول في "تظاهرة الجسر" الشهيرة خلال الوثبة الشعبية ضد "معاهدة بورتسموث" مع بريطانيا، في كانون الثاني/ يناير 1948.

  كلمات مفتاحية

أحزاب سياسية احتجاجات المالكي احتجاجات العراق الفساد كهرباء مياه صدام حسين الريع العراقي الساسة العراقيون