المصريون يواجهون الغلاء.. صبر على طريقة «عجب العجاب»

الخميس 2 أغسطس 2018 05:08 ص

«صبر بطني ولا صبر الجزار علي»..  مثل شعبي يتداوله رجل الشارع البسيط في مصر، تعبيرا عن حالة اجتماعية تميط اللثام عن أساليب تثير الدهشة، يلجأ إليها المصريون للتكيف مع ظروف الحياة، ومواجهة غلاء المعيشة، وارتفاع الأسعار الجنوني، الذي ضرب مختلف السلع والاحتياجات الأساسية، وأضر بقطاعات وفئات واسعة من المصريين. 

مشاهد لافتة رصدها «الخليج الجديد» تعبر عن هذه الحالة من التكيف مع الغلاء، ومسايرة الأوضاع المعيشية، مصحوبة بدلالات تؤكد قدرة المصريين على الصبر لسنوات، وربما لعقود، إزاء ما يعانونه من تدهور حاد في العملة المحلية، وتردي الأوضاع الاقتصادية.

من طبق السلطة، إلى الدواء، ومن الأثاث المنزلي، إلى مستلزمات الزواج، ومن الفاكهة إلى اللحوم، يتداول المصريون طرقا وأساليب جديدة للتمرس على حياة يعاني خلالها الجنيه المصري من تراجع قوته الشرائية، مقابل موجة غلاء فاحشة تهدد بتآكل الطبقة الوسطى، وزيادة معدلات الفقر في البلاد.

طبق سلطة

قبل سنوات لم يكن مستساغا أن تطلب من البائع «طبق سلطة»، لكن السوق المصري يشهد اليوم إقبالا على طريقة الشراء بـ«الحباية»، أي تطلب شراء مستلزمات طبق السلطة المفضل على المائدة المصرية، من «طماطم، خيار، جزر، فلفل، بقدونس» وغير ذلك لكن بواقع «حبة» أو «حبتين».

واتجه العديد من الباعة لاستخدام الميزان الديجتال الحساس لبيع الخضروات والفاكهة بـ«الواحدة» ما يعد تغييرا كبيرا في ثقافة المصريين.

بائع فاكهة في منطقة العجوزة، قرب العاصمة، يدعى «عادل فوزي»، يقول: «فيه زبائن بتكون عاوزة تعمل طبق سلطة فواكه مثلاً فبتاخد من كل حاجة كميات قليلة وأنا في الآخر باعملها على الميزان وأتمنها.. وفيه زبائن تانية بيكون واحد عايش لوحده فبياخد على قد اللي يكفي احتياجه». 

كذلك عادت بقوة للتداول وحدة الوزن «ربع الكيلو» و«ثمن الكيلو»، ووفق «فوزي»: «توجد أنواع من الفاكهة يصعب فيها التعامل بالواحدة يعنى ماينفعش أبيع العنب والكريز بالطريقة دى فببيع بأقل وزن موجود ربع وتُمن كيلو مثلاً»، وفق صحف مصرية.

ودفع أيضا الارتفاع المستمر في أسعار الدواء، واختلاف أسعار النوع الواحد من الدواء من صيدلية إلى أخرى، المصريين إلى اللجوء إلى شراء الدواء بالشريط (علبة الدواء تضم أكثر من شريط) أو «الحباية».

صاحب صيدلية، وسط القاهرة، يدعى «إسلام فيصل»، يقول عن بيع الأدوية داخل صيدليته حسب إمكانية المريض: «فى ناس بتيجى تطلب حباية، فى الأول كان الموضوع صعب، لكن مع ارتفاع الأسعار المتواصل قررنا نقدم الخدمة دى، أدوية كتير زى باى الكوفان، داى آند نايت، كونجستال، إميجران، بنبيعها بالواحدة، عشان نخفف المعاناة عن المواطن المصرى».

سرير من الطوب

ارتفاع تكلفة الزواج، وغلاء المهور، دفع مواطنا مصريا، إلى حيلة جديدة للتغلب على غلاء الأسعار، وارتفاع تكلفة الأثاث والموبيليا.

واستعان «أشرف الخطيب» وهو مقرئ مصري وإمام مسجد بمركز «أبوتشت» محافظة قنا، جنوب مصر، بمقاول شاب لتنفيذ فكرته البسيطة والبدائية لتجهيز شقته.

الفكرة تقوم على الاستعانة بالطوب الأحمر بدلاً من الخشب، فالسرير يتم بناؤه بالطوب والأسمنت ووضع مرتبة قطن عليه فيصبح سريرا متينا يتحمل أي أوزان عليه، ولا يتأثر بمرور الزمن أو يتآكل، وكذلك الدولاب والمقاعد.

وتبلغ تكلفة تجهيز غرفة واحدة من الطوب وتأثيثها 4 آلاف جنيه (نحو 220 دولارا)، في حين تتكلف غرفة النوم الواحدة من الأثاث ما بين 20 إلى 30 ألف جنيه (نحو 1500 دولار)، وقد تتآكل الموبيليا وتنتهي صلاحيتها مع مرور السنين، بحسب «الخطيب».

ومن الذهب الصيني إلى اقتراض الشبكة، ظهرت في الشارع المصري «دبل الزواج الخشبية»، التي يتم تصنيعها من العاج ويتراوح سعرها بين 200 و230 جنيها، فضلا عن أنها غير قابلة للتلف، وفي متناول الجميع. 

ويقوم «محمد حسن»، بتصنيع الإكسسوار الخشب، قائلا إن الخاتم «الخشب» يتم تصنيعه من أجود أنواع الخشب الماهوجني والجوز التركي والأبانوس، وله تصميمات مختلفة، وهو متداول في أوروبا، بحسب صحف مصرية.

وحسب صحيفة «الحياة» اللندنية، سطع نجم «البلكونة» من جديد لتتربع على عرش الترفيه مجاني الثمن، حيث دفعت موجة الغلاء المتزايدة بالمصريين إلى الشرفات من جديد بعد طول غياب، كذلك العودة إلى المراوح بدلا من أجهزة التكييف، وغيرها من إجراءات التقشف التي تطبقها ملايين الأسر المصرية.

كيلو رؤوس

وتتزايد في الشارع المصري، معدلات الإقبال على أسواق «بقايا الطعام»، التي تعرض منتجات وسلع قليلة الجودة، وبها عيوب في التصنيع، لكنها توفر ميزة الشراء بجنيهين أو جنيه.

ويطلق المصريون على هذه النوعية من الطعام «الأكل الكسر»، وهي مخلفات المحال والمطاعم، ففى بعض محال الألبان يباع الجبن الرومى المكسور، وعلى الأرصفة تباع بقايا الشيبسي، والبطيخ المكسور، والفواكه التي تعرض جزء منها للتلف بأسعار رخيصة.

لكن الغريب واللافت ما يشهده سوق الدواجن، الذي سجل ارتفاعا بلغ نحو 31 جنيها للكيلو، ما دفع إلى رواج محال بيع «هياكل» الدجاج المتبقية بعد تقطيع «الوراك» وأخذ لحم الصدر لعمل «فيليه»، لتظل هذه الهياكل عظما بقليل من اللحم.

كذلك ظهرت تجارة «الحوايج» أو رقبة وجناح وأرجل الدجاج، وهى أشياء تشتريها ربات المنازل في أحياء مصر الفقيرة لطهيها مع إضافة المزيد من التوابل، لعمل «شوربة» وتذوق القليل من لحم الدواجن.

وتشهد سوق «الأكل الكسر»، إقبالا بالنظر إلى رخص أسعاره، حيث يسجل هياكل الدواجن 8 جنيهات للكيلو، والأجنحة بـ10 جنيهات، وكيلو الأرجل 3 جنيهات، ورؤوس الدواجن بـ3 جنيهات، و«الرقبة» 4 جنيهات، أما هياكل الديوك الرومي بـ10 جنيهات، ويصل سعر رقاب الديك الرومي، إلى 12 جنيهًا للكيلو.

ولجأت المائدة المصرية كذلك إلى رؤوس الأسماك، وشراء رجل الماعز، الواحدة 2.5 جنيه، و«عروق اللحم» بـ20 جنيهًا للكيلو، و«الماسورة» العظم الأعلى من قدم البقر، وتُباع بـ3 جنيهات، وتستخدم لعمل «الشوربة»، وتذوق القليل من رائحة اللحم.

ووفق دراسة حكومية حديثة صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاءـ فإن أكثر من 50% من الشعب المصري يتناولون أجنحة الدجاج والهياكل مرتين على الأقل أسبوعيا.

وقبل أيام، جدد الرئيس المصري، «عبدالفتاح السيسي»، دعوته المصريين إلى التحلي بالصبر، ووعدهم بما أسماه «العجب العجاب»، قائلا: «لازم كمصريين نكون سعداء، كل اللي مطلوب منكم، حاجة واحدة بس (فقط)، اصبروا وسترون العجب العجاب في مصر».

وأضاف: «قسما بالله إذا كان الموضوع يتوقف على وجبة واحدة في اليوم لبناء أمة، أقسم بالله لأقعد بقية عمري كله أكل وجبة واحدة».

والعام الماضي، تداول ناشطون مصريون على نطاق واسع، وسما على مواقع التواصل بعنوان «عايزين ناكل»، وسط تحذيرات من انتفاضة شعبية، وثورة جياع في البلاد، لكن يبدو أن صبر المصريين سيؤجل ذلك حتى إشعار آخر.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر الغلاء ارتفاع الأسعار عبدالفتاح السيسي رفع الدعم