"سد النهضة".. مفاوضات متعثرة وكارثة مرتقبة ببدائل مصرية ضعيفة

الأحد 5 أغسطس 2018 07:08 ص

ما بين تطمينات أديس أبابا وصبر القاهرة، مازال الغموض يلف مشروع سد النهضة، الذي تنوي إثيوبيا استكماله خلال أشهر، وتقول مصر إنه يهدد أمنها المائي.

وحتى الآن ورغم مرور سنوات، لم تصل المفاوضات، إلى طريق محدد، أو اتفاق مكتوب يحدد التزامات كل طرف، بما في ذلك وضع السودان كدولة مصب.

18 اجتماعاً على مدار 4 سنوات، بمعدل اجتماع كل 3 أشهر، وهي وتيرة لا تتناسب مطلقا مع سرعة الإنجاز فى بناء سد النهضة، الذي اكتمل بناء قرابة 70% منه.

وتقول القاهرة، إنها تدرك شواغل إثيوبيا في التنمية، فيما تقول إديس أبابا إنها لن تعمل على حرمان مصر من مياه النيل، وإن فوائد السد ستعود أيضاً على مصر.

بيد أن خبراء يؤكدون أن ملء خزان سد النهضة، والمتوقع أن يكون في أي وقت، سيخصم قرابة 24 مليار متر مكعب من حصة مصر المائية، المقدرة بـ55.5 مليار متر مكعب، بنسبة 43% تقريبا، في بلد يعاني من عجز مائي حالي يقدر بـ20 مليار متر مكعب.

كما أنه لم تفلح المداعبات أمام الكاميرات، والقسم الذي ألقاه رئيس الوزراء الإثيوبي "آبي أحمد علي" في القاهرة، بعدم الإضرار بمصر مائيا، في تغيير الواقع الصعب الذي تمر به مصر.

تصريحات فقط

وانتقد أستاذ الجيولوجيا الاقتصادية في معهد الدراسات الأفريقية "عباس شراقي"، الاجتماعات المتتالية التي تمت على مدار السنوات الماضية، ولم تخرج إلا بتصريحات دبلوماسية براقة، تبين عمق علاقات الأخوة التاريخية، وحسن الجوار، وبناء الثقة، وعدم الضرر والتعاون المشترك والاستفادة من نهر النيل.

يشار إلى أن لجان مفاوضات سد النهضة، تنوعت بين اللجنة الثلاثية الفنية التي اتفق عليها في 2014، واللجنة السداسية بمشاركة وزراء الخارجية والري للدول الثلاث، والتساعية بالإضافة إلى رؤساء المخابرات، واللجنة العلمية المستقلة التي تم طرحها في مخرجات وثيقة الاجتماع التساعي في 15 مايو/أيار 2018 بأديس أبابا، علاوة على لقاءات القمة بين قادة الدول الثلاث، وزيارات وزراء الري أو الخارجية المصرية لكل من السودان وإثيوبيا.

وأشار "شراقي"، إلى أن "الشواهد تدل على أن المحادثات لم تتطرق بصورة مباشرة الى النقاط الخلافية في مشكلة سد النهضة، بل إن كلمة آبي أحمد في القاهرة، بأن إثيوبيا ستعمل بإخلاص ومحبة في استخدام حصتها من مياه النيل، وستعمل على زيادة حصة مصر، تزيد الغموض في مشكلة سد النهضة".

وتساءل: "ما حصة إثيوبيا؟ وماذا يقصد بذلك؟ فمصر والسودان يتقاسمان بقية مياه الأمطار التي تسقط على الهضبة الإثيوبية ودول المنابع الأخرى بعد أخذ حاجاتها من مياه الأمطار في ري الزراعات المطرية والثروة الحيوانية الهائلة والغابات الكثيفة والمراعي الشاسعة".

وأضاف مستغرباً: "دول المنابع تترك كل ذلك وتتطلع إلى المياه التي تأتي إلى مصر، والتي كان مصيرها البحر المتوسط قبل السد العالي، وكأن هذه المياه هي الإيراد الكلي لحوض نهر النيل على رغم أنها لا تشكل أكثر من 1% من جملة مياه الأمطار التى تسقط على جميع دول الحوض الـ11".

الوقت يمر

وحذر "شراقي"، من مرور الوقت، وقال: "بعيداً عن القسم والشعارات والمجاملات، فالوقت لا يسمح بذلك".

ولفت إلى أن سد النهضة أوشك على الانتهاء، ومن المحتمل أن يفتتح خلال الصيف المقبل أو على الأقل المرحلة الأولى منه، وهي مرحلة تأخرت أربع سنوات عن موعدها الأصلي في صيف 2015.

وقال: "لم نبدأ بعد إجراء الدراسات الفنية التي تم الاتفاق عليها في أغسطس/آب 2014، كما لم نتفق على تنفيذ البند الخامس من إعلان مبادئ سد النهضة الذي وقع في مارس/آذار 2015، والخاص بالتعاون في الملء الأول وإدارة السد".

وطالب "شراقي" بـ"اتفاق رسمي"، يؤكد التعاون والتنسيق فى تشغيل السد بطريقة تحقق لإثيوبيا ما تتمناه من أعلى فائدة وأقل ضرر على مصر، حسب صحيفة "الحياة".

استثمارات بديلة

وأشار إلى ما بدا في الأفق خلال الأسابيع الماضية، من تحركات سياسية اقتصادية، على الصعيد الخليجي في منطقة القرن الإفريقي بقيادة الإمارات، والتي شملت إثيوبيا وإريتريا والصومال.

وقال إن من أهم نتائج هذه التحركات، ضخ 3 مليارات دولار من الإمارات في إثيوبيا، والمصالحة بين الجارتين إثيوبيا وإريتريا بعد صراع عسكري دام أكثر من 20 عاماً لاستغلال موانئ الصومال وإريتريا، وتساءل: "هل يكون حل مشكلة سد النهضة عن طريق المشروعات الاقتصادية الإماراتية والسعودية في إثيوبيا؟".

وتابع "شراقي" مستنكرا: "هناك ما يشبه الاتفاق، والأمر يؤيده الواقع، على أن أديس أبابا تتعامل بتباطؤ شديد مع الأطروحات المصرية في ملف سد النهضة، وذلك للانتهاء منه قبل أي اتفاق ملزم، وأيضاً لإيصال رسالة إلى الجميع بأن هندسة السد شأن إثيوبي، وأن بلدَي المصب مصر والسودان، لن تحدث لهما أية أضرار".

واستطرد: "إلا أن الجانب المصري يريد أن يحوّل هذا الوعد إلى التزام سياسي مكتوب، ومن قبل ذلك إلى حقائق علمية مجردة تجزم بذلك، وهو ما لم يحدث رغم عديد الاجتماعات في العواصم الثلاث".

وختم حديثه قائلا: "كلمة شرف من إثيوبيا في مسألة حياة أو موت في مصر، لا يمكن أن تكون كافية".

اختراق متوقع

والتقط منه الحديث خبير الدراسات الأفريقية "هاني رسلان"، الذي قال إن الاجتماعات حول سد النهضة على المستويين الفني والوزاري غير قادرة على إحداث اختراقات مهمة في الملفات، ما لم يكن هناك تفاهم سياسي على مستوى القمة.

وتوقع أن المعادلات الجديدة في إثيوبيا، وسياسة تصفير المشكلات والاستثمارات السعودية الإماراتية، ستؤدي حتما إلى توافقات حول سد النهضة وقضايا المياه، وقال: "هو أمر ضروري لاستقرار وفعالية المعادلات الجديدة، إذ إن مصر دولة كبرى في المنطقة ولا يمكن تجاهل مصالحها في أي معادلة يراد لها النجاح والاستقرار".

لكنه أضاف: "هل خرجنا من حالة تبريد الملفات والرهان على الزمن؟".

وحسب "رسلان"، فإن أديس أبابا التزمت طوال السنوات الماضية، سياسة التباطؤ في الخارج والتعبئة في الداخل حول السد كمشروع قومي، لكن التغيرات في الداخل الإثيوبي وتراجع هيمنة قومية "التجراي" التي كانت تتبنى فكرة السدود والمشاريع الكبرى، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية الإثيوبية التي اقتضت تدخل الإمارات بالدعم المالي والاقتصادي الكبير، كلها عوامل تساعد على تحول الموقف الإثيوبي نحو إظهار المرونة.

بدائل مصرية

وأمام هذا الغموض حول مصير السد وحصة مصر، تبحث القاهرة في بدائل عدة.

ولا يتصور وجود حل مصري "خشن" على الإطلاق مع الأزمة، كون أن الظروف الدولية والإقليمية والمصرية لا تسمح بذلك، وهو ما يشير إلى أن الجيش قد يكون بعيدا إلى حد ما عن الأزمة، وأن الملف برمته بات في المخابرات والرئاسة.

وتنتشر تقارير في القاهرة عن قيام الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بتنفيذ أكبر مشروع لتحلية مياه البحر بالاستعانة بأكبر شركتين عالميتين فرنسية وألمانية، وهناك 4 محطات أخرى لتحلية مياه البحر، تبلغ طاقة المحطة الواحدة 150 ألف متر مكعب في اليوم، والمحطة الرابعة تبلغ طاقتها 164 ألف متر مكعب في اليوم.

كما يتم بحث المزيد من إجراءات ترشيد استخدام المياه بمزيد من تطوير طرق ري الزراعات والاستغناء عن المحاصيل الأكثر استهلاكًا للمياه، والاستفادة القصوى من مخزون المياه الجوفية، وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والصحي والمقدرة بـ110 بلايين متر مكعب.

على رغم ذلك، فإن السيناريو الأسوأ قد يواجه القاهرة في أي وقت، ما جعل الخبير الدولي للمياه "أحمد فوزي دياب" للتحذير  من فقدان مصر أي نقطة مياه، وقال إن ذلك سيؤثر في وجودها الحالي والمستقبلي.

وأضاف: "المفاوض المصري ليست لديه رفاهية قبول نقص نقطة مياه واحدة، إلا إذا كان هناك ترتيب مسبق لذلك يتوقف على تنمية مصر مواردها المائية الحالية، وما يتطلبه من موارد مائية وتكنولوجيا ضخمة التكاليف".

ولفت "دياب"، إلى أن الأمر لن يقتصر فقط على أزمة مائية، وإنما يجب يوضع في الاعتبار سد الفجوة الغذائية، التي ستنشأ ويكون مقدارها 4% من الغذاء في مصر، وذلك من طريق المياه الجوفية في الصحراء الغربية ليتم استغلالها، وفي الوقت نفسه الحفاظ عليها.

يشار إلى أنه في حال عدم الاتفاق فإن ملء الخزان على مدى 10 سنوات على الأقل، فإن ذلك يعني فقدان مليون فدان زراعة، و4 ملايين فرصة عمل واستيراد ما يعادل إنتاجية مليون فدان، أي ثمن إنتاجية مصر.

وهو ما علق عليه "دياب" قائلا: "المشكلة ليست في إقامة المحطات، والمعالجة، إنما في التكلفة العالية جداً، بالتالي نحن دخلنا في أزمة، العملية ليست سهلة، وتحتاج إلى قدر كبير من الاستثمارات الضخمة".

ويتعلّق الخلاف الفني الرئيسي بين مصر وإثيوبيا بطريقة ملء خزان السد، وكيفية إدارته وتشغيله.

وتطالب مصر بالمشاركة في تحديد الكميات التي سيتم تخزينها بشكل ربع أو نصف سنوي قبل فترة الملء الكلي، وأن يكون لها الحق في مراقبة دقة تنفيذ ذلك الجدول وهو ما تعتبره إثيوبيا تدخلا في سيادة قرارها، وتؤكد أنها لن تصر بمصر.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سد النهضة مصر بدائل إثيوبيا مفاوضات اللجنة الفنية مباحثات تعثر السودان

بتمويل إماراتي.. إثيوبيا تشتري منظومة دفاعية لحماية سد النهضة