ترسانة إسرائيل النووية القابعة بالبحر.. خبايا الردع من تحت الأعماق

الأحد 5 أغسطس 2018 10:08 ص

لم تعترف (إسرائيل) رسميا من قبل بحيازة أسلحة نووية.

أما بشكل غير رسمي، تريد (تل أبيب) من الجميع أن يعرفوا أنها تملك تلك الأسلحة، ولا تتردد في تقديم إشارات خفيفة إلى استعدادها لاستخدامها إذا ما واجهها تهديد وجودي.

وتتراوح تقديرات حجم مخزون الأسلحة النووية الذي تمتلكه (إسرائيل) بين 80 و300 رأس نووي، وهذا الرقم  يتجاوز ترسانة الصين النووية.

وفي الأصل، اعتمدت (إسرائيل) في ترسانتها النووية على القنابل النووية التي يتم إسقاطها جوا، وصواريخ "أريحا" الباليستية.

وعلى سبيل المثال، عندما هاجمت الجيوش المصرية والسورية (إسرائيل) خلال حرب 1973، تم وضع سرب من 8 طائرات "فانتوم" إسرائيلية من طراز "F-4" محملة بالقنابل النووية في حالة تأهب من جانب رئيسة الوزراء، آنذاك، "غولدا مائير"، استعدادا لإسقاط قنابل نووية على القاهرة ودمشق إذا ما اخترقت الجيوش العربية الأراضي الإسرائيلية.

ورغم أن (إسرائيل) هي الدولة الوحيدة المسلحة نوويا في الشرق الأوسط، إلا أن تل أبيب مشغولة بالخوف من أن يحاول أحد الخصوم في يوم من الأيام القيام بضربة أولى لتدمير صواريخها النووية والطائرات على الأرض قبل أن تتمكن من الانتقام.

وحاليا، فإن الدول المعادية التي قد تحصل على مثل هذه القدرة هي إيران أو سوريا.

ولإحباط مثل هذه الاستراتيجية، استهدفت (إسرائيل) بقوة برامج الصواريخ والتكنولوجيا النووية في العراق وسوريا وإيران بغارات جوية، فضلا عن الحملات التخريبية والاغتيالات.

ومع ذلك، طورت أيضا قدرة الضربة الثانية، أي السلاح القابل للبقاء، الذي يمنحها فرصة لبعض الانتقام النووي بغض النظر عن مدى فعالية ضربة العدو الأولى.

وتعمل معظم القوى النووية على تشغيل غواصات الصواريخ الباليستية التي تعمل بالطاقة النووية، والتي يمكن أن تقضي أشهرا تحت الماء في الأعمال دون رؤية أشعة الشمس، وفي أي لحظة تطلق صواريخ باليستية تمتد عبر المحيط لتحدث دمارا مروعا في مراكز الخصم الرئيسية.

ولأن هناك فرصة ضئيلة للعثور على كل هذه الغواصات قبل إطلاقها النار، فإنها بمثابة جحيم رادع عن التفكير حتى في الضربة الأولى.

لكن الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية باهظة الثمن إلى حد ما بالنسبة لبلد بالكاد يبلغ عدد مواطنيه عدد سكان ولاية نيوجيرسي، لذلك وجدت (إسرائيل) بديلا بأسعار معقولة أكثر.

اعتذار ألمانيا غير التقليدي

وخلال حرب الخليج عام 1991، ظهر أن العلماء والشركات الألمانية لعبوا دورا في نقل تكنولوجيا الصواريخ الباليستية والكيميائية إلى العديد من الحكومات العربية، وهي التكنولوجيا التي ساعدت "صدام حسين" على قصف (إسرائيل) بصواريخ "سكود".

وكان هذا في الواقع نقطة مؤلمة بعد فترة طويلة من المحاولات الإسرائيلية لمنع ذلك.

ففي أوائل الستينات، قام عملاء إسرائيليون بمحاولات اغتيال واختطاف وتفجيرات استهدفت علماء أسلحة ألمان يعملون لصالح الحكومات العربية.

ووضع المستشار الألماني الأسبق "هلموت كول" خطة لتعويض (إسرائيل) عن الأضرار التي لحقت بها، وفي نفس الوقت توليد أعمال لشركات بناء السفن الألمانية التي كانت تعاني من تراجع بسبب التخفيضات الدفاعية في فترة ما بعد الحرب الباردة.

وابتداء من سبعينيات القرن العشرين، بدأت شركة بناء السفن الألمانية "إتش دي دبليو" في إنتاج غواصات كهربائية تعمل بالديزل من طراز 209 من أجل التصدير، مع نحو 60 غواصة تعمل في جميع أنحاء العالم.

وتمكنت واحدة من الغواصات من طراز 209، وهي "سان لويس"، من نصب كمين لسفن البحرية الملكية مرتين خلال حرب "فوكلاند"، رغم أنها فشلت في إغراق أي سفينة بسبب الطوربيدات المعيبة.

وعرض "كول" تقديم دعم كامل لبناء غواصتين من طراز 209، وتم تحديدهما في فئة "دولفين"، إضافة إلى تغطية 50% من تكلفة الغواصة الثالثة عام 1994.

ويبلغ طول غواصة "الدولفين" 57 مترا، ويديرها طاقم مكون من 35 شخصا، ودخلت هذه الغواصات الخدمة في عامي 1999 و2000.

وأتيحت كل غواصة من طراز «دولفين» مزودة بـ6 أنابيب عادية لإطلاق طوربيدات موجهة وصواريخ "هاربون" المضادة للسفن، إضافة إلى 4 أنابيب ضخمة بحجم 650 مليمتر.

وتلعب أنابيب الطوربيد ذات الحجم الزائد دورا إضافيا؛ فهي قادرة على استيعاب القذائف الانسيابية الكبيرة القادرة على حمل رأس حربي نووي.

وبينما يتم قذف الصواريخ الباليسيتية إلى الفضاء بسرعة تفوق الصوت، تطير القذائف الانسيابية ببطء شديد وتهبط على سطح الأرض.

ورفضت الولايات المتحدة في تسعينات القرن الماضي تزويد (إسرائيل) بصواريخ "توماهوك" التي يتم إطلاقها من الغواصات، بسبب قواعد نظام مراقبة تكنولوجيا الصواريخ، التي تحظر نقل صاروخ كروز، الذي يبلغ مداه أكثر من 300 ميل.

تجارب إسرائيلية

وبدلا من ذلك، مضت تل أبيب قدما وطورت نفسها.

وفي عام 2000، قامت رادارات تابعة للبحرية الأمريكية باكتشاف تجارب إطلاق صواريخ من غواصات إسرائيلية في المحيط الهندي أصابت هدفا على بعد 930 ميلا.

ويُعتقد أن هذا السلاح تطوير لصاروخ "كروز" مع قدرة على حمل رأس نووي.

وهناك تقارير أن غواصة إسرائيلية من طراز "دولفين" ضربت ميناء اللاذقية السوري بصاروخ "كروز" تقليدي عام 2013؛ بسبب تقارير عن شحنة من صواريخ "بي-800" الروسية المضادة للسفن.

لاحقا، اشترى رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" 3 غواصات ألمانية أخرى في صفقة أثارت جدلا واسعا.

وفي 2012، نشرت مجلة "دير شبيجل" الألمانية عرضا يوضح كيف كان المهندسون الألمان على دراية جيدة بالدور المقصود للغواصات كحامل لتوصيل الأسلحة النووية.

ومع ذلك، فإن هناك عقبات جغرافية تقلل من التطبيق العملي للردع النووي الإسرائيلي القائم على البحر.

ففي الوقت الراهن، لا يوجد سوى هدف واحد مقصود، وهو إيران، البلد التي تبعد مئات الأميال عن (إسرائيل).

وبينما تبتعد طهران بالكاد عن نطاق 930 ميل الذي يحدد قدرة الغواصة الإسرائيلية المنتشرة من قاعدتها في حيفا إلى البحر المتوسط​​، فإن الصواريخ ستضطر إلى قضاء أكثر من ساعة من التحليق فوق سوريا والعراق، الأمر الذي يطرح تحديات ملاحية ويشكك في قابليتها للاستمرار في الجو.

ويمكن لـ(إسرائيل) أن تختار أماكن أقرب للهجوم، مثلا من الخليج العربي، لكن هذا يشمل نقل الغواصات عبر قناة السويس (التي تسيطر عليها مصر)، أو تمركز بعضها في القاعدة البحرية في "إيلات"، التي تواجه خليج العقبة على الطرف الجنوبي لـ(إسرائيل)، ويحيط بها مصر والأردن والسعودية.

باختصار، يتطلب نشر غواصات إسرائيلية إلى الجناح الجنوبي لإيران درجة معينة من التعاون والدعم اللوجيستي من دول شرق أوسطية أخرى قد لا تكون متوقعة في سيناريو الأزمات.

وفي هذا الشأن، لا تواجه (إسرائيل) في الوقت الحالي أي خصوم يمتلكون قدرات نووية لردعهم.

ومع ذلك، فإن تهديد الأسلحة النووية التي يتم إطلاقها من البحر قد يكون سلاحا سياسيا رادعا أكثر من كونه سلاح يمتاز بفعاليته العسكرية.

  كلمات مفتاحية

إسرائيل سلاح نووي