"ن. تايمز": الاحتجاجات الإيرانية تضغط على النظام لكنه يقاوم بشراسة

الأحد 5 أغسطس 2018 03:08 ص

في إيران، رغم الحرارة الشديدة من مدنها الجنوبية إلى العاصمة المزدحمة، تتزايد حدة الاحتجاجات في الأشهر الأخيرة، الأمر الذي يسعد إدارة "ترامب"، التي تأمل أن يؤدي الاضطراب المدني إلى الضغط على قادة البلاد.

وتحولت بعض المظاهرات، حول الاقتصاد الضعيف، والقواعد الإسلامية الصارمة، ونقص المياه، والنزاعات الدينية، والشكاوى المحلية، إلى تهديد خطير للنظام، وهتف المتظاهرون بشعارات قاسية ضد الزعماء من رجال الدين والسياسة، ويتم مشاركة الأحداث على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعية، وعلى عشرات القنوات الفضائية باللغة الفارسية عبر الجمهورية الإسلامية.

ويوم الخميس الماضي، وصلت الاحتجاجات إلى مدن "آراك" و"أصفهان" و"كرج" و"شيراز"، حيث خرج الناس، في أعداد كبيرة إلى الشوارع، ورددوا شعارات مثل "لا لارتفاع الأسعار"، ولكنهم أيضا انتقدوا كبار المسؤولين.

وقد تم تنظيم احتجاج أصغر في "طهران"، حيث تم اعتقال بعض الأشخاص، وفقا لمقاطع فيديو تم التقاطها في مكان الحادث.

وذكرت وكالة أنباء "تسنيم"، شبه الرسمية، أن محتجين هاجموا مدرسة دينية يوم الخميس في مدينة "آشتيرد" غربي العاصمة، مما أجبر 500 من رجال الدين على الفرار.

وعاد سائقوا الشاحنات، الذين أضربوا في مايو/أيار بسبب تأخر أجورهم، إلى إضرابهم، الأسبوع الماضي. وقد أثر الإضراب على شحنات الوقود، وترك بعض محطات البنزين خالية في أجزاء من البلاد، بما في ذلك مناطق بحر قزوين شمال طهران.

وفقدت العملة الإيرانية، الريال، ما يقرب من 80٪ من قيمتها مقارنة بالعام الماضي، وقد ضعفت، على الأقل جزئيا، لأن إدارة "ترامب" انسحب بالولايات المتحدة من الاتفاق النووي في مايو/أيار، وأعاد العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران. ومن المقرر أن تصبح الدفعة الأولى من تلك العقوبات التي تم تجديدها سارية المفعول اليوم الاثنين.

ويتعرض الرئيس "حسن روحاني"، رئيس إيران، الذي أيد الاتفاق النووي، لانتقادات شديدة، ليس فقط من جانب المتشددين، بل أيضا من الإيرانيين الذين صوتوا له، وهم الطبقة الوسطى الواسعة، وتقول كلتا المجموعتين إن سياساته الاقتصادية قد فشلت.

وبدأت المظاهرات بعد أسبوع من الاحتجاجات غير المسبوقة على مستوى البلاد في يناير/كانون الثاني. وفي أكثر من 80 مدينة، بما في ذلك طهران، خرج الناس إلى الشوارع بمطالب اقتصادية ودعوات لمزيد من الحريات، وفي المجموع، تم قتل 25 شخصا، واعتقال أكثر من 4 آلاف.

وكانت الاحتجاجات على مدى الأشهر الـ ٦ الماضية معزولة نسبيا ومتقطعة ومتناثرة، وأقل بكثير من المظاهرات المناهضة للحكومة في عام 2009، عندما خرج الملايين إلى الشوارع. لكنها تعكس شعورا مشتركا من عدم الرضا المتصاعد، كما يقول الكثيرون.

لكن قوات الأمن، التي تضع في اعتبارها اضطرابات عام 2009، أصبحت أكثر قدرة على سحق أي مظاهرات مناهضة للحكومة. ولا يمتلك المتظاهرون قيادة موحدة ولا أجندة واضحة.

وقال "بهمن أموي"، وهو ناشط سياسي معروف أمضى أوقات سابقة في السجن بسبب نشاطاته: "في هذه المرحلة، ليس هناك رؤية، ولا قيادة. ولن تؤدي الاحتجاجات إلى أي سلسلة من ردود الفعل في جميع أنحاء البلاد".

وقال: "علي أن أعترف بأن الدولة، وأجهزتها الأمنية والدعائية، قادرة على هندسة الرأي العام بنجاح كبير، وإقناع السكان الأوسع بأن الوضع الراهن في صالحهم، وأن التغيير سيكون مكلفا للغاية".

جديرة بالملاحظة

ومع ذلك، بالنسبة لبلد بها 80 مليون نسمة، وهي واحدة من أهدأ المناطق في الشرق الأوسط، فإن القائمة المتنامية للمظاهرات والإضرابات جديرة بالملاحظة.

وفي شهر يوليو/تموز، سار تجار سوق طهران عبر المدينة احتجاجا على ارتفاع الأسعار واشتبكوا مع قوات الأمن بالقرب من مبنى البرلمان. واشتبك المتظاهرون في مدينة "خرمشهر" الحدودية الجنوبية مع قوات الأمن لعدة أيام بسبب نقص المياه. وفي تحد لمخاطر الاعتقال، احتجت النساء على الحجاب الإلزامي، وفي فبراير/شباط، اندلعت اشتباكات دامية بين أفراد أقلية دينية وقوات الأمن. وفي مارس/آذار، انتشرت الاحتجاجات على نقص المياه إلى "أصفهان"، ثالث أكبر مدينة في إيران.

وكانت هناك أيضا إضرابات، لا سيما في المناطق الكردية، حيث أغلقت الأسواق في أبريل/نيسان للاحتجاج على القيود المفروضة على التجارة الحدودية، وبدأ سائقو الشاحنات الإضراب في الشهر التالي.

وفي مدينة "كازرون"، قُتل شخصان في اشتباكات حول خطط لإعادة رسم حدودها.

وتظهر مقاطع الفيديو أن بعض المحتجين ذهبوا إلى أبعد من المظالم الاقتصادية الصارمة لتحدي سياسة إيران الخارجية والقواعد الدينية. كما تنتقد شعارات الاحتجاج العلمانية، القيادة الإيرانية لدعمها للنظام السوري وجماعات في الأراضي الفلسطينية وفي لبنان.

ويثير المتظاهرون في كثير من الأحيان اسم "رضا شاه"، وهو استبدادي أسس إيران الحديثة في بداية القرن، وحكمها بقبضة قوية للغاية.

وفي "خرمشهر"، أظهرت مقاطع الفيديو المتظاهرين وهم يهتفون: "لقد نهبونا باسم الدين".

وبسبب قيود السفر المفروضة على المراسلين الأجانب، من الصعب تحديد نطاق المظاهرات والاشتباكات في جميع أنحاء البلاد.

وتشير المقابلات التي تم إجراؤها مع المحتجين في طهران إلى أنهم يشعرون بالغضب مما يعتبره الكثيرون عدم الكفاءة الاقتصادية للحكومة والفساد المنتشر.

وقال أحدهم إنه يشعر كما لو أن حياته تتقلص كل يوم، وببساطة لم يعد بإمكانه أن يعيشها.

وقال المتظاهر "حسن السيدي"، وهو سمسار في سوق للإلكترونيات في طهران: "لقد تلقينا أخبارا سيئة لأيام، وامتلأت قلوبنا بالغضب".

وفي الأشهر الأخيرة، أغلق هو وزملاؤه متاجرهم بشكل عفوي، وخرجوا إلى الشوارع، ورددوا شعارات ضد النظام وتصادموا مع الشرطة. وأغلق التجار الآخرون متاجرهم بدافع التضامن. وأمام مبنى البرلمان، صاح حشد مكون من المئات منه بالموت للنظام.

وقال "السيدي": "قمنا بالتصوير، وأخذت صورا شخصية لنفسي (سلفي). وفي اليوم الثاني، خرجنا مرة أخرى". لكنه عاد الآن إلى متجره الصغير، حيث يدفع إيجارا شهريا يزيد عن 3100 دولار.

وقال: "لا أستطيع تحمل الكثير من الاحتجاجات. أنا بحاجة إلى الحصول على أموال".

وقد أدت الاحتجاجات إلى تفاقم الأزمة المزمنة التي يواجهها قادة إيران، وهم يستعدون للتعامل مع العقوبات الأمريكية العائدة. ويخرج المستثمرون الأجانب من البلاد، وقد عملت الحكومة الإيرانية، التي توقعت انخفاض دخل النفط، على تشديد استخدام العملة الأجنبية. وقد أدت هذه الخطوة إلى تسريع تراجع الريال، الأمر الذي أدى إلى غضب يبدو أنه يستهدف القادة الإيرانيين أكثر من الولايات المتحدة.

ويقلل المتشددون باستمرار من شأن الاحتجاجات.

وقال "حميد رضا تاراغي"، وهو محلل سياسي: "يخرج نحو ١٠٠ شخص إلى الشوارع في مدن يسكنها ٥ ملايين شخص". واتهم أعداء إيران، ولا سيما الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية و(إسرائيل)، بمساعدة جماعات المعارضة الأجنبية على خلق الاضطرابات.

ويناضل قادة إيران للتوصل إلى حلول جديدة للحفاظ على استمرار العمل في بلادهم. وفوق ذلك، تؤدي الخلافات بين الفصائل إلى اتهامات يومية بالفساد.

وفي الشهر الماضي، زعم موقع على شبكة الإنترنت، مرتبط بمرشح رئاسي سابق، وهو "مهدي كروبي"، الذي ظل قيد الإقامة الجبرية منذ عام 2011، أن الجنرال "قاسم سليماني"، زعيم المتشددين، كان جزءا من الفساد المتعلق بمافيا السيارات المستوردة. وانتقدت المنافذ الإخبارية المتشددة صور "روحاني"، الذي يرتدي الماركات الأجنبية.

ولكن بعيدا عن الاتهامات، لا يبدو أن أحدا لديه حل.

وقال "حجت كالاشي"، وهو عالم اجتماع تم منعه من مغادرة البلاد بسبب كتاباته: "هناك عدم كفاءة على جميع المستويات. ويأمل المسؤولون لدينا في الحصول على شكل من أشكال الاختراق الدولي للحصار المنتظر ولكن في الواقع ليس لديهم استراتيجية".

وفي سوق طهران الكبير، عادت الأمور إلى طبيعتها بعد الاحتجاجات والإضراب الشهر الماضي. وفي منطقة تجارة الذهب، اعترف تاجر واحد، هو "مصطفى عرب زاده"، بأنه أغلق محله. وقال إنه فعل ذلك "لحماية ممتلكاته الثمينة".

وقال "عرب زاده" إنه يكره المحتجين، وشعر بأنهم دمى في أيدي أعداء إيران.

وقال: "الناس الغاضبون ينسون أن لدينا شيء واحد لا تملكه بقية المنطقة، السلام والاستقرار"، مضيفا: "علينا أن نعتز بذلك".

لكن الكثيرون اتفقوا على أن الاحتجاجات والإضرابات سوف تستمر بشكل أو بآخر.

وعندما تمت إعادة فتح المدارس بعد العطلة الصيفية، قال "إبراهيم غولباف"، والذي يعمل ناشرا: "من المرجح جدا أن ينضم الطلاب والأساتذة إلى المظاهرات، مما قد يشكل تحديا جديدا لقوات الأمن". وأكد: "الناس يريدون أن يتم سماع أصواتهم".

المصدر | توماس إردبرينك - نيويورك تايمز

  كلمات مفتاحية

الاحتجاجات الإيرانية التظاهرات في إيران الحرس الثوري الإيراني حسن روحاني