بعد أزمتها مع كندا.. من يحاسب السعودية على تجاوزاتها؟

الأربعاء 8 أغسطس 2018 10:08 ص

في وقت مبكر من الإثنين، ردت المملكة العربية السعودية بأكثر من بيان على تغريدة واحدة صدرت عن وزارة الخارجية الكندية ودعت فيها عبر "تويتر"، السعوديين إلى "الإفراج فورا" عن الناشطة السعودية المحتجزة لدى المملكة "سمر بدوي"، شقيقة "رائف بدوي"، بالإضافة إلى "جميع الناشطين السلميين الآخرين"، وهاجمت وزارة الخارجية السعودية الكنديين في بيان قائلة إن التدخل الكندي "مؤسف ومستهجن وغير مقبول"، وأعلنت عن "تجميد جميع المعاملات التجارية والاستثمارية الجديدة" مع كندا، وطالبت سفير كندا بمغادرة البلاد "خلال 24 ساعة".

وفي الوقت نفسه، أخذت حسابات سعودية على "تويتر" في التعبير عن دعم شديد لاستقلال "كيبيك"، وبالطبع كان هذا غريبا، فمتى كانت المملكة المطلقة في الخليج العربي متحمسة جدا لحركة انفصالية ناطقة بالفرنسية على بعد 6 آلاف ميل؟ وربما يكون الرد المماثل من الكنديين دعم انفصال المنطقة الشرقية التي يسيطر عليها الشيعة في المملكة.

وصعدت المملكة الخلاف عبر تعليق المنح الدراسية "لنحو 16 ألف طالب سعودي" يدرسون في كندا، حسبما ذكرت "تورونتو ستار"، وتمت مطالبتهم بالذهاب إلى مدارس في مكان آخر.

وبعد ذلك، وهذا هو الجزء المفضل لدي من هذه الحلقة الغريبة بأكملها، قامت مجموعة سعودية بوضع صورة على "تويتر" لطائرة كندية تطير مباشرة نحو أعلى مبنى في "تورونتو"، مع تحذير لكندا من التدخل في شؤون الآخرين، وقد قامت المجموعة السعودية في وقت لاحق بحذفها وقدمت اعتذارا.

لقد خرجت سياسة المملكة الخارجية في بعض الأوقات عن المقبول، ولكن، مرة أخرى، قد يكون ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان"، قد التقم أكثر مما يستطيع مضغه. ومن الجنون أن تحاول المملكة العداء مع حكومة غربية، كانت حتى يوم الأحد صديقا للسعودية وموردا رئيسيا للأسلحة لها، مقابل انتقادات على الإنترنت حول انتهاكات حقوق الإنسان (التي لا يمكن إنكارها). فما هي الرسالة التي يرسلها هذا إلى الحلفاء الغربيين الآخرين للرياض، الذين يرغبون أيضا في طرح إدانات بسيطة لمختلف الإساءات السعودية من أجل تهدئة ناخبيهم؟ وما هي اللعبة التي تلعبها المملكة هنا؟

ولماذا، على سبيل المثال، نسمع الكثير من الضجيج وإظهار هذا الغضب (الزائف) حول "التدخل الواضح والصريح من قبل كندا في الشؤون الداخلية" للمملكة، وبالتالي جذب الانتباه إلى "التدخل الواضح والصريح" من قبل المملكة في سوريا والبحرين ولبنان والعراق وليبيا ومصر، وبالطبع اليمن؟ المعايير المزدوجة لا يمكن الدفاع عنها.

وكان من الممكن لهم مجرد تجاهل كندا، والتشويش بشكلها رسمي عن قمعها لناشطي حقوق المرأة والباقين. فلقد فعلوا ذلك من قبل. لكن السعوديين، بقيادة ولي العهد الاندفاعي و"الحساس"، أثبتوا أنهم أسوأ أعداء لأنفسهم. فلم يستطع منافسوهم الإيرانيون، ولا القطريون، ولا الأتراك، الدفع نحو نوع التغطية الإعلامية السلبية المعادية للسعودية التي يبدو أن الناس في الرياض ينتجونها بأنفسهم.

وبالنظر إلى ملف اليمن. ففي هذا الصيف، تحدثت الصحف عن غارة جوية سعودية أصابت حفل زفاف في قرية الرقة الجبلية النائية، مما أسفر عن مقتل 23 مدنيا، بينهم أطفال، وإصابة العشرات.

وفي متابعة، أشارت صحيفة "واشنطن بوست" إلى أرقام الأمم المتحدة، التي تظهر أن "أكثر من 3 أعوام من الحرب الأهلية في اليمن، خلفت أكثر من 16 آلاف ما بين قتيل وجريح من المدنيين، الغالبية العظمى منهم بسبب الغارات الجوية".

وأشارت الصحيفة إلى أن التحالف الذي تقوده السعودية "هو الممثل الوحيد في الصراع الذي يستخدم الطائرات الحربية، ومعظمها مقاتلات أمريكية وبريطانية الصنع. وقد ضربت الغارات الجوية المستشفيات والمدارس والأسواق وقوارب المهاجرين ومحطات الوقود، وحتى تجمعات الجنائز، مما أثار تساؤلات حول قدرة التحالف على الالتزام بالقوانين الإنسانية التي تدعو إلى حماية المدنيين".

وقد أدى الحصار والقصف المستمر بقيادة السعودية لليمن إلى قيام السياسيين والمثقفين والناشطين في جميع أنحاء الغرب باتهام الجيش السعودي بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية"، ووصفوا "بن سلمان" بأنه "مجرم حرب".

ثم هناك قضية الإرهاب برمتها، وفي هذا الأسبوع، عندما صعّد السعوديون مشاحناتهم الدبلوماسية مع الكنديين، ذكرت وكالة "أسوشيتد برس" أن التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن "أبرم صفقات سرية مع مقاتلي القاعدة، ودفع بعض المال لهم لترك المدن والبلدات الرئيسية، وأنها زودتهم بالأسلحة والمعدات والكثير من الأموال، في حين تم تجنيد المئات منهم للانضمام إلى الائتلاف نفسه".

وبحسب وكالة "أسوشييتد برس"، فإن "هذه التنازلات والتحالفات سمحت لمقاتلي القاعدة بالبقاء للقتال في المستقبل، في مخاطرة تسمح بتقوية أخطر فرع من الشبكة الإرهابية التي نفذت هجمات 11 سبتمبر/أيلول".

إذن، فما هو رد فريق الرئيس "دونالد ترامب" على كل هذا؟ قال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية لـ"هاف بوست"، يوم الإثنين، إن الإدارة لن تكون طرفا في الخلاف، لأن "كندا والمملكة العربية السعودية حليفتان مقربتان للولايات المتحدة".

عفوا، ماذا؟ "كلاهما حليفين مقربين"؟ هل تعمل كندا مع تنظيم "القاعدة" في اليمن؟ وهل قامت بصفقات معها وتجنيد المقاتلين من المجموعة التي تقف وراء الهجوم على البرجين؟ وبينما نحن في موضوع تنظيم "القاعدة"، فكم من بين الـ19 من الخاطفين في 11 سبتمبر/أيلول كانوا كنديين؟

على حد تعبير السيناتور "بيرني ساندرز"، عندما جلس ليتحدث حول السياسة الخارجية معي في سبتمبر/أيلول الماضي، قال: "هل أعتبر (السعوديين) حليفا؟ أنا أعتبرها دولة غير ديمقراطية، دعمت الإرهاب في جميع أنحاء العالم، لقد مولت الإرهاب، لذا لا يمكنني ذلك... لا، فهم ليسوا حليفا للولايات المتحدة".

وربما تتخذ الحكومة الكندية المتألمة الآن موقفا مماثلا للسيناتور المستقل عن ولاية "فيرمونت"، فغالبية الكنديين، مثل غالبية الأمريكيين والبريطانيين، ليسوا معجبين بعلاقات حكوماتهم الوثيقة مع الدكتاتورية السعودية، ومبيعاتها المستمرة من الأسلحة. وقد تجعلهم المضايقات من قبل "بن سلمان" وحكومته أكثر عداء للمملكة، وربما تجعل حكوماتهم تنحاز أكثر لناخبيها، ضد مصالح الرياض؛ وإذا حدث ذلك، ستكون "صورة تويتر السخيفة" والعدائية، يوم الإثنين، هي أقل ما يقلق السعوديين.

  كلمات مفتاحية

الاقتصاد الكندي العلاقات السعودية الكندية القاعدة إدارة ترامب