استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

"ضمانات النظام" هي كل ما تقدمه روسيا لعودة اللاجئين

الأحد 12 أغسطس 2018 06:08 ص

مر الخبر عاديا وعابرا: سحبت القوات الإيرانية أسلحتها الثقيلة إلى مسافة 85 كيلومترا من الحدود بين إسرائيل وسورية في هضبة الجولان. ورد على لسان المبعوث الروسي إلى سورية ألكسندر لافرنتييف، ونقل عن وكالة "تاس".

إلا أن إسرائيل شككت، وقبل كانت رفضت عرضا أعلنت عنه موسكو بسحب الإيرانيين إلى مئة كلم. لم تعلق طهران في الحالين، أو لعلها تركت لأنصارها أن يفهموا وينسوا تلقائيا أنها وعدتهم قبل بضعة شهور بأنهم سيشعلون جبهة الجولان وستتاح لهم أخيرا مقاتلة إسرائيل مباشرة.

الحرب الموعودة لن تقع، انتهت قبل انطلاقها. و "النصر" الأكيد تأجل الى إشعار آخر.

لم تتخيل إيران يوما يصبح فيه تمركز ميليشياتها مرتبطا بقرار إسرائيلي. ظنت أنها تتقاسم القرار مع الروس في كل ما يتعلق بسورية، وأنها شريكتهم في التصرف بورقة بشار الأسد، أو أن الأخير سيتمسك بتحالفها معها في أي حال.

ولو عاد الأمر إليه فإنه لا يمانع اللعب بكل الأوراق معا، الروسية والإيرانية والإسرائيلية، آملا بأن يصبح الاهتمام الأميركي مباشرا بعدما ظل غير مباشر منذ بداية الأزمة.

لكن مساحات المناورة ضاقت أمامه، فبين أفيغدور ليبرمان وقاسم سليماني لم تعد الخيارات كثيرة، وبين إيران المأزومة وإسرائيل الواعدة (المتواطئة مع روسيا) لا مجال للحيرة.

في الآونة الأخيرة، صار خروج إيران من سورية حديثا دائما، وضرب مواقع "خبرائها" وميليشياتها خبرا شبه يومي. لم يعد متاحا لطائراتها النزول في مطار دمشق ولا في مطار النيرب كبديل منه.

لكن التنسيق الروسي الإسرائيلي أتاح لأتباعها القتال في درعا من دون اقتراب من القنيطرة. بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، بدا أن هناك جدولا عسكريا زمنيا شرعت إسرائيل في تنفيذه، بضربات واسعة وقاسية شكلت أيضا رسائل روسية لم يعد في إمكان طهران تجاهلها أو التغاضي عنها.

كانت تلك وسيلة موسكو "لإقناع إيران بسحب قواتها" من سورية من دون أن تفرض ذلك عليها، بحسب السفير الروسي في تل أبيب أناتولي فيكتوروف الذي قال أن روسيا "ستتنبه للمصالح الأمنية الإسرائيلية في أي تسوية مستقبلية في سورية" و"ستتأكد من عدم وجود قوات إيرانية أو عناصر تابعة لحزب الله في الجولان".

وعندما تحدث ناطق الخارجية الإيرانية، للمرة الأولى، عن احتمال الانسحاب فإنه ربطه بأمرين: إذا تحقق استقرار نسبي، وإذا طلبت حكومة النظام.

وفي أي حال لم تعد طهران مؤثرة في مجرى الأحداث: استعادة النظام السيطرة في الجنوب، مفاوضاته مع أكراد شمال شرقي سورية، ومجمل الخطط التي تعمل عليها روسيا سواء بالتفاهم مع الأميركيين أو من خلال مسار "آستانة - سوتشي".

كان واضحا في الاجتماع العاشر لمسار آستانة أن السلوك الروسي تغير:

- أولا بنقل المسار إلى سوتشي والإيحاء القوي بأنها ستكون بديلا من أي مسار آخر،

- ثانيا باللهجة التي تحدث بها لافرنتييف،

- ثالثا بوضوح أن الجانب الروسي باتت عنده خطة.

يعزى ذلك إلى قمة هلسنكي التي أكدت أن فلاديمير بوتين يملك تفويضا أميركيا للتصرف في سورية، بالتعاون مع إسرائيل، وبالعمل على إخراج الوجود الإيراني المسلح، وبشيء من المراعاة لتركيا موقتا لأنها تمسك بالورقة العسكرية والسياسية الأخيرة للمعارضة. سبق القمة وعقبها إنهاء وجود الفصائل المسلحة في الجنوب على نحو أسهل مما كان متصورا.

بقيت نقاط غامضة في الموقف الأميركي، فهو داعم لكن غير مساهم، داعم برفع الغطاء عن فصائل الجنوب وبعدم الاعتراض على التقارب بين النظام و "قوات سورية الديموقراطية" الكردية وعلى استفادة النظام من حقول النفط التي يسيطر عليها الأكراد في دير الزور.

لذلك، فإن الروس حاولوا ويحاولون استغلال وحتى اختبار بعض ما تلفظ به دونالد ترامب في هلسنكي في ما يخص معالجة الجانب الإنساني من الأزمة السورية، أولا بإرسال خطة لإعادة اللاجئين والإلحاح على مناقشتها لتفعيلها، ثم بإرسال اقتراحات لإعادة الإعمار.

وتشير المراسلات في هذين الشأنين بين وزارتي الدفاع إلى أن بوتين فهم أو أبدى تفضيلا لأن تكون كل الملفات رهن التنسيق بين القوات الأميركية والروسية.

غير أن التعجل الذي تبديه روسيا لا تقابله بعد استجابة مماثلة من الجانب الأميركي، إذ إن وزير الخارجية الأميركي لم يجد ضرورة للقاء نظيره الروسي على هامش قمة مجموعة "آسيان" في سنغافورة، كما أن ردود رئيس الأركان الأميركي على نظيره الروسي لا تنبئ بأن تنسيقا عمليا قد بدأ.

غضب الروس من تسريب اقتراحاتهم إلى الإعلام خلافا لاتفاق على عدم نشر محتوى الاتصالات إلا بعد موافقة الجانبين عليها، وغضبوا أكثر لأنهم لم يلمسوا استعدادا أميركيا للشروع في العمل معا.

خصوصا أن موسكو عرضت ضمانات أمنية (مع النظام السوري!) لتسهيل عودة اللاجئين من مخيم الركبان (في منطقة التنف داخل سورية) إلى مناطقهم، ما يعني تفكيك القاعدة التي أنشأها الأميركيون.

بل عرضت تنسيقا في إزالة الألغام في الرقة، وقبل ذلك حضت مجلس الأمن على إلغاء العقوبات لإنعاش الاقتصاد السوري ووضعت ذلك في إطار "عودة اللاجئين" وطلبت دعما ماليا دوليا لإعادة لاجئي الأردن وتركيا ولبنان.

لكن كل هذه العروض تستند إلى "ضمانات النظام" كما لو أن موسكو لا تعرف ما جرى في سورية.

لم يكن مستغربا التفويض الأميركي لروسيا، خصوصا أنه أرفق بضمانات صلبة مشتركة لـ "أمن إسرائيل"، ثم إن ترامب كان ولا يزال مهتما بالانسحاب من سورية وبعدم إنفاق أموال حيث لا مصالح لأميركا، كما أنه لا يبالي بشروط الحل السياسي ولا بمصير بشار الأسد ولا بمصير السوريين ويعتبرها شؤونا متروكة للروس.

كل ما تفعله الإدارة الأميركية أنها تنبه من حين لآخر إلى أن إعادة الإعمار مرتبطة بـ "عملية شاملة تتضمن انتخابات بإشراف الأمم المتحدة وانتقالا سياسيا"، وهذا ما جددت التذكير به أخيرا مركزة على "عملية جنيف".

وإذ يترك الأميركيون بوتين يتصرف كما يشاء فإنهم يعتبرون اعتماده على الإيرانيين والأتراك جزءا من "التفويض" وليسوا مضطرين لمشاركته فيه.

مع ذلك، لا يجهل الأميركيون أن الروس بنوا استراتيجيتهم السورية وطبقوها على أسس غير متوازنة ولا يمكن أن تؤدي إلى النتائج التي يسعون إليها اليوم: إنهاء الصراع الداخلي، إخضاع الشعب، حل سياسي محوره الأسد ونظامه، عودة اللاجئين، إعادة الإعمار بتمويل غربي...

على رغم كل ما سمعه الروس منذ تدخلهم فقد رفضوا في أي مرحلة تغيير نهجهم، ولم يكونوا يرون سوى "الإنجازات" العسكرية التي تضاعف التعقيدات والصعوبات.

حتى عندما أتيح لهم أن يجدوا مفاتيح أخرى للنجاح في تحقيق الأهداف فقد عمدوا إلى تبديدها، إذ فشلت ضماناتهم في الغوطة الشرقية ودرعا ومناطق شتى في فرض سلوكات أخرى على النظام الذي يعاود حيثما يسيطر ممارساته الاستبدادية.

بل حتى في مناشدتهم المجتمع الدولي دعم عودة اللاجئين وتمويل إعادة الإعمار لا يجد الروس مشكلة في عرض "ضمانات النظام" أو في القول أن "دمشق تضمن أمن...!".

هذا لا يعني فقط أن الروس مصرون على إنكار حقيقة الأزمة، بل مصرون أيضا على اعتبار سكوت الدول بمثابة قبول ببقاء الأسد وتبرئة له ولنظامه من جرائمهم.

الواقع أن هذه الدول، بما فيها أميركا، تقول لبوتين، كذلك للأسد وسليماني، أن إعمار سورية هو أولا مسؤولية من دمرها، وإذا كان الحل السياسي (الروسي) يؤمن عودة "آمنة وطوعية وبكرامة" للاجئين فلن يلقى سوى الترحيب.

لكن روسيا غير واثقة في أن "حلها" يشق طريقه، لأنها ببساطة غير راغبة وغير قادرة على الاعتراف بأخطاء النظام.

وإذ بلغ التفويض، الأميركي والدولي، حد تجاهل خروج المبعوث الأممي والأمم المتحدة ذاتها عن منطوق القرارات الدولية، أملا بأن ينجح الروس في ما يدعونه، فإن هؤلاء بادروا إلى فرض تكتم وتعتيم صارمين على كل ما يتعلق بالجانب السياسي للأزمة، كما لو أنهم يهيئون لمفاجأة؟!

  • عبدالوهاب بدرخان - كاتب وصحافي لبناني

المصدر | الحياة

  كلمات مفتاحية

سورية روسيا «عودة اللاجئين» «ضمانات النظام» التفويض الأميركي لروسيا «أمن إسرائيل» دونالد ترامب انسحاب من سورية شروط الحل السياسي مصير بشار الأسد محمد كوثراني