مبادرات المصالحة في مصر.. الطريق مسدود دائما

الثلاثاء 14 أغسطس 2018 08:08 ص

"ليس هناك توجه للمصالحة مع من استباح دماء المصريين ورفع السلاح في وجههم، ويقصي عن الحياة السياسية الغالبية العظمى من الشعب المصري".. بهذه الكلمات حسم وزير الخارجية المصري، "سامح شكري"، الجدل الذي يتجدد كل فترة حول إمكانية المصالحة بين النظام الحالي وجماعة "الإخوان المسلمين".

تصريح "شكري" تقابله شروط مسبقة للجماعة التي تم الانقلاب على حكمها في 3 يوليو/تموز 2013، وزج بعشرات الآلاف من أعضائها في السجون، أبرزها عودة الرئيس المنتخب "محمد مرسي" لسدة الحكم، وإطلاق سراح المعتقلين، قبل بدء أي حوار.

الرغبة المصرية في عدم إجراء مصالحة وما يتبعها من إجراءات على الأرض بزيادة التضييق على المعارضة بكل أطيافها ورفض إصدار قانون "العدالة الانتقالية"، وشروط الجماعة المسبقة، يجعلان طريق المصالحة في مصر مسدودا دائما.

ورغم ذلك، يتجدد الجدل بشكل شبه دوري، حول مسألة المصالحة، وسط مبادرات رسمية من الجماعة أو غير رسمية تقدمها شخصيات عامة مصرية وعربية لمحاولة الوساطة بين الجانبين، وسط رفض تام من دوائر محسوبة على النظام المصري.

مبادرات متجددة

في الأسابيع الماضية، شهدت الساحة السياسية المصرية طرح عدة مبادرات، أبرزها ما طرحه عضو "المجلس القومي لحقوق الإنسان" (حكومي مصري)، "كمال الهلبوي"، ثم السفير السابق "معصوم مرزوق"، وأخيرا الطرح الذي تقدمت به جماعة الإخوان.

ورغم أن هذه المبادرات لم يتم الرد عليها رسميا من قبل النظام، إلا أن تجاهلها يشي إلى عدم رغبة من السلطات -التي تعتبر نفسها في موضع قوة وسلطة وسيطرة على الحكم- في المصالحة مع الجماعة، حسب مراقبين.

وفي الوقت الذي اكتفى فيه "الهلباوي"، عبر مبادرته، بتشكيل "مجلس حكماء"، يضم شخصيات وطنية مصرية وعربية ودولية، للوساطة بين نظام "السيسي" وجماعة الإخوان.

ذهب "مرزوق"، إلى ما هو أبعد من ذلك، عندما أطلق نداءً بإجراء استفتاء شعبي على نظام الحكم الحالي، وقال إنه في حال موافقة (50%+1) من الناخبين المصريين على استمراره، فإن ذلك يعد تأييدا لسياساته المتبعة في كل المجالات.

أما إذا رفضت الأغلبية استمراره، فإن الاستفتاء يعد بمثابة إعلان دستوري يتوقف بمقتضاه العمل بالدستور، وإنهاء ولاية "السيسي"، وحل البرلمان، وإعلان استقالة الحكومة القائمة، وتولي مجلس انتقالي (مكون من 13 شخصا) أعمال الحكم والتشريع لمدة 3 أعوام، يتم بعدها إجراء انتخابات رئاسية.

أما جماعة الإخوان، فأطلقت، الثلاثاء، مبادرة للخروج مما اعتبرته "النفق المظلم" بالبلاد، تتضمن إجراء انتخابات رئاسية جديدة، يدعو لها "مرسي"، الذي دعت إلى عودته للحكم، ومن ثم بدء حوار وطني مجتمعي شامل في مناخ صحي.

دعوة الإخوان هذه لا يمكن فصلها عن تصريحات سابقة لأمين عام الجماعة، "محمود حسين"، قال فيها إنه لن يتم النظر إلى أي مبادرة، لا تتضمن الإفراج الفوري عن كل المعتقلين السياسيين.

النظام يشاهد

كل هذه المبادرات، وغيرها، كان مصيرها المشاهدة من قبل النظام، بينما جاء الرد من أذرعه الإعلامية تارة، أو محامين مؤيدين له تارة أخرى، من خلال إقامة دعاوى قضائي ضد مقدمي المبادرات.

إذ تم اتهام "الهلباوي"، بأنه يسعى لإعادة الجماعة إلى الحياة السياسية من جديد، وأنه يحن إليهم باعتباره كان أحد قياداتها السابقين قبل أن ينشق عنهم.

كما لاحقت "مرزوق" اتهامات بـ"الإساءة" للقضاء، عبر بلاغات للنائب العام، تتهمه بتعطيل أحكام الدستور، والدعوة إلى قلب نظام الحكم.

العدالة الانتقالية

النظام، وإن كان يحرك أذرعته الإعلامية أو القانونية للهجوم على مقدمي المبادرات، إلا انه يعمل في اتجاه آخر بمنع إصدار قانون "العدالة الانتقالية"، رغم أن دستور 2014، ينص على إصداره خلال الفصل التشريعي الأول للبرلمان.

وحسب مصدر نيابي بارز في اللجنة التشريعية بالبرلمان، فإن "تعليمات سيادية (رئاسية) وردت إلى رئيس مجلس النواب علي عبدالعال، بعدم فتح النقاش حول قانون العدالة الانتقالية، والاكتفاء بمشروع القانون، الذي أصدره البرلمان في مارس/آذار الماضي، لتعويض ضحايا ومفقودي ومصابي الجيش والشرطة، وأسرهم، اعتبارا من تاريخ العمل بالدستور في 18 يناير/كانون الثاني 2014، من دون أن يتعرض إلى حقوق الضحايا المدنيين".

وقال المصدر، في حديث لصحيفة "العربي الجديد" اللندنية، إن "المادة الدستورية (المادة 241) نصت على وضع أطر للمصالحة الوطنية، والمحاسبة، وتعويض الضحايا، وفقا للمعايير الدولية، وهو ما يصعب تحقيقه خلال الفترة الراهنة، أو على الأقل خلال ولاية السيسي الثانية (الفترة الأخيرة ما لم يُعدل الدستور)؛ لأن القانون لا بد أن يتضمن فترة زمنية محددة، ومن الصعب تجاهل أحداث جسام كفضّ اعتصامي رابعة والنهضة، واللذين كان السيسي أحد أصحاب قرار فضهما".

وأفاد المصدر بأن التشريع -في حال إصداره- يجب أن يتضمن معايير معممة، وغير انتقائية، لتسري أحكامه على جميع ضحايا الأحداث التي شهدتها البلاد، منذ تاريخ اندلاع الثورة في 25 يناير/كانون الثاني 2011.

وأشار إلى أهمية حصر القانون لكل أحداث العنف من دون تمييز، والمساواة بين جميع الضحايا سواء من الأمن أم المدنيين، علاوة على ضحايا التعذيب أو الإهمال داخل السجون.

وفي مايو/أيار 2017، قال رئيس لجنة الإعلام في البرلمان المصري، "أسامة هيكل"، إن "المجتمع المصري غير مهيأ للمصالحة مع جماعة الإخوان، في ظل استمرار أعمال العنف، وعدم إعلانها الرغبة في المصالحة، وإجراء مراجعات على أفكار أنصارها".

وأضاف: "كان من الممكن التزام البرلمان بالدستور حال تضمنه صياغة أخرى خلاف الواردة في المادة 241 منه".

وكرر "السيسي"، أكثر من مرة، بأن قرار الحوار مع الإخوان "بيد الشعب"، ويعيب عليهم عدم القبول بانتخابات رئاسية مبكرة كانت مطروحة قبيل الانقلاب على "مرسي".

بينما يقول الإخوان إنهم يواجهون محاكمات بحق آلاف من قياداتهم وكوادرهم، ويرفضون الأحكام الصادرة ضدهم.

وأعلنت الحكومة المصرية، في ديسمبر/كانون الأول 2013، الإخوان "جماعة إرهابية"، وذلك بعد الانقلاب على "مرسي" منتصف 2013، بقيادة "السيسي"، الذي كان حينها وزيرا للدفاع وقائدا للجيش.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصالحة مصر الإخوان السيسي مبادرات العدالة الانتقالية