"ستراتفور": استمرار الحصار يعزز تحالفات قطر ويهدد علاقاتها بأمريكا

الخميس 16 أغسطس 2018 10:08 ص

بعد أكثر من عام، لم يقترب الحصار المفروض على قطر من قبل السعودية والإمارات ومصر والبحرين من تحقيق أهدافه.

وكانت البلدان المشاركة في الحصار الدبلوماسي والاقتصادي شرعت في محاولة لتغيير سلوك الحكومة القطرية، بما في ذلك دعمها لـ"جماعة الإخوان المسلمين"، وهي منظمة يعتبرونها تهديدا ثوريا قويا لاستمرارية أنظمتها.

ومع ذلك، لم ينجح الحصار في ذلك.

إذ نجحت قطر في التغلب على تلك العاصفة من خلال اقتصادها وحكومتها؛ الأمر الذي يرجع في جزء كبير منه إلى دعم الولايات المتحدة.

وقد فكر ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" أنه يمكن للحصار أن يستمر إلى ما لا نهاية، ليصبح مثل حصار الولايات المتحدة لكوبا، وجعل ذلك واقعا جديدا.

وإذا استمرت الأمور كما هي، دون أن تسبب ضررا كافيا للتحالف الأمريكي في الخليج العربي لإجبار واشنطن على التدخل، قد تؤتي توقعات "بن سلمان" ثمارها.

ومع ذلك، كلما طال أمد الحصار، كلما ازدادت فرص انحراف الدوحة عن علاقاتها مع واشنطن.

وللتحوط، ستواصل قطر إقامة علاقات أوثق مع تركيا وإيران وروسيا والصين؛ مما يمكّن هذه القوى من اكتساب المزيد من النفوذ في المنطقة، التي تتمتع فيها جميعا بمصلحة حيوية.

نظام دعم جديد

عندما بدأت السعودية والإمارات حصارهما لقطر، في يونيو/تموز 2017، فعلا ذلك اعتقادا منهم أنهم يحظون بدعم الولايات المتحدة.

وعملت الدولتان، إضافة إلى البحرين ومصر، على تحويل واشنطن ضد الدوحة، وبدا أنهم حققوا نجاحا قليلا العام الماضي، عندما استهدف الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" قطر عبر "تويتر".

وحرصا على تجنب تكرار الماضي، حين فقدت قطر دعما حاسما عندما انسحبت المملكة المتحدة من البلاد عام 1971، بدأت الدوحة في البحث عن مساعدة من القوى الأخرى، بدءا من أنقرة.

ومن بين القوى الخارجية المعنية، استفادت تركيا أكثر من الحصار المفروض على قطر.

ووضعت أنقرة جانبا خلافاتها التي دامت قرابة قرن مع الدوحة، وتدخلت سريعا لملء الدور الأمني ​​الذي خلفه دعم واشنطن المبدئي للحصار؛ حيث أقامت قاعدة عسكرية دائمة هناك.

ورغم أن تركيا عضو في "الناتو"، إلا أنها افتتحت القاعدة خارج إطار ميثاق الحلف؛ ما يمثل علامة فارقة لوضعها الأمني ​​المستقل في المنطقة.

وستساعد القاعدة تركيا على حماية قطر ضد أطماع السعودية، وبالتالي تمكين أنقرة من وضع نفسها كمدافع عن الدول السنية الصغيرة ضد هيمنة الرياض.

وإذا كان نجاح قطر في النجاة من الحصار شجعها على استئناف أو تكثيف السلوكيات التي أدت إلى الوضع الحالي، فقد يدفع ذلك الولايات المتحدة للانحياز إلى جانب الدولة المحاصرة.

كما حولت إيران الحصار لصالحها.

وكانت البلاد من أوائل الدول التي حولت الإمدادات من المواد الأساسية لقطر، التي تستورد معظم المواد الغذائية التي يستهلكها سكانها.

ومثل تركيا، استعملت إيران دعمها لقطر لتقويض مزاعم السعودية كحامية للعالم السني العربي.

وعلاوة على ذلك، ساعد الدعم الإيراني لقطر على الحفاظ على شراكتهما في حقل "بارس" للغاز الطبيعي، كما ضمنت للجمهورية الإسلامية إحدى العلاقات القليلة القيمة التي تربطها بالعالم الخارجي، بعد أن أصبحت العقوبات الأمريكية سارية.

كما جعل قطر متعاطفة مع مخاوف إيران.

ومع أعوام من الخبرة في التعامل مع الولايات المتحدة، تتمتع الدولة الخليجية الصغيرة بالمهارات والقدرة على التصرف كوسيط إيراني، وهي قيمة لا تقدر بثمن بالنسبة لطهران؛ نظرا لندرة الاتصالات بين الحكومتين الأمريكية والإيرانية.

وإضافة إلى القوى الإقليمية، لجأت قطر إلى القوى العالمية في جهودها لتنويع خيارات سياستها الخارجية.

وعلى سبيل المثال، أقامت الدوحة علاقات دفاعية أقوى مع الصين؛ حيث اشترت نظام الصواريخ البالستية قصير المدى من طراز "إس واي 400" عام 2017، بينما ناشدت روسيا أن تبيعها نظام صواريخ "إس-400" القوي (الذي تجري الرياض الآن محادثات مع موسكو لتشتريه).

وليس هدف قطر هو تحدي القدرات العسكرية للسعودية، وهو أمر يحول دونه عدد سكانها الصغير نسبيا، لكن من أجل إقامة علاقات جديدة مع موردي الدفاع الرئيسيين في حال غيرت الولايات المتحدة موقفها من الحصار.

وفي هذه الأثناء، تشعر الصين وروسيا بالقلق من التقدم الذي حققته مع قطر، خوفا من استياء دول الحصار، وخاصة السعودية والإمارات ومصر.

وبينما تعمل موسكو بشكل أوثق مع الرياض بشأن سياسة الطاقة؛ فسوف تتجنب عقد صفقات علنية مع الدوحة، رغم أنه إذا استمر الحصار لفترة أطول، فقد تقوم روسيا في النهاية ببيع الأسلحة إلى قطر.

الحيرة في واشنطن

لا تتوافق العلاقات الخارجية الناشئة في الدوحة مع واشنطن، وقد تدفع الولايات المتحدة إلى التحرك إذا شعرت أن تحالفها مع قطر يتعرض للتهديد.

وفي الوقت الراهن، تثير العلاقات المتقاربة بين قطر وإيران قلقا كبيرا للحكومة الأمريكية.

ومع ذلك، يمكن لواشنطن أن تحول انتباهها إلى علاقات الدوحة مع بكين؛ حيث تصبح الصين منافسا أكثر قوة لهيمنة الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم.

وأظهرت الولايات المتحدة بالفعل استعدادها لاستخدام نفوذها الأمني ​​في الخارج في محاولة لمواجهة قوى منافسة، كما حاولت القيام بذلك مع روسيا بشأن بيع نظام "إس-400" الوشيك إلى تركيا.

ومع ذلك، إذا كان نجاح قطر في النجاة من الحصار شجعها على استئناف أو تكثيف السلوكيات التي أدت إلى الحصار في المقام الأول، فقد يدفع ذلك الولايات المتحدة إلى جانب السعودية.

على سبيل المثال، فإن تجديد الدوحة رعايتها لـ"الإخوان المسلمين" قد يحفز إدارة "ترامب" على إعادة النظر في موقفها من النزاع.

وبخلاف ذلك، فإن شبكة الأخبار القطرية "الجزيرة"، التي لا تبتعد عن إثارة الجدل حول تغطيتها للحكومات الأجنبية والشؤون الإقليمية، قد تعيد بلادها إلى الخلف بالنسبة لـ"ترامب" إذا نشرت قصة غير مرغوب فيها عن الرئيس الأمريكي.

وإذا انحازت الولايات المتحدة إلى جانب دول الحصار، فقد يمنح ذلك القوى الإقليمية والعالمية الأخرى التي تقف إلى جانب دولة قطر، ومعظمها من خصوم الولايات المتحدة، المزيد من الفرص لزيادة نفوذها مع الدوحة.

لكن قبل ذلك، لن تتمكن تركيا وإيران والصين وروسيا من تجاوز الولايات المتحدة في قطر.

ويمكنهم فقط أن يمضوا وقتهم في انتظار أن ترتكب الدوحة خطئا من شأنه أن ينفر واشنطن، أو أن تعيد الولايات المتحدة تقييم موقفها الاستراتيجي في المنطقة.

وبغض النظر عن ذلك، كلما استمرت المواجهة، أصبحت تحالفات قطر أكثر تنوعا.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

قطر تركيا أمريكا السعودية الإمارات مصر البحرين حصار قطر الأزمة الخليجية القاعدة التركية في قطر